Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في معنى الطول الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية ، فقال بعضهم : هو الفضل والمال والسعة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } قال : الغنى . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } يقول : من لم يكن له سعة . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } يقول : من لم يستطع منكم سعة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } قال : الطَّوْل : الغنى . حدثني ابن المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } قال : الطول : السعة . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } أما قوله طولاً : فسعة من المال . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } … الآية ، قال : طولاً : لا يجد ما ينكح به حرّة . وقال آخرون : معنى الطول في هذا الموضع : الهَوَى . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنى عبد الجبار بن عمرو ، عن ربيعة أنه قال في قول الله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } قال : الطَّوْلُ : الهوى ، قال : ينكح الأمة إذا كان هواه فيها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان ربيعة يلين فيه بعض التليين ، كان يقول : إذا خشي على نفسه إذا أحبها أي الأمة وإن كان يقدر على نكاح غيرها فإني أرى أن ينكحها . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنه سئل عن الحرّ يتزوّج الأمة ، فقال : إن كان ذا طول فلا . قيل : إن وقع حبّ الأمة في نفسه ؟ قال : إن خشي العنت فليتزوّجها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن عبيدة ، عن الشعبي ، قال : لا يتزوّج الحرّ الأمة إلا أن لا يجد . وكان إبراهيم يقول : لا بأس به . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : سمعت عطاء يقول : لا نكره أن ينكح ذو اليسار الأمة إذا خشي أن يُسْعَى بها . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع : السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرّم شيئاً من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرّة ، فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرم عليه له لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعاً من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول : لا يحلّ له من أجل غلبة هوى سرّه فيها ، لأن ذلك مع وجوده الطول إلى الحرة منه قضاء لذة وشهوة وليس بموضع ضرورة تدفع ترخصه كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه فيترخص في أكلها ليحيـى بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرّمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرم عليهم منها فيغيرها من الأحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة ، وفي إجماع الجميع على أن رجلاً لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمرأة أنها لا تحلّ له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به ، ما يوضح فساد قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع : الهوى ، وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء . فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم . وأصل الطَّوْل : الإفضال ، يقال منه : طال عليه يَطُول طَوْلاً في الإفضال ، وطال يَطُول طُولاً في الطول الذي هو خلاف القصر . القول في تأويل قوله تعالى : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } . يعني بذلك : ومن لم يستطع منكم أيها الناس طولاً ، يعني : من الأحرار أن ينكح المحصنات وهنّ الحرائر المؤمنات اللواتي قد صدّقن بتوحيد الله وبما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقّ . وبنحو ما قلنا في المحصنات قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } يقول : أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } قال : المحصنات الحرائر ، فلينكح الأمة المؤمنة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدّي : أما فتياتكم : فإماؤكم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } قال : أما من لم يجد ما ينكح به الحرّة فيتزوّج الأمة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } قال : من لم يجد ما ينكح به حرة فينكح هذه الأمة فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها ، ولم يحل الله ذلك لأحد إلا لمن لا يجد ما ينكح به حرّة وينفق عليها ، ولم يحلّ له حتى يخشى العنت . حدثنا المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان ، عن هشام الدستوائي ، عن عامر الأحول ، عن الحسن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة ، ومن وجد طَوْلاً لحرة فلاينكح أمة . واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة من قراء الكوفيين والمكيين : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } بكسر الصاد مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك سوى قوله : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } [ النساء : 24 ] فإنهم فتحوا الصاد منها ، ووجهوا تأويله إلى أنهنّ محصنات بأزواجهنّ ، وأن أزواجهنّ هم أحصنوهنّ . وأما سائر ما في القرآن فإنهم تأوّلوا في كسرهم الصاد منه إلى أن النساءهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة . وقرأت عامة قراء المدينة والعراق ذلك كله بالفتح ، بمعنى أن بعضهن أحصنَّهن أزواجهن ، وبعضهن أحضهن حريتهن أو إسلامهن . وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر ، بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهنّ . وذكرت هذه القراءة أعني بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرواية عنه . قال أبو جعفر : والصواب عندنا من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتفاق ذلك في المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، إلا في الحرف الأوّل من سورة النساء ، وهو قوله : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } فإني لا أستجيز الكسر في صاده لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها . ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها كان صواباً القراءة بها كذلك لما ذكرنا من تصرّف الإحصان في المعاني التي بيناها ، فيكون معنى ذلك لو كسر : والعفائف من النساء حرام عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم ، بمعنى أنهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة . وأما الفتيات فإنهنّ جمع فتاة ، وهنّ الشواب من النساء ، ثم يقال لكل مملوكة ذات سنّ أو شابة فتاة ، والعبد فتى . ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات ، وهل عنى الله بقوله : { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } تحريم ما عدا المؤمنات منهنّ ، أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين ؟ فقال بعضهم : ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } قال : لا ينبغي أن يتزوّج مملوكة نصرانية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } قال : لا ينبغي للحرّ المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عمرو ، وسعيد بن عبد العزيز ، ومالك ابن أنس ، ومالك بن عبد الله بن أبي مريم ، يقولون : لا يحلّ لحرّ مسلم ولا لعبد مسلم الأمة النصرانية ، لأن الله يقول : { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يعني بالنكاح . وقال آخرون : ذلك من الله على الإرشاد والندب ، لا على التحريم . وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة ، قال : قال أبو ميسرة ، أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر . ومنهم أبو حنيفة وأصحابه . واعتلوا لقولهم بقول الله : { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ المائدة : 5 ] قالوا : فقد أحلّ الله محصنات أهل الكتاب عاما ، فليس لأحد أن يخصّ منهنّ أمة ولا حرّة . قالوا : ومعنى قوله : { فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } : غير المشركات من عبدة الأوثان . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين وذلك أن الله جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروط ، فما لم تجتمع الشروط التي سماها فيهنّ ، فغير جائز لمسلم نكاحهنّ . فإن قال قائل : فإن الآية التي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنكاح ؟ قيل : إن التي في المائدة قد أبان أن حكمها في خاصّ من محصناتهم ، وأنها معنّى بها حرائرهم دون إمائهم ، قوله : { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } وليست إحدى الآيتين دافعة حكمها حكم الأخرى ، بل إحداهما مبينة حكم الأخرى ، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى لو لم يكن جائزاً اجتماع حكميهما على صحة ، فأما وهما جائز اجتماع حكمهما على الصحة ، فغير جائز أن يحكم لإحداهما بأنها دافعة حكم الأخرى إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس ، ولا خبر بذلك ولا قياس ، والآية محتملة ما قلنا : والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم . القول في تأويل قوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ } . وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم وتأويل ذلك : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات ، فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، فلينكح بعضكم من بعض ، بمعنى : فلينكح هذا فتاة هذا . فـ « البعض » مرفوع بتأويل الكلام ، ومعناه إذ كان قوله : { فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } في تأويل : فلينكح مما ملكت أيمانكم ، ثم ردّ بعضكم على ذلك المعنى فرفع . ثم قال جلّ ثناؤه : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ } : أي والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله ، وما جاء به من عند الله ، فصدق بذلك كله منكم ، يقول : فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرة من فتياتكم المؤمنات ، لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولاً لحرّة من هذا الموسر فتاته المؤمنة التي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكِلوا سرائرهنّ إلى الله ، فإن علم ذلك إلى الله دونكم ، والله أعلم بسرائركم وسرائرهن . القول في تأويل قوله تعالى : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } . يعني بقوله جل ثناؤه : { فَٱنكِحُوهُنَّ } فتزوّجوهنّ ، وبقوله : { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } : بإذن أربابهن وأمرهم إياكم بنكاحهنّ ورضاهم ويعني بقوله : { وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } : وأعطوهنّ مهورهنّ : كما : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قال : الصداق . ويعني بقوله { بِٱلْمَعْرُوفِ } على ما تراضيتم به مما أحلّ الله لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهوراً لهن . القول في تأويل قوله : { مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } . يعني بقوله : { مُحْصَنَـٰت } عفيفات ، { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } غير مزانيات ، { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يقول : ولا متخذات أصدقاء على السفاح . وقد ذكر أن ذلك قيل كذلك ، لأن الزواني كنّ في الجاهلية في العرب المعلنات بالزنا ، والمتخذات الأخدان : اللواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل والصديق للفجور بها سرّاً دون الإعلان بذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يعني : تنكحوهنّ عفائف غير زواني في سرّ ولا علانية . { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يعني : أخلاّء . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } المسافحات : المعالنات بالزنا . { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ذات الخليل الواحد . قال : كان أهل الجاهلية يحرّمون ما ظهر من الزنا ، ويستحلون ما خفي ، يقولون : أما ما ظهر منه فهو لؤم ، وأما ما خفي فلا بأس بذلك . فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] . حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا معتمر ، قال : سمعت داود يحدّث عن عامر ، قال : الزنا زنيان : تزني بالخدن ولا تزني بغيره ، وتكون المرأة شؤماً . ثم قرأ : { مُحْصَنَـٰت غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدّي : أما المحصنات : فالعفائف ، فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنة ، والمحصنات : العفائف ، غير مسافحة ، والمسافحة : المعالنة بالزنا ، ولا متخذة صديقاً . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } قال : الخيلة يتخذها الرجل ، والمرأة تتخذ الخليل . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا بشربن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { مُحْصَنَـٰتٍ غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } المسافحة : البغيّ التي تؤاجر نفسها مَن عرض لها ، وذات الخدن : ذات الخليل الواحد . فنهاهم الله عن نكاحهما جميعاً . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { مُحْصَنَـٰتٍ غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } أما المحصنات ، فهنّ الحرائر ، يقول : تزوّج حرّة . وأما المسافحات : فهنّ المعلنات بغير مهر . وأما متخذات أخدان : فذات الخليل الواحد المسترّة به . نهى الله عن ذلك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : الزنا وجهان قبيحان ، أحدهما أخبث من الآخر : فأما الذي هو أخبثهما فالمسافحة التي تفجر بمن أتاها ، وأما الآخر فذات الخدن . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { مُحْصَنَـٰتٍ غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } قال : المسافح : الذي يَلْقَى المرأة فيفجُر بها ، ثم يذهب وتذهب . والمخادن : الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه ، فذاك « الأخدان » . القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } . اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : « فإذا أَحْصَنَّ » بفتح الألف ، بمعنى : إذا أسلمن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام . وقرأه آخرون : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } بمعنى : فإذا تزوجن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإزواج . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب . فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا في ذلك غير جائز إذ كانتا مختلفتي المعنى ، وإنما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني فقد أغفل وذلك أن معنيـي ذلك وإن اختلفا فغير دافع أحدهما صاحبه ، لأن الله قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها ، ثُمَّ إنْ عادتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلاَ يُثرّبْ عَلَيْها ، ثُمَّ إنْ عادَتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها ، ثُمَّ إنْ زنَتْ الرَّابِعَةَ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ ولْيَبِعها ولَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ " وقال صلى الله عليه وسلم : " أقِيمُوا الحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ " فلم يخصص بذلك ذات زوج منهنّ ولا غير ذات زوج ، فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهنّ إذا فجرن بكتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما : حدثكم به ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا مالك بن أنس عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة تزني ولم تحصن ، قال : " اجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فقال في الثالثة أو الرابعة : فَبِعْهَا وَلَوْ بِضٍفِيرٍ " والضفير : الشعر . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فذكر نحوه . فقد بين أن الحدّ الذي وجب إقامته بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإماء هو ما كان قبل إحصانهنّ فأما ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب ، فبعد إحصانهنّ ؟ قيل له : قد بينا أن أحد معاني الإحصان : الإسلام ، وأن الآخر منه التزويج وأن الإحصان كلمة تشتمل على معان شتى ، وليس في رواية من روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأمة تزنى قبل أن تحصن ، بيان أن التي سئل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم هي التي تزنى قبل التزويج ، فيكون ذلك حجة لمحتجّ في أن الإحصان الذي سنّ صلى الله عليه وسلم حدّ الإماء في الزنا هو الإسلام دون التزويج ، ولا أنه هو التزويج دون الإسلام . وإذ كان لا بيان في ذلك ، فالصواب من القول ، أن كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامة الحدّ عليها ، متزوّجة كانت أو غير متزوّجة ، لظاهر كتاب الله والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا من أخرجه من وجوب الحدّ عليه منهنّ بما يجب التسليم له . وإذ كان ذلك كذلك تبين به صحة ما اخترنا من القراءة في قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } . فإن ظنّ ظانّ أن في قول الله تعالى ذكره : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } دلالة على أن قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } معناه : تزوّجن ، إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهنّ بالإيمان بقوله : { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } وحسب أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج ، مع ما تقدم ذلك من وصفهنّ بالإيمان ، فقد ظنّ خطأ وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فيتاتكم المؤمنات ، فإذا هنّ آمن فإن أتين بفاحشة ، فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ، فيكون الخبر بياناً عما يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهنّ بعد البيان عما لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ ، وعمن يجوز نكاحه له منهنّ . فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام فغير جائز لأحد صرف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام ، من أجل ما تقدّم من وصف الله إياهنّ بالإيمان غير أن الذي نختار لمن قرأ : « مُحْصَناتٍ غيَرَ مُسافِحاتٍ » بفتح الصاد في هذا الموضع أن يقرأ { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ } بضم الألف ، ولمن قرأ { مُحْصَنَـٰتٍ } بكسر الصاد فيه ، أن يقرأ : « فإذَا أحْصَنَّ » بفتح الألف ، لتأتلف قراءة القارىء على معنى واحد وسياق واحد ، لقرب قوله : « محصنات » من قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } ولو خالف من ذلك لم يكن لحناً ، غير أن وجه القراءة ما وصفت . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك نظير اختلاف القراء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى قوله { فَإِذَا أُحْصِنَّ } : فإذا أسلمن . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن سعيد بن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أن ابن مسعود ، قال : إسلامها إحصانها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم أن سليمان بن مهران حدثه عن إبراهيم بن يزيد ، عن همام بن الحرث : أن النعمان بن عبد الله بن مقرّن سأل عبد الله بن مسعود ، فقال : أَمَتي زنت ؟ فقال : اجلدها خمسين جلدة ! قال : إنها لم تحصن ! فقال ابن مسعود : إحصانها إسلامها . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم : أن النعمان بن مقرن سأل ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج ، فقال : إسلامها إحصانها . حدثني ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم أن النعمان قال : قلت لابن مسعود : أمتي زنت ؟ قال : اجلدها ، قلت : فإنها لم تحصن ! قال : إحصانها إسلامها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : كان عبد الله يقول : إحصانها : إسلامها . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه تلا هذه الآية : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } قال : يقول : إذا أسلمن . حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا يحيـى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : قال عبد الله : الأمة إحصانها : إسلامها . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال مغيرة : أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يقول : إذا أسلمن . حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا يحيـى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : الإحصان : الإسلام . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن برد بن سنان ، عن الزهري ، قال : جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكاراً من ولائد الإمارة في الزنا . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يقول : إذا أسلمن . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن سالم والقاسم ، قالا : إحصانها : إسلامها وعفافها ، في قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } . وقال آخرون : معنى قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } : فإذا تزوّجن . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يعني : إذا تزوّجن حرّاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يقول : إذا تزوّجن . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة أن ابن عباس كان يقرأ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يقول : تزوّجن . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، أنه سمع سعيد بن جبير يقول : لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } قال : أحصنتهن البُعُولة . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } قال : أحصنتهن البعولة . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزناد أن الشعبي أخبره ، أن ابن عباس أخبره أنه أصاب جارية له قد كانت زنت ، وقال : أحصنتها . قال أبو جعفر : وهذا التأويل على قراءة من قرأ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } بضمّ الألف ، وعلى تأويل من قرأ : « فإذا أَحْصَنَّ » بفتحها . وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا . القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } : يعني جل ثناؤه بقوله : { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ } : فإن أتت فتياتكم ، وهنَّ إماؤكم ، بعد ما أَحْصنّ باسلام ، أو أحصنّ بنكاح بفاحشة ، وهي الزنا ، { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } يقول : فعليهنّ نصف ما على الحرائر من الحدّ إذا هن زنين قبل الإحصان بالأزواج والعذاب الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع هو الحدّ . وذلك النصف الذي جعله الله عذاباً لمن أتى بالفاحشة من ازاء إذا هنّ أحصنّ خمسون جلدة ، ونفي ستة أشهر ، وذلك نصف عام ، لأن الواجب على الحرّة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج : جلد مائة ، ونفي حَوْل ، فالنصف من ذلك خمسون جلدة ، ونفي نصف سنة ، وذلك الذي جعله الله عذاباً للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } خمسون جلدة ، ولا نفي ولا رجم . فإن قال قائل : وكيف { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } وهل يكون الجلد على أحد ؟ قيل : إن معنى ذلك فلازم أبدانهنّ أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات ، كما يقال : عليّ صلاة يوم ، بمعنى : لازم عليّ أن أصلي صلاة يوم ، وعليّ الحجّ والصيام مثل ذلك ، وكذلك عليه الحدّ بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه . القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } . يعني تعالى ذكره بقوله ذلك : هذا الذي أبحت أيها الناس من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولاً لنكاح المحصنات المؤمنات ، أبحته لمن خشي العنت منكم دون غيره ممن لا يخشى العنت . واختلف أهل التأويل في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو الزنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثاً ، عن مجاهد ، قوله : { لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، عن العوّام ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أنه قال : ما ازْلَحَفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : العنت : الزنا . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبيد بن يحيـى ، قال : ثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : العنت : الزنا . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما ازلحفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً ، ذلك لمن خشي العنت منكم . حدثنا أبو سلمة ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير نحوه . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي حماد ، قال : ثنا فضيل ، عن عطية العوفي ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبيدة ، عن الشعبي وجويبر ، عن الضحاك ، قالا : العنت : الزنا . حدثنا أحمد بن حازم ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } قال : العنت : الزنا . وقال آخرون : معنى ذلك : العقوبة التي تُعْنِتُهُ ، وهي الحدّ . والصواب من القول في قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } : ذلك لمن خاف منكم ضرراً في دينه وبدنه . وذلك أن العنت هو ما ضرّ الرجل ، يقال منه : قد عَنِتَ فلان فهو يَعْنَتُ عَنتاً : إذا أتى ما يضره في دين أو دنيا ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ويقال : قد أعنتني فلان فهو يعنتني : إذا نالني بمضرّة وقد قيل : العنت : الهلاك . فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا ، قالوا : الزنا ضرر في الدين ، وهو من العنت . والذين وجهوه إلى الإثم ، قالوا : الآثام كلها ضرر في الدين وهي من العنت . والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحدّ ، فإنهم قالوا : الحدّ مضرّة على بدن المحدود في دنياه ، وهو من العنت . وقد عمّ الله بقوله : { لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } جميع معاني العنت ، ويجمع جميع ذلك الزنا ، لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا بما يعنت بدنه ، ويكتسب به إثما ومضرّة في دينه ودنياه . وقد اتفق أهل التأويل الذي هم أهله ، على أن ذلك معناه . فهو وإن كان في عينه لذّة وقضاء شهوة فإنه بأدائه إلى العنت منسوب إليه موصوف به أن كان للعنت سبباً . القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . يعني جلّ ثناؤه بذلك : وأن تصبروا أيها الناس عن نكاح الإماء خير لكم ، والله غفور لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به ، وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين الله ، رحيم بكم ، إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقاء وعدم الطول للحرة . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } قال : عن نكاح الأمة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا عن مجاهد : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } قال : عن نكاح الإماء . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يقول : وأن تصبرَ ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين فهو خير لك . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يقول : وأن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم ، وهو حلّ . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يقول : وأن تصبروا عن نكاحهنّ ، يعني : نكاح الإماء خير لكم . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } قال : أن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم . حدثني المثنى ، قال : ثنا حبان ، قال : ثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } قال : أن تصبروا عن نكاح الأمة خير لكم . حدثني عليّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } قال : وأن تصبروا عن الأمة خير لكم . و « أن » في قوله : { وَأَن تَصْبِرُواْ } في موضع رفع بـ « خير » ، بمعنى : والصبر عن نكاح الإماء خير لكم .