Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 42-42)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بذلك جلّ ثناؤه : يوم نجيء من كل أمة بشهيد ، ونجيء بك على أمتك يا محمد شهيداً ، { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يقول : يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ، لو تسوّى بهم الأرض . واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز ومكة والمدينة : « لَوْ تَسَّوَّى بِهِمُ الأرْضُ » بتشديد السين والواو وفتح التاء ، بمعنى : لو تَتَسوّى بهم الأرض ، ثم أدغمت التاء الثانية في السين ، يراد به : أنهم يودّون لو صاروا تراباً ، فكانوا سواء هم والأرض . وقرأ آخرون ذلك : « لَوْ تَسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ » بفتح التاء وتخفيف السين ، وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة بالمعنى الأوّل ، غير أنهم تركوا تشديد السين ، واعتلوا بأن العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد . وقرأ ذلك آخرون : { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } بمعنى : لو سوّاهم الله والأرض ، فصاروا تراباً مثلها بتصييره إياهم ، كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم . وكل هذه القراءات متقاربات المعنى ، وبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، لأن من تمنى منهم أن يكون يومئذ تراباً إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك ، وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك فقد تمنى أن يكون تراباً . على أن الأمر وإن كان كذلك ، فأعجب القراءة إليّ في ذلك : « لَوْ تَسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ » بفتح التاء وتخفيف السين ، كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد ، وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرٰباً } [ النبأ : 40 ] فأخبر الله عنهم جلّ ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا تراباً ، ولم يخبر عنهم أنهم قالوا : يا ليتني كنت تراباً ، فكذلك قوله : « لَوْ تَسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ » فيسوّوا هم ، وهي أعجب إليّ ليوافق ذلك المعنى الذي أخبر عنهم بقوله : { يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرٰباً } [ النبأ : 40 ] . وأما قوله : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } فإن أهل التأويل تأوّلوه ، بمعنى : ولا تكتم الله جوارحهم حديثاً وإن جحدت ذلك أفواههم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : أتى رجل ابن عباس ، فقال : سمعت الله يقول : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وقال في آية أخرى : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } . فقال ابن عباس : أما قوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا : تعالوا فلنجحد ، فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين ! فختم الله على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم ، فلا يكتمون الله حديثاً . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال : أشياء تختلف عليّ في القرآن ؟ فقال : ما هو ؟ أشكّ في القرآن ؟ قال : ليس بالشك ، ولكنه اختلاف . قال : فهات ما اختلف عليك ! قال : أسمع الله يقول : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وقال : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } وقد كتموا ! فقال ابن عباس : أما قوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركاً ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون ، فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين ، رجاء أن يغفر لهم ، فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } . حدثني المثنى ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا الزبير ، عن الضحاك : أن نافع ابن الأزرق أتى ابن عباس فقال : يا ابن عباس ، قول الله تبارك وتعالى : { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } ، وقوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ؟ فقال له ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت : ألقى عليّ ابن عباس متشابه القرآن ، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد ، فيقول المشركون إن الله لا يقبل من أحد شيئاً إلا ممن وحّده ، فيقولون : تعالوا نجحد ! فيسألهم ، فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، قال : فيختم على أفواههم ، ويستنطق جوارحهم ، فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سوّيت بهم ، ولا يكتمون الله حديثاً . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } يعني : أن تُسوّى الأرض بالجبال عليهم . فتأويل الآية على هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس : يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهمُ الأرْضُ ولَمْ يَكْتُمُوا اللَّهَ حَدِيثاً . كأنهم تمنوا أنهم سوّوا مع الأرض ، وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثاً . وقال آخرون : معنى ذلك يومئذ لا يكتمون الله حديثاً ، ويودّون لو تسوّى بهم الأرض . وليس بمنكتم عن الله من شيء حديثهم ، لعلمه جلّ ذكره بجميع حديثهم وأمرهم ، فإنهم إن كتموه بألسنتهم فجحدوه ، لا يخفى عليه شيء منه . ]