Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 157-157)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وبِقَوْلِهمْ { أنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللَّهِ } . ثم كذّبهم الله فـي قِـيـلهم ، فقال : { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } يعنـي : وما قتلوا عيسى وما صلبوه ، ولكن شبّه لهم . واختلف أهل التأويـل فـي صفة التشبـيه الذي شُبِّه للـيهود فـي أمر عيسى ، فقال بعضهم : لـما أحاطت الـيهود به وبأصحابه ، أحاطوا بهم ، وهم لا يثبتون معرفة عيسى بعينه ، وذلك أنهم جميعاً حُوّلوا فـي صورة عيسى ، فأشكل علـى الذين كانوا يريدون قتل عيسى ، عيسى من غيره منهم ، وخرج إلـيهم بعض من كان فـي البـيت مع عيسى ، فقتلوه وهم يحسبونه عيسى . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القميّ ، عن هارون بن عنترة ، عن وهب بن منبه ، قال : أتـى عيسى ومعه سبعة عشر من الـحواريـين فـي بـيت ، وأحاطوا بهم ، فلـما دخـلوا علـيهم صوّرهم الله كلهم علـى صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتـمونا لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلَنَّكم جميعاً فقال عيسى لأصحابه : من يشتري نفسه منكم الـيوم بـالـجنة ؟ فقال رجل منهم : أنا . فخرج إلـيهم فقال : أنا عيسى وقد صوّره الله علـى صورة عيسى ، فأخذوه فقتلوه وصلبوه . فمن ثمَّ شُبِّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى ، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك . وقد رُوي عن وهب بن منبه غير هذا القول ، وهو ما : حدثنـي به الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد بن مَعْقِل ، أنه سمع وهبـاً يقول : إن عيسى ابن مريـم لـما أعلـمه الله أنه خارج من الدنـيا جزع من الـموت وشقّ علـيه ، فدعا الـحواريـين وصنع لهم طعاماً ، فقال : احضُرونـي اللـيـلة ، فإن لـي إلـيكم حاجة فلـما اجتـمعوا إلـيه من اللـيـل عَشَّاهم ، وقام يخدمهم ، فلـما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضِّئُهُمْ بـيده ويـمسح أيديهم بثـيابه ، فتعاظموا ذلك وتكارهوه ، فقال : ألا من ردّ علـيّ شيئاً اللـيـلة مـما أصنع فلـيس منـي ولا أنا منه فأقرّوه ، حتـى إذا فرغ من ذلك ، قال : أما ما صنعت بكم اللـيـلة مـما خدمتكم علـى الطعام وغسلت أيديكم بـيدي ، فلـيكن لكم بـي أسوة ، فإنكم ترون أنـي خيركم ، فلا يتعظّم بعضكم علـى بعض ، ولـيبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم . وأما حاجتـي التـي استعنتكم علـيها ، فتدعون لـي الله وتـجتهدون فـي الدعاء أن يوخِّر أجلـي فلـما نصبوا أنفسهم للدعاء ، وأرادوا أن يجتهدوا ، أخذهم النوم حتـى لـم يستطيعوا دعاء ، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله أما تصبرون لـي لـيـلة واحدة تعينونـي فـيها ؟ قالوا : والله ما ندري ما لنا ، لقد كنا نسمُر فنكثر السمر ، وما نطيق اللـيـلة سمراً وما نريد دعاء إلا حِيـل بـيننا وبـينه فقال : يُذْهَب بـالراعي وتتفرّق الغنـم . وجعل يأتـي بكلام نـحو هذا ينعَي به نفسه ، ثم قال : الـحقّ لـيكفرنّ بـي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرّات ، ولَـيبـيعِّنـي أحدكم بدراهم يسيرة ، ولـيأكلنّ ثمنـي فخرجوا وتفرّقوا . وكانت الـيهود تطلبه ، فأخذوا شمعون أحد الـحواريـين ، فقالوا : هذا من أصحابه ، فجحد ، وقال : ما أنا بصاحبه ، فتركوه . ثم أخذه آخرون ، فجحد كذلك ، ثم سمع صوت ديك ، فبكى وأحزنه . فلـما أصبح أتـى أحد الـحواريـين إلـى الـيهود ، فقال : ما تـجعلون لـي إن دللتكم علـى الـمسيح ؟ فجعلوا له ثلاثـين درهماً ، فأخذها ودلَّهم علـيه ، وكان شُبّه علـيهم قبل ذلك ، فأخذوه فـاستوثقوا منه وربطوه بـالـحبل ، فجعلوا يقودونه ويقولون له : أنت كنت تـحيـي الـموتـى وتنتهر الشيطان وتبرىء الـمـجنون ؟ أفلا تنـجى نفسك من هذا الـحبل ؟ ويبصقون علـيه ، ويـلقون علـيه الشوك ، حتـى أتوا به الـخشبة التـي أرادوا أن يصلبوه علـيها ، فرفعه الله إلـيه ، وصلبوا ما شُبّه لهم ، فمكث سبعاً . ثم إن أمه والـمرأة التـي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الـجنون جاءتا تبكيان حيث كان الـمصلوب ، فجاءهما عيسى ، فقال : علام تبكيان ؟ قالتا علـيك ، فقال : إنـي قد رفعنـي الله إلـيه ، ولـم يصبنـي إلا خير ، وإن هذا شيء شُبِّه لهم ، فأْمُرا الـحواريـين أن يَـلْقَونـي إلـى مكان كذا وكذا فلقوه إلـى ذلك الـمكان أحد عشر ، وفُقِد الذي كان بـاعه ودلّ علـيه الـيهود ، فسأل عنه أصحابه ، فقالوا : إنه ندم علـى ما صنع ، فـاختنق وقتل نفسه . فقال : لو تاب لتاب الله علـيه ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له : يُحَنَّا ، فقال : هو معكم فـانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدّث بلغة قوم ، فلـينذرهم ولـيدعهم . وقال آخرون : بل سأل عيسى من كان معه فـي البـيت أن يُـلْقَـى علـى بعضهم شبهه ، فـانتدب لذلك رجل ، فأُلقـي علـيه شبه ، فَقُتل ذلك الرجل ورُفع عيسى ابن مريـم علـيه السلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ } … إلـى قوله : { وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيـماً } أولئك أعداء الله الـيهود اشتهروا بقتل عيسى بن مريـم رسول الله ، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه . وذُكر لنا أن نبـيّ الله عيسى ابن مريـم قال لأصحابه : أيكم يُقذف علـيه شبهي فإنه مقتول ؟ فقال رجل من أصحابه : أنا يا نبـيّ الله . فقُتل ذلك الرجل ، ومنع الله نبـيه ورفعه إلـيه . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } قال : أُلِقـي شبهه علـى رجل من الـحواريـين فقُتل ، وكان عيسى ابن مريـم عَرَض ذلك علـيهم ، فقال : أيكم ألِقـي شبهِي علـيه وله الـجنة ؟ فقال رجل : علـيّ . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : أن بنـي إسرائيـل حَصَروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الـحواريـين فـي بـيت ، فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتـي فـيُقتل وله الـجنة ؟ فأخذها رجل منهم . وصُعِد بعيسى إلـى السماء ، فلـما خرج الـحواريون أبصروهم تسعة عشر ، فأخبروهم أن عيسى علـيه السلام قد صُعد به إلـى السماء ، فجعلوا يعدّون القوم فـيجدونهم ينقصون رجلاً من العِدّة ، ويرون صورة عيسى فـيهم ، فشكُّوا فـيه . وعلـى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه عيسى وصلبوه ، فذلك قول الله تبـارك وتعالـى : { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } … إلـى قوله : { وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيـماً } . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن القاسم بن أبـي بزّة : أن عيسى ابن مريـم قال : أيكم يُـلقـي علـيه شبهِي فـيُقتل مكانـي ؟ فقال رجل من أصحابه : أنا يا رسول الله . فأُلقـي علـيه شبهه ، فقتلوه ، فذلك قوله : { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان اسم ملك بنـي إسرائيـل الذي بعث إلـى عيسى لـيقتله ، رجلاً منهم يقال له : داود ، فلـما أجمعوا لذلك منه لـم يَفْظَع عبدٌ من عبـاد الله بـالـموت فـيـما ذكر لـي فَظَعُه ، ولـم يجزع منه جزعه ، ولـم يدع الله فـي صرفه عنه دعاءه حتـى إنه لـيقول فـيـما يزعمون : اللهمّ إن كنت صارفـاً هذه الكأس عن أحد من خـلقك ، فـاصرفها عنـي وحتـى إن جلده من كرب ذلك لـيتفصد دَماً . فدخـل الـمدخـل الذي أجمعوا أن يدخـل علـيه فـيه لـيقتلوه هو وأصحابه ، وهم ثلاثة عشر بعيسى ، فلـما أيقن أنهم داخـلون علـيه ، قال لأصحابه من الـحواريـين وكانوا اثنى عشر رجلاً : بُطْرُس ، ويَعْقُوب بن زَبْدِي ، ويُحَنَّس أخو يعقوب ، وَأنْدَرَاوُس ، وفِـيـلِبُّس ، وأَبْرَثَلْـمَا ، وَمَّتـى ، وتُوماس ، ويعقوب بن حَلْقـيا ، وتُدَّاوس ، وفتاتـيا ، ويُودُسُ زَكَرِيا يُوطا . قال ابن حميد : قال سلـمة : قال ابن إسحاق : وكان فـيهم فـيـما ذكر لـي رجل اسمه سرجس ، فكانوا ثلاثة عشر رجلاً سوى عيسى جحدته النصارى ، وذلك أنه هو الذي شبه للـيهود مكان عيسى . قال : فلا أدري ما هو من هؤلاء الاثنـي عشر ، أم كان ثالث عشر ، فجحدوه حين أقرّوا للـيهود بصلب عيسى وكفروا بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم من الـخبر عنه . فإن كانوا ثلاثة عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى أربعة عشر ، وإن كان اثنـي عشر فإنهم دخـلوا الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى ثلاثة عشر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي رجل كان نصرانـياً فأسلـم أن عيسى حين جاءه من الله إنّى رَافِعُكَ إلـيَّ قال : يا معشر الـحواريـين : أيكم يحبّ أن يكون رفـيقـي فـي الـجنة حتـى يشبه للقوم فـي صورتـي فـيقتلوه مكانـي ؟ فقال سرجس : أنا يا روح الله قال : فـاجلس فـي مـجلسي . فجلس فـيه ، ورُفع عيسى صلوات الله علـيه ، فدخـلوا علـيه فأخذوه ، فصلبوه ، فكان هو الذي صلبوه وشُبِّه لهم به . وكانت عدتهم حين دخـلوا مع عيسى معلومة ، قد رأوهم فأحصوا عدتهم ، فلـما دخـلوا علـيه لـيأخذوه وجدوا عيسى فـيـما يرون وأصحابه وفقدوا رجلاً من العدّة ، فهو الذي اختلفوا فـيه . وكانوا لا يعرفون عيسى ، حتـى جعلوا لـيودس زكريايوطا ثلاثـين درهماً علـى أن يدلهم علـيه ويعرّفهم إياه ، فقال لهم : إذا دخـلتـم علـيه فإنـي سأُقَبِّله ، وهو الذي أُقَبِّل فخذوه فلـما دخـلوا علـيه ، وقد رُفع عيسى ، رأى سَرْجِس فـي صورة عيسى ، فلـم يشكّ أنه هو عيسى ، فأكبّ علـيه فقبله ، فأخذوه فصلبوه . ثم إن يُودُس زكَرِيايوطا ندم علـى ما صنع ، فـاختنق بحبل حتـى قتل نفسه ، وهو ملعون فـي النصارى ، وقد كان أحد الـمعدودين من أصحابه . وبعض النصارى يزعم أن يُودُس زكريايوطا هو الذي شُبِّه لهم فصلبوه ، وهو يقول : إنـي لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم علـيه والله أعلـم أيّ ذلك كان . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج : بلغنا أن عيسى ابن مريـم قال لأصحابه : أيكم يَنتدب فـيـلقـى علـيه شبهي فـيقتل ؟ فقال رجل من أصحابه : أنا يا نبـيّ لله . فألقـي علـيه شبه فقُتل ، ورفع لله نبـيه إلـيه . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { شُبِّهَ لَهُمْ } قال : صلبوا رجلاً غير عيسى يحسبونه إياه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } فذكر مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد ، قال : صلبوا رجلاً شبهوه بعيسى يحسبونه إياه ، ورفع الله إلـيه عيسى علـيه السلام حياً . قال أبو جعفر : وأولـى هذه الأقوال بـالصواب أحد القولـين اللذين ذكرناهما عن وهب بن منبه ، من أن شبه عيسى ألقـى علـى جميع من كان فـي البـيت مع عيسى حين أحيط به وبهم ، من غير مسألة عيسى إياهم ذلك ، ولكن لـيخزي الله بذلك الـيهود وينقذ به نبـيه علـيه السلام من مكروه ما أرادوا به من القتل ، ويبتلـى به من أراد ابتلاءه من عبـاده فـي قـيـله فـي عيسى وصدق الـخبر عن أمره . أو القول الذي رواه عبد العزيز عنه . وإنـما قلنا : ذلك أولـى القولـين بـالصواب ، لأن الذين شهدوا عيسى من الـحواريـين لو كانوا فـي حال ما رفع عيسى ، وألقـى شبهه علـى من ألقـى علـيه شبهه ، كانوا قد عاينوا عيسى هو يرفع من بـينهم ، وأثبتوا الذي ألقـى علـيه شبهه ، وعاينوه متـحوّلاً فـي صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بـمـحضر منهم ، لـم يخف ذلك من أمر عيسى ، وأمر من ألقـي علـيه شبهه علـيهم مع معاينتهم ذلك كله ، ولـم يـلتبس ولـم يشكل علـيهم وإن أشكل علـى غيرهم من أعدائهم من الـيهود أن الـمقتول والـمصلوب كان غير عيسى ، وأن عيسى رفع من بـينهم حياً . وكيف يجوز أن يكون كان أشكل ذلك علـيهم ، وقد سمعوا من عيسى مقالته : من يُـلْقَـى علـيه شبهي ويكون رفـيقـي فـي الـجنة ؟ إن كان قال لهم ذلك ، وسمعوا جواب مـجيبه منهم : أنا ، وعاينوا تـحوّل الـمـجيب فـي صورة عيسى بعقب جوابه . ولكن ذلك كان إن شاء الله علـى نـحو ما وصف وهب بن منبه ، إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت الذي رفع منه من حواريه حوّلهم الله جميعاً فـي صورة عيسى حين أراد الله رفعه ، فلـم يثبتوا عيسى معرفة بعينه من غيره لتشابه صُوَر جميعهم ، فقتلت الـيهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إياه ، لأنهم كانوا به عارفـين قبل ذلك ، وظنّ الذين كانوا فـي البـيت مع عيسى مثل الذي ظنت الـيهود ، لأنهم لـم يـميزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره مـمن كان معه فـي البـيت ، فـاتفقوا جميعهم أعنـي الـيهود والنصارى من أجل ذلك علـى أن الـمقتول كان عيسى ، ولـم يكن به ، ولكنه شبه لهم ، كما قال الله جلّ ثناؤه : { وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . أو يكون الأمر فـي ذلك كان علـى نـحو ما روى عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، أن القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت تفرّقوا عنه قبل أن يدخـل علـيه الـيهود ، وبقـي عيسى ، وألقـي شبهه علـى بعض أصحابه الذين كانوا معه فـي البـيت بعد ما تفرّق القوم غير عيسى وغير الذي ألقـى علـيه شبهه ، ورُفع عيسى . فقُتل الذي تـحوّل فـي صورة عيسى من أصحابه ، وظنّ أصحابه والـيهود أن الذي قُتل وصلب هو عيسى لـما رأوا من شبهه به وخفـاء أمر عيسى علـيهم لأن رفعه وتـحوّل الـمقتول فـي صورته كان بعد تفرّق أصحابه عنه ، وقد كانوا سمعوا عيسى من اللـيـل ينعي نفسه ويحزن لـما قد ظنّ أنه نازل به من الـموت ، فحكوا ما كان عندهم حقاً ، والأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف ما حكوا ، فلـم يستـحقّ الذين حكوا ذلك من حواريـيه أن يكونوا كذبة ، أو حكوا ما كان حقاً عندهم فـي الظاهر وإن كان الأمر عند الله فـي الـحقـيقة بخلاف الذي حكوا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ لَفِـي شَكَ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ إلاَّ اتِّبـاعَ الظَّنّ وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِـيهِ } الـيهود الذين أحاطوا بعيسى وأصحابه حين أرادوا قتله . وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدّة من فـي البـيت قبل دخولهم فـيـما ذكر فلـما دخـلوا علـيهم ، فقدوا واحداً منهم ، فـالتبس أمر عيسى علـيهم بفقدهم واحداً من العدّة التـي كانوا قد أحصوها ، وقتلوا من قتلوا علـى شكّ منهم فـي أمر عيسى . وهذا التأويـل علـى قول من قال : لـم يفـارق الـحواريون عيسى حتـى رُفع ودخـل علـيهم الـيهود . وأما تأويـله علـى قول من قال : تفرّقوا عنه من اللـيـل ، فإنه : وإن الذين اختلفوا فـي عيسى ، هل هو الذي بقـي فـي البـيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدّة التـي كانت فـيه أم لا ؟ لفـي شكّ منه ، يعنـي : من قتله ، لأنهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخـلوا البـيت أكثر مـمن خرج منه ومن وجد فـيه ، فشكوا فـي الذي قتلوه هل هو عيسى أم لا من أجل فقدهم من فقدوا من العدد الذي كانوا أحصوه ، ولكنهم قالوا : قتلنا عيسى ، لـمشابهة الـمقتول عيسى فـي الصورة . يقول الله جلّ ثناؤه : { ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمٍ } يعنـي : أنهم قتلوا من قتلوه علـى شكّ منهم فـيه واختلاف ، هل هو عيسى أم غيره ؟ من غير أن يكون لهم بـمن قتلوه علـم من هو ، هو عيسى أم هو غيره ؟ { إلاَّ اتِّبـاعَ الظَّنّ } يعنـي جلّ ثناؤه : ما كان لهم بـمن قتلوه من علـم ، ولكنهم اتبعوا ظنهم ، فقتلوه ظناً منهم أنه عيسى وأنه الذي يريدون قتله ، ولـم يكن به . { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } يقول : وما قتلوا هذا الذي اتبعوه فـي الـمقتول الذي قتلوه وهم يحسبونه عيسى يقـيناً أنه عيسى ، ولا أنه غيره ، ولكنهم كانوا منه علـى ظنّ وشبهة وهذا كقول الرجل للرجل : ما قتلت هذا الأمر علـماً وما قتلته يقـيناً ، إذا تكلـم فـيه بـالظنّ علـى غير يقـين علـم فـالهاء فـي قوله : { وَما قَتَلُوهُ } عائدة علـى الظنّ . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } قال : يعنـي : لـم يقتلوا ظنهم يقـيناً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا يعلـى بن عبـيد ، عن جويبر فـي قوله : { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } قال : ما قتلوا ظنّهم يقـيناً . وقال السديّ فـي ذلك ، ما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَما قَتَلُوهُ يَقِـيناً } : وما قتلوا أمره يقـيناً أن الرجل هو عيسى ، بل رفعه الله إلـيه .