Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وذلّوا لله بالطاعة ، واخضعوا له بها ، وأفردوه بالربوبية ، وأخلصوا له الخضوع والذلة ، بالانتهاء إلى أمره ، والانزجار عن نهيه ، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكاً تعظمونه تعظيمكم إياه . { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } يقول : وأمركم بالوالدين إحساناً ، يعني برًّا بهما ولذلك نصب الإحسان ، لأنه أمر منه جلّ ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالين على وجه الإغراء . وقد قال بعضهم : معناه : واستوصوا بالوالدين إحساناَ ، وهو قريب المعنى مما قلناه . وأما قوله : { وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } فإنه يعني : وأمر أيضاً بذي القربى ، وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين إحساناً بصلة رحمه . وأما قوله : { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ } فإنهم جمع يتيم ، وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك . { وَٱلْمَسَـٰكِينُ } وهو جمع مسكين ، وهو الذي قد ركبه ذلّ الفاقة والحاجة ، فتمسكن لذلك . يقول تعالى ذكره : استوصوا بهؤلاء إحساناً إليهم ، وتعطفوا عليهم ، والزموا وصيتي في الإحسان إليهم . القول في تأويل قوله تعالى : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك والجار ذي القرابة والرحم منك . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } يعني : الذي بينك وبينه قرابة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } يعني : ذا الرحم . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } قال : جارك هو ذو قرابتك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } قالا : القرابة . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } قال : جارك الذي بينك وبينه قرابة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } جارك ذو القرابة . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَٱلْجَارِ ذِى } إذا كان له جار له رحم ، فله حقان اثنان : حقّ القرابة ، وحقّ الجار . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } قال : الجار ذو القربى : ذو قرابتك . وقال آخرون : بل هو جار ذي قرابتك . ذكر من قال ذلك : حدثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن ميمون بن مهران ، في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } قال : الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك . قال أبو جعفر : وهذا القول قول مخالف المعروف من كلام العرب ، وذلك أن الموصوف بأنه ذو القرابة في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } الجار دون غيره ، فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة ، ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل : وجار ذي القربى ، ولم يقل : والجار ذي القربي ، فكان يكون حينئذً إذا أضيف الجار إلى ذي القرابة الوصية ببرّ جار ذي القرابة دون الجار ذي القربي . وأما والجار بالألف واللام فغير جائز أن يكون « ذي القربى » إلا من صفة الجار . وإذا كان ذلك كذلك كانت الوصية من الله في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } ببرّ الجار ذي القربى دون جار ذي القرابة ، وكان بيناً خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك . وقال آخرون : معنى ذلك : والجار ذي القربى منكم بالإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف الشامي : { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } المسلم . وهذا أيضاً مما لا معنى له ، وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب ، الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه ، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوماً أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة ، إنما يعني به : إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين ، كان صرفه إلى القرابة بالرحم أوّلَى من صرفه إلى القرب بالدين . القول في تأويل قوله تعالى : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } الذي ليس بينك وبينه قرابة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } يعني : الجار من قوم جنب . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } : الذي ليس بينهما قرابة وهو جار ، فله حقّ الجوار . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } الجار الغريب يكون في القوم . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } جارك من قوم آخرين . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } : جارك لا قرابة بينك وبينه ، البعيد في النسب وهو جار . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد ، في قوله : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } قال : المجانب . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } : الذي ليس بينك وبينه وجه ولا قرابة . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } قال : من قوم آخرين . وقال آخرون : هو الجار المشرك . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمارة الأسديّ ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف الشامي { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } قال : اليهودي والنصرانيّ . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى الجنب في هذا الموضع : الغريب البعيد ، مسلماً كان أو مشركاً ، يهودياً كان أو نصرانياً لما بينا قبل أن الجار ذي القربى : هو الجار ذو القرابة والرحم ، والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد ، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران ، قريبهم وبعيدهم . وبعد فإن الجُنب في كلام العرب البعيد كما قال أعشى بني قيس : @ أتَيْتُ حُرَيْثاً زَائِراً عَنْ جَنابَةٍ فكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا @@ يعني بقوله : « عن جنابة » : عن بعد وغربة ، ومنه قيل : اجتنب فلان فلاناً : إذا بعد منه . وتجنبه غيره : إذا منعه إياه ومنه قيل للجنب : جُنُب ، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل . فمعنى ذلك : والجار المجانب للقرابة . القول في تأويل قوله تعالى : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } . اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ، فقال بعضهم : هو رفيق الرجل في سفره . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الرفيق في السفر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيـى وعبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن أبي بكير ، قال : سمعت سعيد ابن جبير ، يقول : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الرفيق في السفر . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : صاحبك في السفر . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } وهو الرفيق في السفر . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الرفيق في السفر ، منزله منزلك ، وطعامه طعامك ، ومسيره مسيرك . حدثنا سفيان ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } قالا : الرفيق في السفر . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن جابر ، عن عامر ، عن عليّ وعبد الله ، قالا : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الرفيق الصالح . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني سليم ، عن مجاهد ، قال : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : رفيقك في السفر الذي يأتيك ويده مع يدك . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج ، قال : أخبرنا سليم أنه سمع مجاهداً يقول : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } فذكر مثله . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الصاحب في السفر . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو دكين ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي بكير ، عن سعيد بن جبير : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الرفيق الصالح . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي بكير ، عن سعيد بن جبير ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال : الرفيق في السفر . حدثني يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله . وقال آخرون : بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر أو القاسم ، عن عليّ وعبد الله : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } قالا : هي المرأة . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيم ، عن بعض أصحابه ، عن جابر ، عن عليّ وعبد الله ، مثله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } يعني الذي معك في منزلك . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن هلال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال في هذه الآية : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال : هي المرأة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثناسفيان ، عن أبي الهيثم ، عن إبراهيم : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال : المرأة . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : قال الثوري ، قال أبو الهيثم ، عن إبراهيم : هي المرأة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي الهيثم ، عن إبراهيم ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن محمد بن سوقة ، عن أبي الهيثم ، عن إبراهيم ، مثله . حدثني عمرو بن بيذق ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن محمد بن سوقة ، عن أبي الهيثم ، عن إبراهيم ، مثله . وقال آخرون : هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الملازم . وقال أيضاً : رفيقك الذي يرافقك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الذي يلصق بك وهو إلى جنبك ، ويكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك . والصواب من القول في تأويل ذلك عندي : أن معنى : { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } : الصاحب إلى الجنب ، كما يقال : فلان بجنب فلان وإلى جنبه ، وهو من قولهم : جَنَب فلان فلاناً فهو يَجْنُبُهُ جَنْباً ، إذا كان لجنبه ، ومن ذلك : جَنَبَ الخَيْلَ ، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض . وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر ، والمرأة ، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه ، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه ، وقد أوصى الله تعال بجميعهم لوجوب حقّ الصاحب على المصحوب . وقد : حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : ثنا ابن أبي فديك ، عن فلان بن عبد الله ، عن الثقة عنده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم وسلم في غيضة طرفاء ، فقطع فصيلين أحدهما معوجّ والآخر معتدل ، فخرج بهما فأعطى صاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوجّ ، فقال الرجل : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أنت أحقّ بالمعتدل منيٰ فقال : " كَلاَّ يا فُلانُ ، إنَّ كُلَّ صَاحِبٍ يَصْحَبُ صَاحِبا مَسْئُولٌ عَنْ صَحَابَتِهِ وَلَوْ ساعَةً مِنْ نَهارٍ " حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حيوة ، قال : ثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " إنَّ خَيْرَ الأصحَابِ عِنْدَ اللّهِ تَبارَكَ وَتَعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِه ، وَخَيْرُ الجِيرانَ عِنْدَ اللّه خَيْرُهُمْ لِجارِه " وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلاً فيه كل من جنب رجلاً يصحبه في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به ، ولم يكن الله جلّ ثناؤه خصّ بعضهم مما احتمله ظاهر التنزيل فالصواب أن يقال : جميعهم معنيون بذلك ، وبكلهم قد أوصى الله بالإحسان إليه . القول في تأويل قوله تعالى : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : ابن السبيل : هو المسافر الذي يجتاز مارّاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } هو الذي يمرّ عليك وهو مسافر . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وقتادة ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } قال : هو المارّ عليك وإن كان في الأصل غنيًّا . وقال آخرون : هو الضيف . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } قال : الضيف له حقّ في السفر والحضر . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وهو الضيف . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } قال : الضيف . حدثنا يحيـى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله . والصواب من القول في ذلك : أن ابن السبيل : هو صاحب الطريق ، والسبيل : هو الطريق ، وابنه : صاحبه الضارب فيه ، فله الحقّ على من مرّ به محتاجاً منقطعاً به إذا كان سفره في غير معصية الله أن يعينه إن احتاج إلى معونة ، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة ، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان . القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : والذين ملكتموهم من أرقائكم . فأضاف الملك إلى اليمين ، كما يقال : تكلم فوك ، ومشت رجلُك ، وبطشت يدُك ، بمعنى : تكلمتَ ، ومشيتَ ، وبطشتَ . غير أن ما وصفت به كل عضو من ذلك ، فإنما أضيف إليه ما وصفت به ، لأنه بذلك يكون في المتعارف في الناس دون سائر جوارح الجسد ، فكان معلوماً بوصف ذلك العضو بما وُصف به من ذلك المعنى المراد من الكلام ، فكذلك قوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } لأن مماليك أحدنا تحت يده ، إنما يَطعم ما تناوله أيماننا ويكتسي ما تكسوه وتصرِّفه فيما أحبّ صرفه فيه بها . فأضيف ملكهم إلى الأيمان لذلك . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } مما خوّلك الله كل هذا أوصى الله به . وإنما يعني مجاهد بقوله : « كل هذا أوصى الله به » الوالدين وذا القربى واليتامى والمساكين والجار ذا القربى ، والجار الجنب ، والصاحب بالجنب ، وابن السبيل ، فأوصى ربنا جلّ جلاله بجميع هؤلاء عباده إحساناً إليهم ، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم ، فحقّ على عباده حفظ وصية الله فيهم ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه وسلم . القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } . يعني بقوله جلّ ثناؤه : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } : إن الله لا يحبّ من كان ذا خيلاء ، والمختال المفتعل من قولك : خال الرجل فهو يَخُول خَوْلاً وخَالاً ، ومنه قول الشاعر : @ فإنْ كُنْتَ سَيَّدَنا سُدْتَنا وإن كُنْتَ للخالِ فاذْهبْ فَخَلْ @@ ومنه قول العجاج : @ والخالِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيابِ الجُهَّالْ @@ وأما الفخور : فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه ، وبسط له من فضله ، ولا يحد على ما أتاه من طوله ، ولكنه به مختال مستكبر ، وعلى غيره به مستطيل مفتخر . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } قال : متكبراً فخوراً ، قال : يعدّ ما أُعطي ، وهو لا يشكر الله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي ، قال : لا تجد سيـيء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً ، وتلا : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } . ولا عاقًّا إلا وجدته جباراً شقياً ، وتلا : { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } [ مريم : 32 ] .