Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { إنْ تَكْفُرُوا فإنَّ اللّهَ غَنـيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبـادِهِ الكُفْرَ } فقال بعضهم : ذلك لـخاص من الناس ، ومعناه : إن تكفروا أيها الـمشركون بـالله ، فإن الله غنـي عنكم ، ولا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين الذين أخـلصهم لعبـادته وطاعته الكفر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـي قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـي ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إنْ تَكْفُرُوا فإنَّ اللّهَ غَنِـيٌ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ } يعنـي الكفـار الذين لـم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، فـيقولوا : لا إله إلا الله ، ثم قال : { وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ } وهم عبـاده الـمخـلصون الذين قال فـيهم : { إنَّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهمْ سُلْطانٌ } فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحَبَّبها إلـيهم . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي { وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ } قال : لا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين أن يكفروا . وقال آخرون : بل ذلك عام لـجميع الناس ، ومعناه : أيها الناس إن تكفروا ، فإن الله غنـي عنكم ، ولا يرضى لكم أن تكفروا به . والصواب من القول فـي ذلك ما قال الله جلّ وعزّ : إن تكفروا بـالله أيها الكفـار به ، فإن غنـيّ عن إيـمانكم وعبـادتكم إياه ، ولا يرضى لعبـاده الكفر ، بـمعنى : ولا يرضى لعبـاده أن يكفروا به ، كما يقال : لست أحب الظلـم ، وإن أحببت أن يظلـم فلان فلاناً فـيعاقب . وقوله : { وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } يقول : وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له ، وذلك هو إيـمانهم به وطاعتهم إياه ، فكنى عن الشكر ولـم يُذْكر ، وإنـما ذكر الفعل الدالّ علـيه ، وذلك نظير قوله : { الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فـاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيـماناً } بـمعنى : فزادهم قول الناس لهم ذلك إيـماناً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } قال : إن تطيعوا يرضه لكم . وقوله : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } يقول : لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها ، ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها ، يُعْلِـم عزّ وجلّ عبـاده أن علـى كلّ نفس ما جنت ، وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَلا تَزرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } قال : لا يؤخذ أحد بذنب أحد . وقوله : { ثُمَّ إلـى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَـيُنَبِّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ } يقول تعالـى ذكره : ثم بعد اجتراحكم فـي الدنـيا ما اجترحتـم من صالـح وسيىء ، وإيـمان وكفر أيها الناس ، إلـى ربكم مصيركم من بعد وفـاتكم ، { فـينبئكم } يقول : فـيخبركم بـما كنتـم فـي الدنـيا تعملونه من خير وشرّ ، فـيجازيكم علـى كلّ ذلك جزاءكم ، الـمـحسن منكم بإحسانه ، والـمسيء بـما يستـحقه يقول عزّ وجلّ لعبـاده : فـاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتـم فـي الدنـيا بـما لا يرضاه منكم تهلكوا ، فإنه لا يخفـى علـيه عمل عامل منكم . وقوله : { إنَّهُ عَلِـيـمٌ بذاتِ الصُّدُورِ } يقول تعالـى ذكره : إن الله لا يخفـى علـيه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مـما لا تُدركه أعينكم ، فكيف بـما أدركته العيون ورأته الأبصار . وإنـما يعنـي جلّ وعزّ بذلك الـخبر عن أنه لا يخفـى علـيه شيء ، وأنه مُـحصٍ علـى عبـاده أعمالهم ، لـيجازيهم بها كي يتقوه فـي سرّ أمورهم وعلانـيتها .