Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 103-103)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإذا فرغتم أيها المؤمنون من صلاتكم ، وأنتم مواقفو عدوّكم التي بيناها لكم ، فاذكروا الله على كلّ أحوالكم قياماً وقعوداً ، ومضطجعين على جنوبكم بالتعظيم له ، والدعاء لأنفسكم بالظفر على عدوّكم ، لعلّ الله أن يظفركم وينصركم عليهم . وذلك نظير قوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الأنفال : 45 ] . وكما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً } يقول : لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها جزاءاً معلوماً . ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه ، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله ، فقال : فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم ، بالليل والنهار ، في البرّ والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسرّ والعلانية ، وعلى كلّ حال . وأما قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } : فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم ، { فَأَقِيمُواْ } يعني : فأتموا { ٱلصَّلَوٰةِ } التي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الأرض . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد في قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } قال : الخروج من دار السفر إلى دار الإقامة . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } يقول : إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلاة . وقال آخرون : معنى ذلك : فإذا استقررتم فأقيموا الصلاة ، أي فأتموا حدودها بركوعها وسجودها . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } قال : فإذا اطمأننتم بعد الخوف . وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ } قال : فإذا اطمأننتم فصلوا الصلاة لا تصلّها راكباً ولا ماشياً ولا قاعداً . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ } قال : أتموها . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الآية ، تأويل من تأوّله : فإذا زال خوفكم من عدوّكم وأمنتم أيها المؤمنون واطمأنت أنفسكم بالأمن ، فأقيموا الصلاة ، فأتموها بحدودها المفروضة عليكم ، غير قاصريها عن شيء من حدودها . وأنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تعالى ذكره عرّف عباده المؤمنين الواجب عليهم من فرض صلاتهم بهاتين الآيتين في حالين : إحداهما شدة حال خوف أذن لهم فيها بقصر الصلاة ، على ما بينت من قصر حدودها عن التمام ، والأخرى حال غير شدّة الخوف أمرهم فيها بإقامة حدودها ، وإتمامها على ما وصفه لهم جلّ ثناؤه من معاقبة بعضهم بعضاً في الصلاة خلف أئمتهم ، وحراسة بعضهم بعضاً من عدوّهم وهي حالة لا قصر فيها ، لأنه يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الحال : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة . فمعلوم بذلك أن قوله : { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا ٱلصَّلَوٰةَ } إنما هو : فإذا اطمأننتم من الحالة التي لم تكونوا مقيمين فيها صلاتكم فأقيموها ، وتلك حالة شدة الخوف ، لأنه قد أمرهم باقامتها في حال غير شدة الخوف بقوله : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ } [ النساء : 102 ] … الآية . القول في تأويل قوله تعالى : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن الصلاة كانت على المؤمنين فريضة مفروضة . ذكر من قال ذلك : حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي في قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : فريضة مفروضة . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، قال : ثني عليّ عن ابن عباس : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : مفروضاً ، الموقوت : المفروض . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أما كتاباً موقوتاً : فمفروضاً . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : { كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : مفروضاً . وقال آخرون : معنى ذلك : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضاً واجباً . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : كتاباً واجباً . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : واجباً . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن معمر بن سام ، عن أبي جعفر في قوله : { كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : مُوجَباً . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } والموقوت : الواجب . حدثني أحمد بن حازم ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا معمر بن يحيـى ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : وجوبها . وقال آخرون : معنى ذلك : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً منجماً يؤدونها في أنجمها . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتاً كوقت الحجّ . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن زيد بن أسلم في قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } قال : منَجَّماً ، كلما مضَى نَجم جاء نجم آخر ، يقول : كلما مضى وقت جاء وقت آخر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن زيد بن أسلم بمثله . قال أبو جعفر : وهذه الأقوال قريب معنى بعضها من بعض ، لأن ما كان مفروضاً فواجب ، وما كان واجباً أداؤه في وقت بعد وقت فمنجم . غير أن أولى المعاني بتأويل الكلمة قول من قال : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضاً منجماً ، لأن الموقوت إنما هو مفعول من قول القائل : وَقَتَ اللّه عليك فرضه فهو يَقِتُهُ ، ففرضُه عليك موقوت ، إذا أخبر أنه جَعل له وقتاً يجب عليك أداؤه . فكذلك معنى قوله : { إنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كانَتْ علىٰ ٱلمُؤْمِنِينَ كِتَـٰباً مَّوْقُوتاً } إنما هو كانت على المؤمنين فرضاً وقت لهم وقت وجوب أدائه ، فبَّين ذلك لهم . ]