Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-123)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فقال بعضهم : عُني بقوله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } أهل الإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء : نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم قال : فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : لما نزلت : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 124 ] . حدثني أبو السائب وابن وكيع ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال : احتجّ المسلمون وأهل الكتاب ، فقال المسلمون : نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ، فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال : ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 124 ] … إلى آخر الآيتين . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، نبيُّنا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضى على الكتب التي كانت قبله . فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } … إلى قوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفاً } [ النساء : 125 ] فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : التقى ناس من اليهود والنصارى ، فقالت اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هوداً . وقالت النصارى مثل ذلك . فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا . فردّ الله عليهم قولهم ، فقال : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } ثم فضل الله المؤمنين عليهم ، فقال : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفاً } [ النساء : 125 ] . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } تخاصم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابُنا أوّل كتاب وخيرها ، ونبينا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل نحواً من ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا دين الإسلام ، وكتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأُمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم . فقضى الله بينهم ، فقال : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } . ثم خير بين أهل الأديان ، ففضل أهل الفضل ، فقال : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } [ النساء : 125 ] … إلى قوله : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } … إلى : { وَلاَ نَصِيراً } تحاكم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا خير من الكتب ، أنزل قبل كتابكم ، ونبيُّنا خير الأنبياء . وقال أهل الإنجيل مثل ذلك . وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام ، كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرتم وأُمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا . فقضى الله بينهم فقال : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } وخير بين أهل الأديان فقال : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا يعلى بن عبيد وأبو زهير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل . فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } ، ثم خصّ الله أهل الإيمان فقال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 124 ] . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : جلس أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الزبور وأهل الإيمان ، فتفاخروا ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وهؤلاء : نحن أفضل . فأنزل الله : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] . حدثنا يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال : افتخر أهل الأديان ، فقالت اليهود : كتابنا خير الكتب وأكرمها على الله ، ونبينا أكرم الأنبياء على الله موسى ، كلمه الله قَيَلاً ، وخلا به نجيًّا ، وديننا خير الأديان . وقالت النصارى : عيسى بن مريم خاتم الرسل ، وآتاه الله التوراة والإنجيل ، ولو أدركه موسى لاتَّبَعَهُ ، وديننا خير الأديان . وقالت المجوس وكفار العرب : ديننا أقدم الأديان وخيرها . وقال المسلمون : محمد نبينا خاتم النبيين ، وسيد الأنبياء ، والفرقان آخر ما أنزل من الكتب من عند الله ، وهو أمين على كلّ كتاب ، والإسلام خير الأديان . فخير الله بينهم ، فقال : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } . وقال آخرون : بل عنى الله بقوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } : أهل الشرك به من عبدة الأوثان . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال : قريش قالت : لن نُبعث ولن نُعذَّب . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } قال : قالت قريش : لن نُبعث ولن نُعذَّب ، فأنزل الله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } . حدثني يعقوب ابن إبراهيم ، قال : ثنا ابن عُلَية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : قالت العرب : لن نبعث ولن نعذَّب وقالت اليهود والنصارى : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، أو قالوا { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] شكّ أبو بشر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال : قريش وكعب بن الأشرف { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } [ النساء : 51 ] … إلى آخر الآية ، قال : جاء حيـى بن أخطب إلى المشركين ، فقالوا له : يا حُيَـيُّ إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد وأصحابه ؟ فقال : أنتم خير منه . فذلك قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } [ النساء : 51 ] … إلى قوله : { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } [ النساء : 52 ] . ثم قال للمشركين : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فقرأ حتى بلغ : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 124 ] رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] . قال : ووعد الله المؤمنين أن يكفِّر عنهم سيئاتهم ، ولم يَعِد أولئك ، وقرأ : { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ العنكبوت : 7 ] . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزَّة ، عن مجاهد في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : قالت قريش : لن نُبعث ولن نُعذَّب . وقال آخرون : عُني به أهل الكتاب خاصة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبي أسيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } … الآية ، قال : نزلت في أهل الكتاب حين خالفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، ما قال مجاهد من أنه عنى بقوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } مشركي قريش . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } وإنما جرى ذكر أمانيّ نصيب الشيطان المفروض ، وذلك في قوله : { وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءاذَانَ ٱلأَنْعَـٰمِ } [ النساء : 119 ] وقوله : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } [ النساء : 120 ] فإلحاق معنى قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } بما قد جري ذكره قبل أحقّ وأولى من ادّعاء تأويل فيه ، لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أجماع من أهل التأويل . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية إذن : ليس الأمر بأمانيكم يا معشر أولياء الشيطان وحزبه التي يمنيكموها وليكم عدوّا لله من إنقاذكم ممن أرادكم بسوء ، ونصرتكم عليه ، وإظفاركم به ، ولا أماني أهل الكتاب الذين قالوا اغترارا بالله وبحلمه عنهم : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ، فإن الله مجازي كل عامل منكم جزاء عمله ، من يعمل منكم سوء ، أو من غيركم يجز به ، ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة . ومما يدلّ أيضاً على صحة ما قلنا في تأويل ذلك ، وأنه عُني بقوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } مشركو العرب كما قال مجاهد : إن الله وصف وعد الشيطان ما وعد أولياءه ، وأخبر بحال وعده ، ثم أتبع ذلك بصفة وعده الصادق بقوله : { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } [ النساء : 122 ] وقد ذكر جلّ ثناؤه مع وصفه وعد الشيطان أولياءه ، وتمنيته إياهم الأماني بقوله : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } [ النساء : 120 ] كما ذكر وعده إياهم ، فالذي هو أشبه أن يتبع تمنيته إياهم من الصفة ، بمثل الذي أتبع عدّته إياهم به من الصفة . وإذ كان ذلك كذلك صحّ أن قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } … الآية ، إنما هو خبر من الله عن أمانيّ أولياء الشيطان وما إليه صائرة أمانيهم مع سيـىء أعمالهم من سوء الجزاء ، وما إليه صائرة أعمال أولياء الله من حسن الجزاء . وإنما ضمّ جلّ ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في قوله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } لأن أماني الفريقين من تمنية الشيطان إياهم التي وعدهم أن يمنيهموها بقوله : { وَلاَضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] . القول في تأويل قوله تعالى : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عنى بالسوء كلّ معصية لله ، وقالوا : معنى الآية : من يرتكب صغيرة أو كبيرة من مؤمن أو كافر من معاصي الله ، يجازه الله بها . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : أن زياد بن الربيع سأل أبيّ بن كعب عن هذه الآية : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } فقال : ما كنت أراك إلا أفقه مما أرى ! النكبة والعود والخدش . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا غندر ، عن هشام الدستوائي ، قال : ثنا قتادة ، عن الربيع بن زياد ، قال : قلت لأبيّ بن كعب ، قول الله تبارك وتعالى : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } والله إن كان كل ما عملنا جزينا به هلكنا ! قال : والله إن كنت لأراك أفقه مما أرى ! لا يصيب رجلاً خدش ولا عثرة إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، حتى اللدغة والنفحة . حدثنا القاسم بن بشر بن معرور ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن حجاج الصوّاف ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، قال : دخلت على عائشة كي أسألها عن هذه الآية : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قالت : ذاك ما يصيبكم في الدنيا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني خالد أنه سمع مجاهداً يقول في قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قال : يجز به في الدنيا ، قال : قلت : وما تبلغ المصيبات ؟ قال : ما تكره . وقال آخرون : معنى ذلك : من يعمل سوءاً من أهل الكفر يجز به . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : الكافر . ثم قرأ : { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] قال : من الكفار . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا سهل ، عن حميد ، عن الحسن ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو همام الأهوازيّ ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أنه كان يقول : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } و { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] يعني بذلك : الكفار ، لا يعني بذلك أهل الصلاة . حدثني الحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا مبارك ، عن الحسن ، في قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : والله ما جازى الله عبداً بالخير والشرّ إلا عذّبه ، قال : { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [ النجم : 31 ] قال : أما والله لقد كانت لهم ذنوب ، ولكنه غفرها لهم ، ولم يجازهم بها ، إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنب ، إذًا توبقه ذنوبه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك ، يعني المشركين . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الحسن : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : إنما ذلك لمن أراد الله هوانه فأما من أراد كرامته فإنه من أهل الجنة { وَعْدَ ٱلصّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 16 ] . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } يعني بذلك : اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب ، ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً . وقال آخرون : معنى السوء في هذا الموضع : الشرك . قالوا : وتأويل قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } : من يشرك بالله يجز بشركه ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } يقول : من يشرك يجز به ، وهو السوء ، { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } إلا أن يتوب قبل موته ، فيتوب الله عليه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : الشرك . قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها بتأويل الآية ، التأويل الذي ذكرناه عن أبيّ بن كعب وعائشة ، وهو أن كل من عمل سوءاً صغيراً أو كبيراً من مؤمن أو كافر ، جوزي به . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لعموم الآية كل عامل سوء ، من غير أن يخص أو يستثنى منهم أحد ، فهي على عمومها إذ لم يكن في الآية دلالة على خصوصها ولا قامت حجة بذلك من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن قال قائل : وأين ذلك من قول الله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } [ النساء : 31 ] وكيف يجوز أن يجازي على ما قد وعد تكفيره ؟ قيل : إنه لم يعد بقوله : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } [ النساء : 31 ] ترك المجازاة عليها ، وإنما وَعَد التكفير بترك الفضيحة منه لأهلها في معادهم ، كما فضح أهل الشرك والنفاق . فأما إذا جازاهم في الدنيا عليها بالمصائب ليكفرها عنهم بها ليوافوه ولا ذنب لهم ، يستحقون المجازاة عليه ، فإنما وفي لهم بما وعدهم بقوله : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } [ النساء : 31 ] وأنجز لهم ما ضمن لهم بقوله : { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [ النساء : 122 ] . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الأخبار الواردة بذلك : حدثنا أبو كريب ، وسفيان بن وكيع ونصر بن عليّ وعبد الله بن أبي زياد القَطَواني ، قالوا : ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن محيصن ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، عن أبي هريرة ، قال : لما نزلت هذه الآية : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } شقَّت على المسلمين ، وبلغت منهم ما شاء الله أن تبلغ ، فشكَوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " قَاربوا وسَدِّدُوا ، ففي كل ما يُصَابُ به المسلم كَفَّارَةٌ ، حتّى النَّكْبَة يُنْكَبُها ، أو الشوكة يُشَاكّها " حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور الرمادي ، قالا : ثنا يزيد بن حيان ، قالا : حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي ، قال : ثنا محمد بن زيد بن قنفذ ، عن عائشة ، عن أبي بكر ، قال : لما نزلت : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : يا رسول الله ، كلّ ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال : " يا أبا بَكْرٍ ألَيْس يُصِيبُك كَذَا وكَذَا ؟ فَهُوَ كَفَّارتُهُ " حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن زياد الجصاص ، عن عليّ بن زيد ، عن مجاهد ، قال : ثني عبد الله بن عمر ، أنه سمع أبا بكر يقول : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول " مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ في الدُّنْيا " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، عن أبي بكر الصديق أنه قال : يا نبيّ الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أيَّةُ آيَةٍ ؟ " قال : يقول الله : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } فما عملناه جزينا به ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " غَفَر اللَّهُ لكَ يا أبا بَكْر ! ألَسْتَ تَمْرَضُ ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَسْتَ تُصِيبُكَ الَّلأْوَاءُ ؟ " قال : " فَهُوَ ما تُجْزَوْنَ بهِ " حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : أظنه عن أبي بكر الثقفي ، عن أبي بكر قال : لما نزلت هذه الآية : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : كيف الصلاح ؟ ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه « ألَسْتَ تُنْكَبُ ؟ » . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، أن أبا بكر قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : كيف الصلاح ؟ فذكر نحوه . حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أبو مالك الجنبيّ ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بكر ابن أبي زهير الثقفي ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فكلّ سوء عملناه جزينا به ؟ وقال أيضاً : " ألَسْتَ تَمْرَضُ ، ألَست تنصَب ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَيْسَ تُصِيبُكَ الَّلأْوَاءُ ؟ " قال : بلى . قال : " هُوَ ما تُجْزَوْنَ بهِ " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، قال : لما نزلت هذه الآية : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، وإنا لنجزى بكلّ شيء نعمله ؟ قال : " يا أبا بَكْرٍ ألَسْتَ تَنْصَبُ ، ألَسْتَ تَحْزَنُ ، ألَسْتَ تُصِيبُكَ الَّلأْوَاءُ ؟ فَهَذَا مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيـى بن سعيد ، قال : ثنا ابن أبي خالد ، قال : ثني أبو بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبي بكر ، فذكر مثل ذلك . حدثنا أبو السائب وسفيان بن وكيع ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشدّ هذه الآية : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } ! قال : " يا أبا بَكْرٍ إنَّ المُصِيبَةَ فِي الدُّنْيا جَزَاءُ " حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا أبو عامر الخراز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قلت : إني لأعلم أيّ آية في كتاب الله أشد ! فقال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أيّ آية ؟ " فقلت : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال : " إنَّ المؤمِنَ ليُجَازَى بأَسْوَإ عَمَلِهِ في الدُّنْيا " ، ثم ذكر أشياء منهنّ المرض والنصب ، فكان آخره أن ذكر النكبة ، فقال : " كُلُّ ذِي عمل يُجْزَى بِعَمَلِهِ يا عائِشَةُ ، إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ القِيامَةِ إلاَّ يُعَذَّبُ " فقلت : أليس يقول الله : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ؟ فقالَ : " ذَاكِ عِنْدَ العَرْض ، إنَّهُ مِنْ نُوقِشَ الحِسابَ عُذّبَ " ، وقال بيده على إصبعه كأنه ينكت . حدثني القاسم بن بشر بن معرور ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن أمية ، قالت : سألت عائشة عن هذه الآية : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } [ البقرة : 284 ] و { لَيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : " يا عائِشَةُ ذَاكِ مَثابَةُ اللَّهِ العَبْدَ بمَا يُصِيبُهُ مِنَ الحُمَّى والكِبَرِ ، وَالبِضَاعَةِ يَضَعُها فِي كُمِّه فَيَفْقِدُها ، فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُها فِي كُمِّهِ ، حتى إنَّ المُؤمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الأْحمَرُ مِنَ الكِيرِ " حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو عامر الخراز ، قال : ثنا ابن أبي مليكة عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إني لأعلم أشدّ آية في القرآن ، فقال : « ما هِيَ يا عائشة ؟ » قلت : هي هذه الآية يا رسول الله : { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } فقال : " هُوَ ما يُصِيبُ العَبْدَ المُؤْمِنَ ، حتى النَّكْبَةَ يُنْكَبُها " حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن الربيع بن صبح ، عن عطاء ، قال : لما نزلت { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلا أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } قال أبو بكر : يا رسول الله ، ما أشدّ هذه الآية ! قال : " يا أبا بَكْرٍ إنَّكَ تَمْرَضُ ، وَإنَّكَ تَحْزَنُ ، وَإنَّكَ يُصِيبُكَ أذًى ، فَذَاكَ بذَاكَ " حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، قال : لما نزلت ، قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا هِيَ المُصِيباتُ فِي الدُّنْيا " القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَلاَ يَجِدْ } الذي يعمل سوءاً من معاصي الله وخلاف ما أمره به ، { مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني : من بعد الله وسواه ، { وَلِيّاً } يلي أمره ، ويحمي عنه ما ينزل به من عقوبة الله ، { وَلاَ نَصِيراً } يعني : ولا ناصراً ينصره مما يحلّ به من عقوبة الله وأليم نكاله .