Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما ، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه ، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور ، فأما من المرأة فالنشوز ، وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف ، أو تسريحها بإحسان . والشقاق : مصدر من قول القائل : شاق فلان فلاناً : إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشقّ عليه من الأمور ، فهو يشاقه مشاقة وشقاقاً وذلك قد يكون عداوة ، كما : حدثنا محمد بن الحسن ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } قال : إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقّته ، يقول : عادته . وإنما أضيف الشقاق إلى البين ، لأن البين قد يكون اسماً ، كما قال جلّ ثناؤه : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] في قراءة من قرأ ذلك . وأما قوله : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية من المأمور ببعثة الحكمين ، فقال بعضهم : المأمور بذلك : السلطان الذي يرفع ذلك إليه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة : يعظها ، فإن انتهت وإلا هجرها ، فإن انتهت وإلا ضربها ، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، فيقول الحكم الذي من أهلها : يفعل بها كذا ، ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا ، فأيهما كان الظالم ردّه السلطان وأخذ فوق يديه ، وإن كانت ناشزاً أمره أن يخلع . حدثنا يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ، فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها قال : بل ذلك إلى السلطان . وقال آخرون : بل المأمور بذلك الرجل والمرأة . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } إن ضربها فإن رجعت فإنه ليس له عليها سبيل ، فإن أبت أن ترجع وشاقته ، فليبعث حكماً من أهله وتبعث حكماً من أهلها . ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان ، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما ، وكيف وجه بعثهما بينهما ؟ فقال بعضهم : يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما ، وليس لهما أن يعملا شيئاً في أمرهما إلا ما وكلاهما به ، أو وكله كل واحد منهما بما إليه ، فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه ، أو توكيل من وكل منهما في ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، قال : جاء رجل وامرأته بينهما شقاق إلى عليّ رضي الله عنه ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال عليّ رضي الله عنه : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا ، وإن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا . قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولى . وقال الرجل : أما الفرقة فلا . فقال عليّ رضي الله عنه : كذبتَ ، والله لا تنقلب حتى تقرّ بمثل الذي أقرّت به . حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا هشام بن حسان ، وعبد الله بن عون ، عن محمد : أن علياً رضي الله عنه أتاه رجل وامرأته ، ومع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأمرهما عليّ رضي الله عنه أن يبعثا حكماً من أهله وحكماً من أهلها لينظرا . فلما دنا منه الحكمان ، قال لهما عليّ رضي الله عنه : أتدريان مالكما ؟ لكما إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما ، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما . قال هشام في حديثه : فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعليّ فقال الرجل : أما الفرقة فلا . فقال عليّ : كذبت والله حتى ترضى مثل ما رضيت به . وقال ابن عون في حديثه : كذبت ، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : شهدت علياً رضي الله عنه ، فذكر مثله . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : إذا هجرها في المضجع وضربها ، فأبت أن ترجع وشاقته ، فليبعث حكماً من أهله وتبعث حكماً من أهلها تقول المرأة لحكمها : قد وليتك أمري ، فإن أمرتني أن أرجع رجعت ، وإن فرّقت تفرّقنا . وتخبره بأمرها إن كانت تريد نفقة أو كرهت شيئاً من الأشياء ، وتأمره أن يرفع ذلك عنها وترجع ، أو تخبره أنها لا تريد الطلاق . ويبعث الرجل حكماً من أهله يوليه أمره ، ويخبره يقول له حاجته إن كان يريدها ، أو لا يريد أن يطلقها ، أعطاها ما سألت وزادها في النفقة ، وإلا قال له : خذ لي منها مالها عليّ وطلقها ! فيوليه أمره ، فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك . ثم يجتمع الحكمان فيخبر كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ، ويجهد كل واحد منهما ما يريد لصاحبه ، فإن اتفق الحكمان على شيء فهو جائز ، إن طلقا وإن أمسكا ، فهو قول الله : { فـَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } ، فإن بعثت المرأة حكماً وأبي الرجل أن يبعث ، فإنه لا يقربها حتى يبعث حكماً . وقال آخرون : إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان ، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ، ليحملهما على الواجب لكلّ واحد منهما قِبَل صاحبه لا التفريق بينهما . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، وهو قول قتادة ، إنهما قالا : إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه وأما الفرقة فليست في أيديهما ، ولم يملكا ذلك ، يعني : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } … الآية ، إنما يبعث الحكمان ليصلحا ، فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم وليس بأيديهما فرقة ، ولا يملَّكان ذلك . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن قيس بن سعد ، قال : سألت عن الحكمين ، قال : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، فما حكم الحكمان من شيء فهو جائز يقول الله تبارك وتعالى : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } قال : يخلو حكم الرجل بالزوج ، وحكم المرأة بالمرأة ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : اصدُقني ما في نفسك ! فإذا صدق كل واحد منهما صاحبه اجتمع الحكمان وأخذ كل واحد منهما على صاحبه ميثاقاً لتصدقني الذي قال لك صاحبك ، ولأصدقنك الذي قال لي صاحبي ! فذاك حين أرادا الإصلاح يوفق الله بينهما ، فإذا فعلا ذلك اطلع كل واحد منهما على ما أفضى به صاحبه إليه ، فيعرفان عند ذلك من الظالم والناشز منهما ، فأتيا عليه ، فحكما عليه . فإن كانت المرأة قالا : أنت الظالمة العاصية ، لا ينفق عليك حتى ترجعي إلى الحقّ وتطيعي الله فيه . وإن كان الرجل هو الظالم ، قالا : أنت الظالم المضارّ لا تدخل لها بيتاً حتى تنفق عليها وترجع إلى الحقّ والعدل . فإن كانت هي الظالمة العاصية أخذ منها مالها ، وهو له حلال طيب ، وإن كان هو الظالم المسيء إليها المضارّ لها طلقها ، ولم يحلّ له من مالها شيء ، فإن أمسكها أمسكها بما أمر الله وأنفق عليها وأحسن إليها . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يبعث الحكمين : حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، فيقول الحكم من أهلها : يا فلان ما تنقم من زوجتك ؟ فيقول : أنقم منها كذا وكذا . قال : فيقول : أفرأيت إن نَزَعَتْ عما تكره إلى ما تحبّ ، هل أنت متقي الله فيها ومعاشرها بالذي يحقّ عليك في نفقتها وكسوتها ؟ فإذا قال نعم ، قال الحكم من أهله : يا فلانة ما تنقمين من زوجك فلان ؟ فتقول مثل ذلك ، فإن قالت : نعم ، جمع بينهما . قال : وقال عليّ رضي الله عنه : الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرّق . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن : الحكمان يحكمان في الاجتماع ، ولا يحكمان في الفرقة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ } [ النساء : 34 ] وهي المرأة التي تنشز على زوجها ، فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك ، وهو بعد ما تقول لزوجها : والله لا أبرّ لك قسماً ، ولآذننّ في بيتك بغير أمرك . ويقول السلطان : لا نجيز لك خلعاً . حتى تقول المرأة لزوجها : والله لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم لك صلاة ، فعند ذلك يقول السلطان : اخلع المرأة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ } [ النساء : 34 ] قال : تعظها ، فإن أبت وغلبت فاهجرها في مضجعها . فإن غلبت هذا أيضاً فاضربها . فإن غلبت هذا أيضاً ، بُعث حكم من أهله وحكم من أهلها . فإن غلبت هذا أيضاً وأرادت غيره ، فإنّ أبي كان يقول : ليس بيد الحكمين من الفرقة شيء ، إن رأيا الظلم من ناحية الزوج قالا : أنت يا فلان ظالم ، انزع ! فإن أبى رفعا ذلك إلى السلطان ، ليس إلى الحكمين من الفراق شيء . وقال آخرون : بل إنما يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } فهذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما ، فأمر الله سبحانه أن يبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل ، ومثله من أهل المرأة ، فينظران أيهما المسيء ، فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة ، وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ، ومنعوها النفقة . فإن اجتمع رأيهما على أن يفرّقا أو يجمعا ، فأمرهما جائز . فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما ، فإن الذي رضي يرث الذي كره ، ولا يرث الكاره الراضي ، وذلك قوله : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } قال : هما الحكمان يوفق الله بينهما . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا عوف ، عن محمد بن سيرين : أن الحكم من أهلها والحكم من أهله يفرّقان ويجمعان إذا رأيا ذلك { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } . حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر : قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سألت سعيد بن جبير عن الحكمين ، فقال : لم أولد إذ ذاك ، فقلت : إنما أعني حكم الشقاق ، قال : يقبلان على الذي جاء الأذى من عنده ، فإن فعل وإلا أقبلا على الآخر ، فإن فعل ، وإلا حكما ، فما حكما ، فما حكما من شيء فهو جائز . حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر في قوله : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } قال : ما قضى الحكمان من شيء فهو جائز . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن داود ، عن إبراهيم ، قال : ما حكما من شيء فهو جائز إن فرقا بينهما بثلاث تطليقات أو تطليقتين فهو جائز ، وإن فرقا بتطليقة فهو جائز . وإن حكما عليه بهذا من ماله فهو جائز ، فإن أصلحا فهو جائز ، وإن وضعا من شيء فهو جائز . حدثنا المثنى ، قال : ثنا حبان ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } قال : ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما ، إن طلقا ثلاثاً فهو جائز عليهما ، وإن طلقها واحدة أو طلقها على جُعْل فهو جائز ، وما صنعا من شيء فهو جائز . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يحيـى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : إن شاء الحكمان أن يفرّقا فرّقا ، وإن شاءا أن يجمعا جمعا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، عن حصين ، عن الشعبي : أن امرأة نشزت على زوجها ، فاختصموا إلى شريح ، فقال شريح : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ! فنظر الحكمان في أمرهما ، فرأيا أن يفرّقا بينهما ، فكره ذلك الرجل ، فقال شريح : ففيم كانا اليوم ؟ وأجاز قولهما . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عباس ، قال : بعثت أنا ومعاوية حكمين . قال معمر : بلغني أن عثمان رضي الله عنهما بعثهما ، وقال لهما : إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : ثني ابن أبي مليكة : أن عقيل بن أبي طالب تزوّج فاطمة ابنة عتبة ، فكان بينهما كلام ، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ، فأرسل ابن عباس ومعاوية ، فقال ابن عباس : لأفرّقنّ بينهما ! وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف ! فأتياهما وقد اصطلحا . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } يكونان عدلين عليهما وشاهدين . وذلك إذا تدارأ الرجل والمرأة وتنازعا إلى السلطان ، جعل عليهما حكمين : حكماً من أهل الرجل وحكماً من أهل المرأة ، يكونان أمينين عليهما جميعاً . وينظران من أيهما يكون الفساد ، فإن كان من قِبَل المرأة أُجبرت على طاعة زوجها ، وأمر أن يتقي الله ويحسن صحبتها وينفق عليها بقدر ما آتاه الله إمْساكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ . وإن كانت الإساءة من قبل الرجل أُمر بالإحسان إليها ، فإن لم يفعل قيل له : أعطها حقها ، وخلّ سبيلها ! وإنما يلي ذلك منهما السلطان . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } أن الله خاطب المسلمين بذلك ، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض . وقد أجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان ، الذي هو سائس أمر المسلمين ، أو من أقامه في ذلك مُقام نفسه . واختلفوا في الزوجين والسلطان ، ومَن المأمور بالبعثة في ذلك : الزوجان ، أو السلطان ؟ ولا دلالة في الآية تدلّ على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأمة فيه مختلفة . وإذ كان الأمر على ما وصفنا ، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصاً من الآية من أجمع الجميع على أنه مخصوص منها . وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية ، والأمر بقوله : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } إذ كان مختلفاً بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا ؟ وكان ظاهر الآية قد عمهما فالواجب من القول إذ كان صحيحاً ما وصفنا أن يقال : إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكماً من قبله ، لينظر في أمرهما ، وكان لكل واحد منهما ممن بعثه من قبله في ذلك طاقة على صاحبه ولصاحبه عليه ، فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه ، وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع ، كان ما فعله الحكم مما وكله به صاحبه ماضياً جائزاً على ما وكله به وذلك أن يوكله أحدهما بماله دون ما عليه ، أو لم يوكل كل واحد من الزوجين بماله وعليه ، أو بما له ، أو بما عليه ، فليس للحكمين كليهما إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما . وإن لم يوكلهما واحداً منها بشيء ، وإنما بعثاهما للنظر ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما ، لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئاً غير ذلك من طلاق أو أخذ مال أو غير ذلك ، ولم يلزم الزوجين ولا واحداً منهما شيء من ذلك . فإن قال قائل : وما معنى الحكمين إذ كان الأمر على ما وصفت ؟ قيل : قد اختلف في ذلك ، فقال بعضهم : معنى الحكم : النظر العدل ، كما قال الضحاك بن مزاحم في الخبر الذي ذكرناه ، الذي : حدثنا به يحيـى بن أبي طالب ، عن يزيد ، عن جويبر ، عنه : لا ، أنتما قاضيان تقضيان بينهما . على السبيل التي بينا من قوله . وقال آخرون : معنى ذلك : أنهما القاضيان يقضيان بينهما ما فوّض إليهما الزوجان . وأيّ الأمرين كان فليس لهما ولا لواحد منهما الحكم بينهما بالفرقة ، ولا بأخذ مال إلا برضا المحكوم عليه بذلك ، وإلا ما لزم من حقّ لأحد الزوجين على الآخر في حكم الله ، وذلك ما لزم الرجل لزوجته من النفقة والإمساك بمعروف إن كان هو الظالم لها . فأما غير ذلك فليس ذلك لهما ولا لأحد من الناس غيرهما ، لا السلطان ، ولا غيره وذلك أن الزوج إن كان هو الظالم للمرأة فللإمام السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حقّ ، وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها الناشزة عليه ، فقد أباح الله له أخذ الفدية منها وجعل إليه طلاقها على ما قد بيناه في سورة البقرة . وإذ كان الأمر كذلك لم يكن لأحد الفرقة بين رجل وامرأة بغير رضا الزوج ، ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه ، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس . وإن بعث الحكمين السلطانُ ، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك ، ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضا المرأة يدلّ على ذلك ما قد بيناه قَبْلُ من فعل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك ، والقائلين بقوله . ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين ، ويتعرّفا الظالم منهما من المظلوم ليشهداً عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما . وإنما قلنا : ليس لهما التفريق للعلة التي ذكرناها آنفا ، وإنما يبعث السلطان الحكمين إذا بعثهما إذا ارتفع إله الزوجان ، فشكا كل واحد منهما صاحبه ، وأشكل عليه المحقّ منهما من المبطل ، لأنه إذا لم يشكل المحقّ من المبطل ، فلا وجه لبعثة الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه . القول في تأويل قوله تعالى : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } . يعني بقوله جلّ ثناؤه : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } : إن يرد الحكمان إصلاحاً بين الرجل والمرأة ، أعني بين الزوجين المخوف شقاق بينهما ، يقول : يوفق الله بين الحكمين ، فيتفقا على الإصلاح بينهما ، وذلك إذا صدق كل واحد منهما فيما أفضى إليه من بعث للنظر في أمر الزوجين . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيـى ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، في قوله : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } قال : أما إنه ليس بالرجل والمرأة ، ولكنه الحكمان . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } قال : هما الحكمان ، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما . حدثنا المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } وذلك الحكمان ، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحقّ والصواب . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } يعني بذلك الحكمين . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } قال : إن يرد الحكمان إصلاحا أصلحا . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } : يوفق الله بين الحكمين . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا جويبر ، عن الضحاك ، قوله : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } قال : هما الحكمان إذا نصحا المرأة والرجل جميعاً . القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } . يعني جلّ ثناؤه : إن الله كان عليماً بما أراد الحكمان من إصلاح بين الزوجين وغيره ، خبيراً بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما ، لا يخفى عليه شيء منه ، حافظ عليهم ، حتى يجازي كلاًّ منهم جزاءه بالإحسان إحساناً ، وبالإساءة غفراناً أو عقاباً .