Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-155)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي جلّ ثناؤه : فبنقض هؤلاء الذين وصفت صفتهم من أهل الكتاب ميثاقهم ، يعنـي عهودهم التـي عاهدوا الله أن يعملوا بـما فـي التوراة . { وكُفْرِهِمْ بآياتِ اللَّهِ } يقول : وجحودهم بآيات الله ، يعنـي : بأعلام الله وأدلته التـي احتـجّ بها علـيهم فـي صدق أنبـيائه ورسله ، وحقـية ما جاءوهم به من عنده . { وَقَتْلِهِمُ الأنْبِـياءَ بغيرِ حَقَ } يقول : وبقتلهم الأنبـياء بعد قـيام الـحجة علـيهم بنبوّتهم بغير حقّ ، يعنـي : بغير استـحقاق منهم ذلك لكبـيرة أتوها ولا خطيئة استوجبوا القتل علـيها . وقولهم : { قُلُوبُنا غُلْفٌ } يعنـي : وبقولهم : قلوبنا غلف ، يعنـي يقولون : علـيها غشاوة وأغطية عما تدعونا إلـيه ، فلا نَفْقَهُ ما تقول ، ولا نعقله . وقد بـينا معنى الغلف ، وذكرنا ما فـي ذلك من الرواية فـيـما مضى قبل . { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَـيْها بِكُفْرِهِمْ } يقول جلّ ثناؤه : كذبوا فـي قولهم قلوبنا غلف ، ما هي بغلف ولا علـيها أغطية ولكن الله جلّ ثناؤه جعل علـيها طابعاً بكفرهم بـالله . وقد بـينا صفة الطبع علـى القلب فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته . { فَلا يُؤْمِنونَ إلاَّ قَلِـيلاً } يقول : فلا يؤمن هؤلاء الذين وصف الله صفتهم لطبعه علـى قلوبهم ، فـيصدّقوا بـالله ورسله وما جاءتهم به من عند الله إلا إيـماناً قلـيلاً ، يعنـي : تصديقاً قلـيلاً . وإنـما صار قلـيلاً لأنهم لـم يصدقوا علـى ما أمرهم الله به ، ولكن صدّقوا ببعض الأنبـياء وببعض الكتب وكذّبوا ببعض ، فكان تصديقهم بـما صدّقوا به قلـيلاً ، لأنهم وإن صدَّقوا به من وجه ، فهم به مكذّبون من وجه آخر . وذلك من وجه تكذيبهم من كذّبوا به من الأنبـياء وما جاءوا به من كتب الله ورسل الله يصدّق بعضهم بعضاً ، وبذلك أمر كلّ نبـيّ أمته ، وكذلك كتب الله يصدّق بعضها بعضاً ويحقق بعض بعضاً ، فـالـمكذّب ببعضها مكذّب بجميعها من جهة جحوده ما صدّقه الكتاب الذي يقرّ بصحته ، فلذلك صار إيـمانهم بـما آمنوا من ذلك قلـيلاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ } يقول : فبنقضهم ميثاقَهم لعناهم { وَقَوْلهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ } : أي لا نفقه ، { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَـيْها بِكُفْرِهِمْ } ولعنهم حين فعلوا ذلك . واختلف فـي معنى قوله : { فَبِـما نَقْضِهِمْ } … الآية ، هل هو مواصل لـما قبله من الكلام ، أو هو منفصل منه ؟ فقال بعضهم : هو منفصل مـما قبله ، ومعناه : فبنقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبـياء بغير حقّ { وَقَوْلهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَـيْها بكُفْرِهِمْ } ولعنهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِـيلاً } لـما ترك القوم أمر الله ، وقتلوا رسله ، وكفروا بآياته ، ونقضوا الـميثاق الذي أخذ علـيهم . { طَبَعَ اللَّهُ عَلَـيْها بِكُفْرِهِمْ } ولعنهم . وقال آخرون : بل هو مواصل لـما قبله قالوا : ومعنى الكلام : فأخذتهم الصاعقة بظلـمهم ، فبنقضهم ميثاقَهم ، وكفرهم بآيات الله ، وبقتلهم الأنبـياء بغير حقّ وبكذا وكذا أخذتهم الصاعقة . قالوا : فتبع الكلام بعضه بعضاً ، ومعناه مردود إلـى أوّله . وتفسير ظلـمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بـما فسر به تعالـى ذكره مِن نقضهم الـميثاق ، وقتلهم الأنبـياء ، وسائر ما بـين من أمرهم الذي ظلـموا فـيه أنفسهم . والصواب من القول فـي ذلك أن قوله : { فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ } وما بعده منفصل معناه من معنى ما قبله وأنّ معنى الكلام : فبـما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله ، وبكذا وبكذا ، لعنّاهم وغضبنا علـيهم ، فترك ذكر « لعناهم » لدلالة قوله : { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَـيْها بِكُفْرِهِمْ } علـى معنى ذلك ، إذ كان مَن طبع علـى قلبه فقد لُعن وسُخط علـيه . وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب ، لأن الذين أخذتهم الصاعقة إنـما كانوا علـى عهد موسى والذين قتلوا الأنبـياء والذين رَمَوْا مريـم بـالبهتان العظيـم ، وقالوا : قتلنا الـمسيحَ ، كانوا بعد موسى بدهر طويـل ، ولـم يدرك الذين رَمَوْا مريـم بـالبهتان العظيـم زمان موسى ولا مَن صُعِق من قومه . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين أخذتهم الصاعقة لـم تأخذهم عقوبة لِرَميهم مريـم بـالبهتان العظيـم ، ولا لقولهم : إنا قتلنا الـمسيح عيسى ابن مريـم . وإذ كان ذلك كذلك ، فبـين أن القوم الذين قالوا هذه الـمقالة ، غير الذين عوقبوا بـالصاعقة . وإذا كان ذلك كذلك ، كان بـيناً انفصال معنى قوله : { فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ } من معنى قوله : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } [ النساء : 153 ] .