Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وإذا مسّ الإنسان بلاء فـي جسده من مرض ، أو عاهة ، أو شدّة فـي معيشته ، وجهد وضيق { دَعا رَبَّهُ } يقول : استغاث بربه الذي خـلقه من شدّة ذلك ، ورغب إلـيه في كشف ما نزل به من شدّة ذلك . وقوله : { مُنِـيبـاً إلَـيْهِ } يقول : تائبـاً إلـيه مـما كان من قبل ذلك علـيه من الكفر به ، وإشراك الآلهة والأوثان به فـي عبـادته ، راجعاً إلـى طاعته . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ } قال : الوجع والبلاء والشدّة { دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إلَيْهِ } قال : مستغيثاً به . وقوله : { ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نَعْمَةً مِنْهُ } يقول تعالى ذكره : ثم إذا منحه ربه نعمة منه ، يعني عافية ، فكشف عنه ضرّه ، وأبدله بـالسقم صحة ، وبالشدة رخاء . والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره : قد خوّله ومنه قول أبي النجْم العِجْلِيّ : @ أعْطَى فَلْم يَبْخَلْ ولَمْ يُبَخَّلِ كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ المُخَوَّلِ @@ وحدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى أنه قال : سمعت أبـا عمرو يقول فـي بـيت زُهَيْر : @ هُنالِكَ إنْ يُسْتَـخْوَلُوا الـمَالَ يُخْوِلوا وإنْ يُسْأَلُوا يُعْطوا وَإنْ يَـيْسِرُوا يُغْلوا @@ قال معمر : قال يونس : إنـما سمعناه : @ هُنالكَ إنْ يُسْتَـخْبَلُوا الـمَالَ يُخْبِلوا @@ قال : وهي بـمعناها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ } : إذا أصابته عافـية أو خير . وقوله : { نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَـيْهِ مِنْ قَبْلُ } يقول : ترك دعاءه الذي كان يدعو إلـى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ { وَجَعَلِ لِلّهِ أنْدَاداً } يعنـي : شركاء . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { نَسِيَ } يقول : ترك ، هذا فـي الكافر خاصة . ولـ « ما » التـي فـي قوله : { نَسِيَ ما كانَ } وجهان : أحدهما : أن يكون بـمعنى الذي ، ويكون معنى الكلام حينئذٍ : ترك الذي كان يدعوه فـي حال الضرّ الذي كان به ، يعنـي به الله تعالـى ذكره ، فتكون « ما » موضوعة عند ذلك موضع « مَنْ » كما قـيـل : { وَلا أنْتُـمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ } يعنـي به الله ، وكما قـيـل : { فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ } والثانـي : أن يكون بـمعنى الـمصدر علـى ما ذكرت . وإذا كانت بـمعنى الـمصدر ، كان فـي الهاء التـي فـي قوله : { إلَـيْهِ } وجهان : أحدهما : أن يكون من ذكر ما . والآخر : من ذكر الربّ . وقوله : { وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَاداً } يقول : وجعل لله أمثالاً وأشبـاها . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي جعلوها فـيه له أنداداً ، قال بعضهم : جعلوها له أنداداً فـي طاعتهم إياه فـي معاصي الله . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَجَعَلَ لِلّهِ أنْدَاداً } قال : الأنداد من الرجال : يطيعونهم فـي معاصي الله . وقال آخرون : عنى بذلك أنه عبد الأوثان ، فجعلها لله أنداداً فـي عبـادتهم إياها . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال : عَنَى به أنه أطاع الشيطان فـي عبـادة الأوثان ، فجعل له الأوثان أنداداً ، لأن ذلك فـي سياق عتاب الله إياهم له علـى عبـادتها . وقوله : { لِـيُضِلَّ عَنْ سَبِـيـلِهِ } يقول : لـيزيـل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده ، والإقرار به ، والدخول فـي الإسلام . وقوله : { قُلْ تَـمَتَّعْ بكُفْرِكَ قَلِـيلاً } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد لفـاعل ذلك : تـمتع بكفرك بـالله قلـيلاً إلـى أن تستوفَـي أجلك ، فتأتـيك منـيتك { إنَّكَ مِنْ أصحَابِ النَّارِ } : أي إنك من أهل النار الـماكثـين فـيها . وقوله : { تَـمَتَّعْ بِكُفْرِكَ } : وعيد من الله وتهدُّدٌ .