Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : { خَـلَقَكُمْ } أيها الناس { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعنـي من آدم { ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها } يقول : ثم جعل من آدم زوجه حواء ، وذلك أن الله خـلقها من ضِلَع من أضلاعه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحدَةٍ } يعنـي آدم ، ثم خـلق منها زوجها حواء ، خـلقها من ضلع من أضلاعه . فإن قال قائل : وكيف قـيـل : خـلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ؟ وإنـما خـلق ولد آدم من آدم وزوجته ، ولا شك أن الوالدين قبل الولد ، فإن فـي ذلك أقوالاً : أحدها أن يقال : قـيـل ذلك لأنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ لَـمَّا خَـلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ ، فأَخْرَج كُلَّ نَسَمَةٍ هِيَ كائِنَةٌ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ ، ثُمَّ أسْكَنَهُ بَعْدَ ذلكَ الـجَنَّةَ ، وَخَـلَقَ بَعْدَ ذلكَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أضْلاعِهِ " فهذا قول . والآخر : أن العرب ربـما أخبر الرجل منهم عن رجل بفعلـين ، فـيردّ الأول منهما فـي الـمعنى بثم ، إذا كان من خبر الـمتكلـم ، كما يقال : قد بلغنـي ما كان منك الـيوم ، ثم ما كان منك أمس أعجب ، فذلك نسق من خبر الـمتكلـم . والوجه الآخر : أن يكون خـلقه الزوج مردوداً علـى واحدها ، كأنه قـيـل : خـلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها ، فـيكون فـي واحدة معنى : خـلقها وحدها ، كما قال الراجز : @ أَعْدَدْتَهُ للْـخَصْمِ ذِي التَّعَدِّي كَوَّحْتَهُ مِنْكَ بِدُونِ الـجَهُدِ @@ بـمعنى : الذي إذا تعدى كوحته ، ومعنى : كوّحته : غلبته . والقول الذي يقوله أهل العلـم أولـى بـالصواب ، وهو القول الأوّل الذي ذكرت أنه يقال : إن الله أخرج ذرّية آدم من صلبه قبل أن يخـلق حوّاء ، وبذلك جاءت الرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقولان الآخران علـى مذاهب أهل العربـية . وقوله : { وأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } يقول تعالـى ذكره : وجعل لكم من الأنعام ثمانـية أزواج من الإبل زوجين ، ومن البقر زوجين ، ومن الضأن اثنـين ، ومن الـمعْز اثنـين ، كما قال جلّ ثناؤه : { ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَـيْن وَمِنَ الـمَعْزِ اثْنَـيْن } كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } قال : من الإبل والبقر والضأن والـمعز . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } من الإبل اثنـين ، ومن البقر اثنـين ، ومن الضأن اثنـين ، ومن الـمعز اثنـين ، من كلّ واحد زوج . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِـيَةَ أزْوَاجٍ } يعنـي من الـمعز اثنـين ، ومن الضأن اثنـين ، ومن البقر اثنـين ، ومن الإبل اثنـين . وقوله : { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } يقول تعالـى ذكره : يبتدىء خـلقكم أيها الناس فـي بطون أمهاتكم خـلقاً من بعد خـلق ، وذلك أنه يحدث فـيها نطفة ، ثم يجعلها علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاماً ، ثم يكسو العظام لـحماً ، ثم يُنشئه خـلقاً آخر ، تبـارك الله وتعالـى ، فذلك خـلقه إياه خـلقاً بعد خـلق ، كما : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن سماك ، عن عكرمة { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْد خَـلْقٍ } قال : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } قال : نطفة ، ثم ما يتبعها حتـى تـمّ خـلقه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاماً ، ثم لـحماً ، ثم أنبت الشعر ، أطوار الـخـلق . حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة فـي قوله : { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } قال : يعنـي بخـلق بعد الـخـلق ، علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاماً . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } قال : يكونون نطفـاً ، ثم يكونون علقاً ، ثم يكونون مضغاً ، ثم يكونون عظاماً ، ثم ينفخ فـيهم الروح . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } خـلق نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : يخـلقكم فـي بطون أمهاتكم من بعد خـلقه إياكم فـي ظهر آدم ، قالوا : فذلك هو الـخـلق من بعد الـخـلق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { يَخْـلُقُكُمْ فِـي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَـلْقاً مِنْ بَعْدِ خَـلْقٍ } قال : خـلقاً فـي البطون من بعد الـخـلق الأوّل الذي خـلقهم فـي ظهر آدم . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ، القول الذي قاله عكرمة ومـجاهد ، ومن قال فـي ذلك مثل قولهما ، لأن الله جلّ وعزّ أخبر أنه يخـلقنا خـلقاً من بعد خـلق فـي بطون أمهاتنا فـي ظلـمات ثلاث ، ولـم يخبر أنه يخـلقنا فـي بطون أمهاتنا من بعد خـلقنا فـي ظهر آدم ، وذلك نـحو قوله : { وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِـي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَـلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً } الآية . وقوله : { فـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } يعنـي : فـي ظلـمة البطْن ، وظلـمة الرّحمِ ، وظُلـمة الـمَشِيَـمة . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : الظلـمات الثلاث : البطن ، والرحم ، والـمَشيـمة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن سماك ، عن عكرمة { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : البطن ، والـمشيـمة ، والرحم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه عن ابن عبـاس { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : يعنـي بـالظلـمات الثلاث : بطن أمه ، والرحم ، والـمَشِيـمة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : البطن ، والرحم والـمَشِيـمة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } الـمَشِيـمة ، والرحم ، والبطن . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : ظلـمة الـمشيـمة ، وظلـمة الرحم ، وظلـمة البطن . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } قال : الـمشيـمة فـي الرحم ، والرحم فـي البطن . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { فِـي ظُلُـماتٍ ثَلاثٍ } : الرحم ، والـمشيـمة ، والبطن ، والـمشيـمة التـي تكون علـى الولد إذا خرج ، وهي من الدواب السَّلـي . وقوله : { ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ } يقول تعالـى ذكره : هذا الذي فعل هذه الأفعال أيها الناس هو ربكم ، لا من لا يجلب لنفسه نفعاً ، ولا يدفع عنها ضرّاً ، ولا يسوق إلـيكم خيراً ، ولا يدفع عنكم سوءً من أوثانكم وآلهتكم . وقوله : { لَهُ الـمُلْكُ } يقول جلّ وعزّ : لربكم أيها الناس الذي صفته ما وصف لكم ، وقُدرته ما بـين لكم الـمُلك ، مُلك الدنـيا والآخرة وسلطانهما لا لغيره فأما ملوك الدنـيا فإنـما يـملك أحدهما شيئاً دون شيء ، فإنـما له خاص من الـمُلك . وأما الـمُلك التام الذي هو الـمُلك بـالإطلاق فلله الواحد القهار . وقوله : { لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَأنَّـي تُصْرَفُونَ } يقول تعالـى ذكره : لا ينبغي أن يكون معبود سواه ، ولا تصلـح العبـادة إلا له { فأنَّى تُصْرَفُونَ } يقول تعالـى ذكره : فأنى تصرفون أيها الناس فتذهبون عن عبـادة ربكم ، الذي هذه الصفة صفته ، إلـى عبـادة من لا ضر عنده لكم ولا نفع . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فأنَّى تُصْرَفُونَ } قال : كقوله : { تُؤْفَكُونَ } حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي { فَأنَّى تُصْرَفُونَ } قال للـمشركين : أنى تصرف عقولكم عن هذا ؟