Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-142)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد دللنا فيما مضى قبل على معنى خداع المنافق ربه ووجه خداع الله إياهم ، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع ، مع اختلاف المختلفين في ذلك . فتأويل ذلك : إن المنافقين يخادعون الله باحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم ، والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان ، مع علمه بباطن ضمائرهم ، واعتقادهم الكفر ، استدراجاً منه لهم في الدنيا حتى يلقوه في الآخرة ، فيوردهم بما استنبطنوا من الكفر نار جهنم . كما : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } قال : يعطيهم يوم القيامة نوراً يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا ، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه ، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسور . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } قال : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، وأبي عامر بن النعمان ، وفي المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ، قال : مثل قوله في البقرة : { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يُخَـٰدِعُونَ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } . قال : وأما قوله : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } فيقول : في النور الذي يعطي المنافقون مع المؤمنين ، فيعطون النور ، فإذا بلغوا السور سلب ، وما ذكرا لله من قوله : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] قال : قوله : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحسن ، أنه كان إذا قرأ : { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } قال : يُلْقَى على كلّ مؤمن ومنافق نور يمشون به ، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفيء نور المنافقين ، ومضي المؤمنين بنورهم ، فينادونهم : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] … إلى قوله : { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } [ الحديد : 14 ] قال الحسن : فتلك خديعة الله إياهم . وأما قوله : { وَإِذَا قَامُواْ إلى ٱلصَّـلـٰةِ قامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ ٱلنَّاسَ } فإنه يعني : أن المنافقين لا يعملون شيئاً من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرب بها إلى الله ، لأنهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب ، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة بقاء على أنفسهم وحذاراً من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم ، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة ، قاموا كسالى إليها ، رياءً للمؤمنين ، ليحسبوهم منهم وليسوا منهم لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم ، فهم في قيامهم إليها كسالي . كما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإِذَا قَامُواْ إلى ٱلصَّـلـٰةِ قامُوا كُسَالى } قال : والله لولا الناس ما صلى المنافق ولا يصلي إلا رياء وسمعة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإِذَا قَامُواْ إلى ٱلصَّـلـٰةِ قامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ ٱلنَّاسَ } قال : هم المنافقون ، لولا الرياء ما صلوا . وأما قوله : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } فلعلّ قائلاً أن يقول : وهل من ذكر الله شيء قليل ؟ قيل له : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، إنما معناه : ولا يذكرون الله إلا ذكراً رياء ، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال ، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد الله مخلص له الربوبية ، فلذلك سماه الله قليلاً ، لأنه غير مقصود به الله ولا مُبْتَغَي به التقرّب إلى الله ، ولا مراداً به ثواب الله ، وما عنده فهو وإن كثر من وجه نَصَب عامله ، وذاكره في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن أبي الأشهب ، قال : قرأ الحسن : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال : إنما قلّ لأنه كان لغير الله . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال : إنما قلّ ذكر المنافق لأن الله لم يقبله ، وكلّ ما ردّ الله قليل وكلّ ما قبل الله كثير . ]