Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { أمَّنْ } فقرأ ذلك بعض الـمكيـين وبعض الـمدنـيـين وعامة الكوفـيـين : « أمَنْ » بتـخفـيف الـميـم ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان : أحدهما أن يكون الألف فـي « أمَّن » بـمعنى الدعاء ، يراد بها : يا من هو قانت آناء اللـيـل ، والعرب تنادي بـالألف كما تنادي بـيا ، فتقول : أزيد أقبِلْ ، ويا زيد أَقبِلْ ومنه قول أوس بن حجر : @ أَبَنِـي لُبَـيْنَى لَسْتُـمُ بِـيَدٍ إلاَّ يَدٌ لَـيْسَتْ لَهَا عَضُدُ @@ وإذا وجهت الألف إلـى النداء كان معنى الكلام : قل تـمتع أيها الكافر بكفرك قلـيلاً ، إنك من أصحاب النار ، ويا من هو قانت آناء اللـيـل ساجداً وقائماً إنك من أهل الـجنة ، ويكون فـي النار عمى للفريق الكافر عند الله من الـجزاء فـي الآخرة ، الكفـاية عن بـيان ما للفريق الـمؤمن ، إذ كان معلوماً اختلاف أحوالهما فـي الدنـيا ، ومعقولاً أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الآخر من أصحاب الـجنة ، فحذف الـخبر عما له ، اكتفـاء بفهم السامع الـمراد منه من ذكره ، إذ كان قد دلّ علـى الـمـحذوف بـالـمذكور . والثانـي : أن تكون الألف التـي فـي قوله : « أمَنْ » ألف استفهام ، فـيكون معنى الكلام : أهذا كالذي جعل لله أنداداً لـيضلّ عن سبـيـله ، ثم اكتفـى بـما قد سبق من خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه ، إذ كان مفهوماً الـمراد بـالكلام ، كما قال الشاعر : @ فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُ سِوَاكَ وَلَكِنْ لَـمْ نَـجِدْ لَكَ مَدْفَعا @@ فحذف لدفعناه وهو مراد فـي الكلام إذ كان مفهوماً عند السامع مراده . وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : { أمَّنْ } بتشديد الـميـم ، بـمعنى : أم من هو ؟ ويقولون : إنـما هي { أمَّنْ } استفهام اعترض فـي الكلام بعد كلام قد مضى ، فجاء بأم فعلـى هذا التأويـل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكاً من أجل أنه قد جرى الـخبر عن فريق الكفر ، وما أعدّ له فـي الآخرة ، ثم أتبع الـخبر عن فريق الإيـمان ، فعلـم بذلك الـمراد ، فـاستغنـي بـمعرفة السامع بـمعناه من ذكره ، إذ كان معقولاً أن معناه : هذا أفضل أم هذا ؟ . والقول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علـماء من القرّاء مع صحة كلّ واحدة منهما فـي التأويـل والإعراب ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين ، والصواب من القول عندنا فـيـما مضى قبل فـي معنى القانت ، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التأويـل فـي ذلك فـي هذا الـموضع ، لـيعلـم الناظر فـي الكتاب اتفـاق معنى ذلك فـي هذا الـموضع وغيره ، فكان بعضهم يقول : هو فـي هذا الـموضع قراءة القارىء قائماً فـي الصلاة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا يحيى ، عن عبـيد الله ، أنه قال : أخبرنـي نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا سُئل عن القنوت ، قال : لا أعلـم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القـيام ، وقرأ : { أمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّـيْـلِ ساجِداً وقائماً } . وقال آخرون : هو الطاعة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { أَمَّنْ هُوْ قانِتٌ } يعنـي بـالقنوت : الطاعة ، وذلك أنه قال : { ثُمَّ إذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُـمْ تَـخْرُجُونَ } إلـى { كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ } قال : مطيعون . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { أَمَّنْ هُو قانِتٌ آناءَ اللَّـيْـلِ ساجِداً وَقائماً } قال : القانت : الـمطيع . وقوله : { آناءَ اللَّـيْـلِ } يعنـي : ساعات اللـيـل ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أَمَّنْ هُوَ قانتٌ آناءَ اللَّـيْـلِ } أوّله ، وأوسطه ، وآخره . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { آناءَ اللَّـيْـلِ } قال : ساعات اللـيـل . وقد مضى بـياننا عن معنى الآناء بشواهده ، وحكاية أقوال أهل التأويـل فـيها بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقوله : { ساجِداً وَقائماً } يقول : يقنت ساجداً أحياناً ، وأحياناً قائماً ، يعنـي : يطيع والقنوت عندنا الطاعة ، ولذلك نصب قوله : { ساجِداً وَقائماً } لأن معناه : أمَّن هو يقنت آناء اللـيـل ساجدا طوراً ، وقائماً طوراً ، فهما حال من قانت . وقوله : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ } يقول : يحذر عذابَ الآخرة ، كما : حدثنا علـيّ بن الـحسن الأزديّ . قال : ثنا يحيى بن الـيـمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ } قال : يحذر عقاب الآخرة ، ويرجو رحمة ربه ، يقول : ويرجو أن يرحمه الله فـيدخـله الـجنة . وقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ } يقول تعالـى ذكره : قل يا مـحمد لقومك : هل يستوي الذين يعلـمون ما لهم فـي طاعتهم لربهم من الثواب ، وما علـيهم فـي معصيتهم إياه من التبعات ، والذين لا يعلـمون ذلك ، فهم يخبطون فـي عشواء ، لا يجرجون بحسن أعمالهم خيراً ، ولا يخافون بسيِّئها شراً ؟ يقول : ما هذان بـمتساويـين . وقد رُوي عن أبـي جعفر مـحمد بن علـي فـي ذلك ما : حدثنـي مـحمد بن خـلف ، قال : ثنـي نصر بن مزاحم ، قال : ثنا سفـيان الـجريري ، عن سعيد بن أبـي مـجاهد ، عن جابر ، عن أبـي جعفر ، رضوان الله علـيه { هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ } قال : نـحن الذين يعلـمون ، وعدوُّنا الذين لا يعلـمون . وقوله : { إنَّـمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبـابِ } يقول تعالـى ذكره : إنـما يعتبر حجج الله ، فـيتعظ ، ويتفكر فـيها ، ويتدبرها أهلُ العقول والـحجى ، لا أهل الـجهل والنقص فـي العقول .