Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جل ثناؤه بقوله : { وَلاَ تَهِنُواْ } : ولا تضعفوا ، من قولهم : وَهَنَ فلان في هذا الأمر يَهِنُ وَهُناً ووُهوناً . وقوله : { فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ } : يعني في التماس القوم وطلبهم ، والقوم هم أعداء الله وأعداء المؤمنين من أهل الشرك بالله { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } يقول : إن تكونوا أيها المؤمنون تَيْجَعون مما ينالكم من الجراح منهم في الدنيا . { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } يقول : فإن المشركين ييجعون مما ينالهم منكم من الجراح والأذى ، مثل ما تيجعون أنتم من جراحهم وأذاهم فيها . { وَتَرْجُونَ } أنتم أيها المؤمنون { مِنَ ٱللَّهِ } من الثواب على ما ينالكم منهم ، { مَا لاَ يَرْجُونَ } هم على ما ينالهم منكم . يقول : فأنتم إذ كنتم موقنين من ثواب الله لكم على ما يصيبكم منهم بما هم به مكذّبون ، وأولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وحربكم ، وأن تجدّوا من طلبهم وابتغائهم لقتالهم على ما يهنون هم فيه ولا يجدّون ، فكيف على ما جَدّوا فيه ولم يهنوا ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } منهم ، { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإنكم إن تكونوا تيجعون ، فإنهم ييجعون كما تيجعون ، وترجون من الله من الأجر والثواب ما لا يرجون . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } قال : يقول : لا تضعفوا في طلب القوم ، فإن تكونوا تيجعون من الجراحات ، فإنهم ييجعون كما تيجعون . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ } : لا تضعفوا . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : { وَلاَ تَهِنُواْ } يقول : لا تضعفوا . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ } قال : يقول : لا تضعفوا عن ابتغائهم ، { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } القتال ، { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } قال : وهذا قبل أن تصيبهم الجراح إن كنتم تكرهون القتال فتألمونه فإنهم يألمون كما تألمون ، { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } يقول : فلا تضعفوا في ابتغائهم مكان القتال . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } : توجعون . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } قال : توجعون لما يصيبكم منهم ، فإنهم يوجعون كما توجعون . { وَتَرْجُونَ } أنتم من الثواب فيما يصيبكم { مَا لاَ يَرْجُونَ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما كان قتال أُحد ، وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد لا جرح إلا بجرح ، الحرب سجال ، يوم لنا ويوم لكم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « أجِيبُوهُ » ! فقالوا : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . فقال أبو سفيان : عزّى لنا ولا عزّى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قُولُوا لَهُ : اللّهُ مَوْلانا وَلا مَوْلَى لَكُمْ " قال أبو سفيان : أُعْلُ هبل ! أُعْلُ هبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قُولُوا لَهُ : اللّهُ أعْلَى وأجَلُّ " فقال أبو سفيانُ : موعدنا وموعدكم بدر الصغرى . ونام المسلمون وبهم الكلوم . قال عكرمة : وفيها أنزلت : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 140 ] ، وفيهم أنزلت : { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } قال : ييجعون كما تيجعون . وقد ذكرنا عن بعضهم أنه كان يتأوّل قوله : { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } : وتخافون من الله ما لا يخافون ، من قول الله : { قُل لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 14 ] بمعنى : لا يخافون أيام الله . وغير معروف صرف الرجاء إلى معنى الخوف في كلام العرب ، إلا مع جحد سابق له ، كما قال جلّ ثناؤه : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] بمعنى : لا تخافون لله عظمة ، وكما قال الشاعر الهذلي : @ لا تَرْتجِي حِينَ تُلاقي الذَّائِدَا أسَبْعَةً لاقَتْ مَعاً أمْ وَاحِدَاً @@ وكما قال أبو ذؤيب : @ إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها وخالَفَها في بَيْتِ نُوَبٍ عَوَاسِلِ @@ وهي فيما بلغنا لغة أهل الحجاز ، يقولونها بمعنى : ما أبالي وما أحفل . القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } : يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولم يزل الله عليماً بمصالح خلقه ، حكيماً في تدبيره وتقديره ، ومن علمه أيها المؤمنون بمصالحكم عرّفكم عند حضور صلاتكم ، وواجب فرض الله عليكم ، وأنتم مواقفو عدوّكم ما يكون به وصولكم إلى أداء فرض الله عليكم ، والسلامة من عدوّكم ومن حكمته بصركم بما فيه تأييدكم ، وتوهين كيد عدوّكم . ]