Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { يا أيُّها ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا } صدّقوا الله ورسوله { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } : لا تصلوا { وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } وهو جمع سكران ، { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } في صلاتكم ، وتقرءون فيها مما أمركم الله به ، أو ندبكم إلى قيله فيها مما نهاكم عنه وزجركم . ثم اختلف أهل التأويل في السكر الذي عناه الله بقوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } فقال بعضهم : عنى بذلك : السكر من الشراب . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي : أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر ، فصلى بهم عبد الرحمن ، فقرأ : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] فخلط فيها ، فنزلت : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب : أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاماً وشراباً ، فدعا نفراً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأكلوا وشربوا حتى ثملوا ، فقدّموا عليًّا يصلي بهم المغرب ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون ، أعبد ما تعبدون ، وأنتم عابدون ما أعبد ، وأنا عابد ما عبدتم ، لكم دينكم ولي دين . فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } قبل أن تحرم الخمر ، فقال الله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } … الآية . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي رزين في قوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } قال : نزل هذا وهم يشربون الخمر ، فقال : وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي رزين ، قال : كانوا يشربون بعد ما أنزلت التي في البقرة ، وبعد التي في النساء ، فلما أنزلت التي في المائدة تركوها . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } قال : نهوا أن يصلوا وهم سكارى ، ثم نسخها تحريم الخمر . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } قال : كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ، ثم نسخ بتحريم الخمر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم في قوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } و { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ البقرة : 219 ] ، وقوله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } [ النحل : 67 ] قالوا : كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى من النوم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } قال : سكر النوم . حدثنا أحمد بن حازم الغفاريّ ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سلمة ، عن الضحاك : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } قال : لم يعن بها سكر الخمر ، وإنما عنى بها سكر النوم . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية ، تأويل من قال ذلك : نهى من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر ، للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك نهي من الله ، وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه . فإن قال لنا قائل : وكيف يكون ذلك معناه ، والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله ، وأنت ممن تُحِيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى ؟ قيل له : إن السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه ، ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر ، غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأحرّ جسمه وأخدره ، حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله ، فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهِم ، وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب . وأما من صار إلى حدّ لا يعقل ما يأتي ويذر ، فذلك منتقل من السكر إلى الخبل ، ومعدود في المجانين ، وليس ذلك الذي خوطب بقوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } لأن ذلك مجنون ، وإنما خوطب به السكران ، والسكران ما وصفنا صفته . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها جنباً إلا عابري سبيل ، يعني : إلا أن تكونوا مجتازى طريق : أي مسافرين حتى تغتسلوا . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : المسافر . وقال ابن المثنى : لفي السفر . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } يقول : لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب ، إذا وجدتم الماء ، فإن لم تجدوا الماء ، فقد أحللت لكم أن تمسَّحوا بالأرض . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله ، أو عن زرّ ، عن عليّ رضي الله عنه : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : إلا أن تكونوا مسافرين فلا تجدوا الماء فتيمموا . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : المسافر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا هشام ، عن قتادة ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، بمثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : نزلت في السفر : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } وعابر السبيل : المسافر إذا لم يجد ماء تيمم . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا هارون ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم فيصلي . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : هو الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون صعيداً طيباً ، حتى يجدوا الماء فيغتسلوا . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : مسافرين لا يجدون ماء . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن مسعر ، عن بكير بن الأخنس ، عن الحسن بن مسلم ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : إلا أن يكونوا مسافرين ، فلا يجدون الماء فيتيمموا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام عن عمرو ، عن منصور ، عن الحكم : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : المسافر تصيبه الجنابة ، فلا يجد ماء فيتيمم . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير ، وعن منصور ، عن الحكم في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قالا : المسافر الجنب لا يجد الماء فيتيمم فيصلي . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } إلا أن يكون مسافراً . حدثنا المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن الحكم ، نحوه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، قال : كنا نسمع أنه في السفر . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : هو المسافر الذي لا يجد الماء فلا بدّ له من أن يتيمم ويصلي ، فهو يتيمم ويصلي . قال : كان أبي يقول هذا . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تقربوا المصلى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوه جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل ، يعني : إلا مجتازين فيه للخروج منه . فقال أهل هذه المقالة : أقيمت الصلاة مقام المصلَّى والمسجد ، إذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم أيامئذ لا يتخلفون عن التجميع فيها ، فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة كفاية عن ذكر المساجد والمصلَّى الذي يصلون فيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : هو الممرّ في المسجد . حدثنا أحمد بن حازم ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن يسار ، عن ابن عباس : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : لا تقرب المسجد إلا أن يكون طريقك فيه ، فتمرّ مرّاً ولا تجلس . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنا أبي ، عن قتادة ، عن سعيد في الجنب يمرّ في المسجد مجتازاً وهو قائم لا يجلس وليس بمتوضىء ، وتلا هذه الآية : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ما لم يجلسا فيه . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو الزبير ، قال : كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنب مجتازاً . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : الجنب يمرّ في المسجد ولا يقعد فيه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قالا جميعاً : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : إذا لم يجد طريقاً إلا المسجد يمرّ فيه . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم في هذه الآية : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } قال : لا بأس أن يمرّ الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريق غيره . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجنب يمرّ في المسجد ولا يجلس فيه ، ثم قرأ : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن أبي عبيدة ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن أبي الضحى مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، قال : لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد ولا يقعدا فيه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن الزهري ، قال : رخص للجنب أن يمرّ في المسجد . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني يزيد بن أبي حبيب ، عن قول الله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم ، فيريدون الماء ولا يجدون ممرّاً إلا في المسجد ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قال : لا يجتاز في المسجد إلا أن لا يجد طريقاً غيره . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه ، لا يمرّ الجنب في المسجد يتخذه طريقاً . قال أبو جعفر : وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوّله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } : إلا مجتازي طريق فيه . وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } ، فكان معلوماً بذلك أن قوله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } لو كان معنيًّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } معنى مفهوم ، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل . والعابر السبيل : المجتازه مرّاً وقطعاً ، يقال منه : عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبراً وعبوراً ، ومنه قيل : عبر فلان النهر : إذا قطعه وجازه ، ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار لقوتها : وهي عبْرُ أسفار لقوتها على الأسفار . القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ } . يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } : من جرح أو جدري وأنتم جنب . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيـى بن واضح ، قال : ثنا أبو المنبه الفضل بن سليم ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود ، قوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } قال : المريض الذي قد أرخص له في التيمم هو الكسير والجريح ، فإذا أصابت الجنابة الكسير اغتسل ، والجريح لا يحلّ جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها . حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن شريك ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي مالك ، قال في هذه الآية : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } قال : هي للمريض الذي به الجراحة التي يخاف منها أن يغتسل فلا يغتسل ، فرخص له في التيمم . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } والمرض : هو الجراح والجراحة التي يتخوّف عليها من الماء إن أصابه ضَرَّ صاحبه ، فذلك يتيمم صعيداً طيباً . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } قال : إذا كان به جروح أو قروح يتيمم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } قال : من القروح تكون في الذراعين . حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } قال : القروح في الذراعين . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن عمرو ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : صاحب الجراحة التي يخوّف عليه منها يتيمم . ثم قرأ : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ } والمرض : أن يصيب الرجل الجرح أو القرح أو الجدري ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه ، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن عاصم ، يعني الأحول ، عن الشعبي ، أنه سئل عن المجدور تصيبه الجنابة ؟ قال : ذهب فرسان هذه الآية . وقال آخرون في ذلك ما : حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } قال : المريض الذي لا يجد أحداً يأتيه بالماء ولا يقدر عليه ، وليس له خادم ، ولا عون ، فإذا لم يستطع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به ، ولا يحبوا إليه ، تيمم وصلى إذا حلت الصلاة . قال : هذا كله قول أبي : إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به لا يترك الصلاة ، وهو أعذر من المسافر . فتأويل الآية إذاً : وإذ كنتم جرحى أو بكم قروح أو كسر أو علة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة ، وأنتم مقيمون غير مسافرين ، فتيمموا صعيداً طيباً . وأما قوله : { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } أو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحاء جنب ، فتيمموا صعيداً . وكذلك تأويل قوله : { أَوْ جَاء مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ } يقول : أو جاء أحد منكم من الغائط قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح ، فليتيمم صعيداً طيباً . والغائط : ما اتسع من الأودية وتصوّب ، وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان ، لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك ، فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تُقْضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض : متغوّط ، جاء فلان من الغائط يعني به : قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض . وذكر عن مجاهد أنه قال في الغائط : الوادي . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ } قال : الغائط : الوادي . القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : أو باشرتم النساء بأيديكم . ثم اختلف أهل التأويل في اللمس الذي عناه الله بقوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } فقال بعضهم : عَنَى بذلك : الجماع . ذكر من قال ذلك : حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : ذكروا اللمس ، فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع ، وقال ناس من العرب : اللمس : الجماع . قال : فأتيت ابن عباس ، فقلت : إن ناساً من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس ، فقالت الموالي : ليس بالجماع ، وقالت العرب : الجماع . قال : من أيّ الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي ، قال : غلب فريق الموالي ، إن المسّ واللمس ، والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي قيس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس أنه قال : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } قال : هو الجماع . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، قال : اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } فقال عبيد بن عمير : هو الجماع ، وقلت أنا وعطاء : هو اللمس . قال : فدخلنا على ابن عباس ، فسألناه ، فقال : غلب فريق الموالي وأصابت العرب ، هو الجماع ، ولكن الله يعفّ ويكني . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير : اختلفوا في الملامسة ، فقال سعيد بن جبير وعطاء : الملامسة ما دون الجماع . وقال عبيد : هو النكاح . فخرج عليهم ابن عباس ، فسألوه ، فقال : أخطأ الموليان وأصاب العربيّ : الملامسة : النكاح ، ولكن الله يكني ويعفّ . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : اجتمع سعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير ، فذكر نحوه . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن عثمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : قال : سعيد بن جبير وعطاء في التماس : الغمز باليد ، وقال عبيد بن عمير : الجماع . فخرج عليهم ابن عباس فقال : أخطأ الموليان ، وأصاب العربيّ ، ولكنه يعفّ ويكني . حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : قال ابن عباس : اللمس : الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن علية وعبد الوهاب ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله . حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اللمس والمسّ والمباشرة : الجماع ، ولكن الله يكني بما شاء . حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : ثنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : الملامسة : الجماع ، ولكن الله كريم يكني عما شاء . حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس ، مثله . حدثنا ابن المثنى ، قا : ثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، قال : اختلفت العرب والموالي في الملامسة على باب ابن عباس قالت العرب : الجماع ، وقالت الموالي : باليد . قال : فخرج ابن عباس ، فقال : غُلب فريق الموالي ، الملامسة : الجماع . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، قال : كنا على باب ابن عباس ، فذكر نحوه . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن سعيد بن جبير ، قال : قعد قوم على باب ابن عباس ، فذكر نحوه . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } الملامسة : هو النكاح . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : اجتمعت الموالي والعرب في المسجد وابن عباس في الصُّفَّة ، فاجتمعت الموالي على أنه اللمس دون الجماع ، واجتمعت العرب على أنه الجماع ، فقال ابن عباس : من أيّ الفريقين أنت ؟ قلت : من الموالي ، قال : غُلبت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : اللمس : الجماع . وبه عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر ، عن ابن عباس ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : هو الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مالك ، عن زهير ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن داود ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } قال : الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الأعلى ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مالك ، عن خصيف ، قال : سألت مجاهداً ، فقال ذلك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة والحسن ، قالا : غشيان النساء . وقال آخرون : عنى الله بذلك كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان . وأوجبوا الوضوء على من مسّ بشيء من جسده شيئاً من جسدها مفضياً إليه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله ، أنه قال شيئاً هذا معناه : الملامسة : ما دون الجماع . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن هلال ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله أو عن أبي عبيدة منصور الذي شكّ قال : القبلة من المسّ . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن مخارق ، عن طارق ، عن عبد الله ، قال : اللمس : ما دون الجماع . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : قال ابن مسعود : اللمس : ما دون الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : القبلة من اللمس . حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال القبلة من اللمس ، وفيها الوضوء . حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، مثله . حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : أخبرنا سليم بن أخضر ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد ، قال : سألت عبيدة ، عن قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } قال : فأشار بيده هكذا وحكاه سليم وأراناه أبو عبد الله ، فضمّ أصابعه . حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن علية ، عن سلمة بن علقمة ، عن محمد ، قال : سألت عبيدة ، عن قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } قال بيده ، فظننت ما عنى فلم أسأله . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : ذكروا عند محمد مسّ الفرج ، وأظنهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك ، فقال محمد : قلت لعبيدة ، قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } فقال بيده . قال ابن عون : بيده كأنه يتناول شيئاً يقبض عليه . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا خالد ، عن محمد ، قال : قال عبيدة : اللمس باليد . قال : ثنا ابن علية ، عن هشام ، عن محمد ، قال : سألت عبيدة ، عن هذه الآية : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } فقال بيده ، وضمّ أصابعه ، حتى عرفت الذي أراد . حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عمر ، عن نافع : أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة ، ويرى فيها الوضوء ، ويقول : هي من اللّماس . حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر ، قال : الملامسة : ما دون الجماع . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيـى بن واضح ، قال : ثنا مُحِلّ بن محرز ، عن إبراهيم ، قال : اللمس من شهوة ينقض الوضوء . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم وحماد أنهما قالا : اللمس ما دون الجماع . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عطاء ، قال : الملامسة : ما دون الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن الشعبيّ ، عن أصحاب عبد الله ، عن عبد الله ، قال : الملامسة : ما دون الجماع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن بيان ، عن عامر ، عن عبد الله ، قال : الملامسة : ما دون الجماع . قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بشر ، عن سعيد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : الملامسة : ما دون الجماع ، ثم قرأ : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، قال : سألت عبيدة ، عن : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } فقال بيده هكذا ، فعرفت ما يعني . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه وحسن بن صالح ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي عبيدة ، قال : القبلة من اللمس . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، عن زهير ، عن خصيف ، عن أبي عبيدة : القبلة والشيء . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى الله بقوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } الجماع دون غيره من معاني اللمس ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ . حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : « كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبّل ، ثم يصلي ولا يتوضأ » . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة : « أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ » ، قلت : من هي إلا أنتِ ؟ فضحكت . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن زينب السهمية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه كان يقبل ، ثم يصلي ولا يتوضأ " حدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، قال : ثنا شهاب بن عباد ، قال : ثنا مندل ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة . وعن أبي روق ، عن إبراهيم التيمي ، عن عائشة ، قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء ، ثم لا يعيد الوضوء » . حدثنا سعيد بن يحيـى الأموي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثني يزيد بن سنان ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيـى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أمّ سلمة : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، ثم لا يفطر ، ولا يحدث وضوءاً » . ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدلالة الواضحة على أن اللمس في هذا الموضع لمس الجماع لا جميع معاني اللمس ، كما قال الشاعر : @ وهُنَّ يَمْشِينَ بِنا هَمِيسَا إنْ تصْدُقِ الطَّيرُ نَنِكَ لَمِيسا @@ يعني بذلك : ننك لماساً . وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جنابة وهم جراح . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن جابر ، عن حماد ، عن إبراهمي في المريض لا يستطيع الغسل من الجنابة أو الحائض ، قال : يجزيهم التيمم ، ونال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحة ، ففشت فيهم ، ثم ابتلوا بالجنابة ، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ } . … الآية كلها . وقال آخرون : نزلت في قوم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أعوزهم الماء فلم يجدوه في سفر لهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبيد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عائشة أنها قالت : كنت في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا بذات الجيش ، ضَلَّ عقدي ، فأخبرت بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأمر بالتماسه ، فالتمس فلم يوجد . فأناخ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأناخ الناس ، فباتوا ليلتهم تلك فقال الناس : حبست عائشة النبيّ صلى الله عليه وسلم ! قالت : فجاء إليّ أبو بكر ، ورأس النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجري وهو نائم ، فجعل يهمزني ويقرصني ويقول : من أجل عقدك حبست النبيّ صلى الله عليه وسلم ! قالت : فلا أتحرّك مخافة أن يستيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقد أوجعني فلا أدري كيف أصنع . فلما رآني لا أحير إليه انطلق فلما استيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأراد الصلاة فلم يجد ماء . قالت : فأنزل الله تعالى آية التيمم . قالت : فقال ابن حضير : ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفر ، ففقدت عائشة قلادة لها ، فأمر الناس بالنزول ، فنزلوا وليس معهم ماء ، فأتى أبو بكر على عائشة ، فقال لها : شققت على الناس ! وقال أيوب بيده يصف أنه قرصها قال : ونزلت آية التيمم ، ووجدت القلادة في مناخ البعير ، فقال الناس : ما رأينا امرأة أعظم بركة منها . حدثني محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : ثني عمران بن محمد الحداد ، قال : ثني الربيع بن بدر ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن رجل منا من بَلَعْرَج يقال له : الأسلع ، قال : كنت أخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأرْحَلُ له ، فقال لي ذات ليلة : " « يا أسْلَعْ قُمْ فارْحَلْ لي ! » قلت : يا رسول الله أصابتني جنابة . فسكت ساعة ، ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد ، ووصف لنا ضربتين " حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا عمرو بن خالد ، قال : ثني الربيع بن بدر ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن رجل منا يقال له الأسلع ، قال : كنت أخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أو قال ساعة الشكّ من عمرو قال : وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " « قُمْ يا أسْلَعُ فَتَيَمَّم ! » قال : فتيممت ثم رحلت له . قال : فسرنا حتى مررنا بماء فقال : « يا أسْلَعُ مَسَّ أو أمِسَّ بهذا جلدك ! » قال : وأراني التيمم كما أراه أبوه : ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حفص بن نفيل ، قال : ثنا زهير بن معاوية ، قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال : ثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان أبو عمرو حاجب عائشة : أن ابن عباس دخل عليها في مرضها ، فقال : أبشري كنت أحبّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ إلا طيباً ، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها ، حتى أصبح في المنزل ، فأصبح الناس ليس معهم ماء ، فأنزل الله : { تَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } فكان ذلك من سببك ، وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة . حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها ، فوجدوها . وأدركتهم الصلاة ، وليس معهم ماء ، فصلوا بغير وضوء ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير لعائشة : جزاك الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً . حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه ، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة ، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري راقد ، أقبل أبي ، فلكزني لكزة ، ثم قال : حبست الناس . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ، وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد ، ونزلت : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ } … الآية . قال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ، ما أنتم إلا بركة . حدثني الحسن بن شبيب ، قال : ثنا ابن عيينة ، قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : دخل ابن عباس على عائشة ، فقال : كنت أعظم المسلمين بركة على المسلمين سقطت قلادتك بالأبواء ، فأنزل الله فيك آية التيمم . واختلف القراء في قراءة قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } . فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ } بمعنى : أو لمستم نساءكم ولمسنكم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : « أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ » بمعنى : أو لمستم أنتم أيها الرجال نساءكم . وهما قراءتان متقاربتا المعنى ، لأنه لا يكون الرجل لامسا امرأته إلا وهي لامسته ، فاللمس في ذلك يدلّ على معنى اللماس ، واللماس على معنى اللمس من كل واحد منهما صاحبه ، فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارىء فمصيب ، لاتفاق معنييهما . القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } . يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً } أو لمستم النساء ، فطلبتم الماء لتتطهروا به ، فلم تجدوه بثمن ولا غير ثمن ، { فَتَيَمَّمُواْ } يقول : فتعمدوا ، وهو تفعلوا من قول القائل : تيممت كذا : إذا قصدته وتعمدته فأنا أتيممه ، وقد يقال منه : يممه فلان فهو ييممه ، وأيممته أنا وأممته خفيفة ، وتيممت وتأممت ، ولم يسمع فيها يممت خفيفة . ومنه قول أعشى بني ثعلبة : @ تَيَمَّمْتُ قَيْساً وكَمْ دُونَهُ منَ الأرْضِ منْ مَهْمَه ذي شَزَنْ @@ يعني بقوله : تيممت : تعمدت وقصدت ، وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله : « فأُمُّواً صعيداً » . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الله بن محمد ، قال : ثنا عبدان ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } قال : تحرّوا وتعمدوا صعيداً طيباً . وأما الصعيد ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو الأرض الملساء التي لا نبات فيها ولا غراس ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { صَعِيداً طَيّباً } قال : التي ليس فيها شجر ولا نبات . وقال آخرون : بل هو الأرض المستوية . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الصعيد : المستوي . وقال آخرون : بل الصعيد : التراب . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي ، قال : الصعيد : التراب . وقال آخرون : الصعيد : وجه الأرض . وقال آخرون : بل هو وجه الأرض ذات التراب والغبار . وأولى ذلك بالصواب قول من قال : هو وجه الأرض الخالية من النبات والغروس والبناء المستوية ، ومنه قول ذي الرمة : @ كأنَّهُ بالضُّحَى يَرْمي الصَّعِيدَ بهِ دَبَّابَةٌ فِي عِظامِ الرأسِ خُرْطُومُ @@ يعني : يضرب به وجه الأرض . وأما قوله طيباً ، فإنه يعني به : طاهراً من الأقذار والنجاسات . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { طَيّباً } فقال بعضهم : حلالاً . ذكر من قال ذلك : حدثني عبد الله بن محمد ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : { صَعِيداً طَيّباً } قال : قال بعضهم : حلالاً . وقال بعضهم بما : حدثني عبد الله ، قال : ثنا عبدان ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة ، قال : قلت لعطاء : { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } قال : الطيب : ما حولك . قلت : مكان جَرْدٌ غير أبطح ، أيجزىء عني ؟ قال : نعم . ومعنى الكلام : فإن لم تجدوا ماء أيها الناس ، وكنتم مرضى ، أو على سفر ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لمستم النساء ، فأردتم أن تصلوا فتيمموا ، يقول : فتعمدوا وجه الأرض الطاهرة ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم . القول في تأويل قوله تعالى : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم ، ولكنه ترك ذكر « منه » اكتفاء بدلالة الكلام عليه . والمسح منه بالوجه أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر ، أو ما قام مقامه ، فيمسح بما علق من الغبار وجهه ، فإن كان الذي علق به الغبار كثيراً ، فنفخ عن يديه أو نفضه ، فهو جائز . وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء ، وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد ، ثم مسح بهما أو بها وجهه أجزأه ذلك ، لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد وهو أرض رمل فلم يعلق بيديه منها شيء فتيمم به أن ذلك مجزئه ، لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتدّ بخلافه . فلما كان ذلك إجماعاً منهم كان معلوماً أن الذي يراد به من ضرب الصعيد باليدين مباشرة الصعيد بهما بالمعنى الذي أمر الله بمباشرته بهما ، لا لأخذ تراب منه . وأما المسح باليدين ، فإن أهل التأويل اختلفوا في الحدّ الذي أمر الله بمسحه من اليدين ، فقال بعضهم : حدّ ذلك الكفان إلى الزندين ، وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين . ذكر من قال ذلك : حدثني أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : تيمم عمار فضرب بيديه إلى التراب ضربة واحدة ، ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى ، ثم مسح وجهه ، ثم ضرب بيديه أخرى ، فجعل يلوي يده على الأخرى ولم يمسح الذراع . حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن ابن أبي خالد ، قال : رأيت الشعبي وصف لنا التيمم : فضرب بيديه إلى الأرض ضربة ، ثم نفضهما ومسح وجهه ، ثم ضرب أخرى ، فجعل يلوي كفيه إحداهما على الأخرى ، ولم يذكر أنه مسح الذراع . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : وضع عمار بن ياسر كفيه في التراب ، ثم رفعهما فنفخهما ، فمسح وجهه وكفيه ، ثم قال : هكذا التيمم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو تميلة ، قال : ثنا سلام مولى حفص ، قال : سمعت عكرمة ، يقول : التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة للكفين . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن سعيد وابن جابر ، أن مكحولاً كان يقول : التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع ، ويتأوّل مكحول القرآن في ذلك : { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } وقوله في التيمم : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء إلى المرافق . قال مكحول : قال الله : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] فإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع . حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا بشر بن بكر التنيسي ، عن ابن جابر : أنه رأى مكحولاً يتيمم يضرب بيديه على الصعيد ، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدة . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، قال : التيمم : ضربة للوجه والكفين . وعلة من قال هذه المقالة من الأثر ما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبدة ومحمد بن بشر ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن عمار بن ياسر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم ، فقال : " مَرَّةً للكَفَّيْنِ على الوَجْهِ " وفي حديث ابن بشر : أن عماراً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن التيمم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبيدة بن سعيد القرشي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبزى ، قال : جاء رجل إلى عمر ، فقال : إني أجنبت فلم أجد الماء ، فقال عمر : لا تصل ! فقال له عمار : أما تذكر أنا في مسير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت أنا وأنت ، فأما أنت فلم تصلّ ، وأما أنا فتمعّكت في التراب وصليت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " إنَّمَا كَانَ يَكفْيك " وضرب كفيه الأرض ونفخ فيهما ومسح وجهه وكفيه مرّة واحدة ؟ وقالوا : أمر الله في التيمم بمسح الوجه واليدين ، فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه ، إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس . وقال آخرون : حدّ المسح الذي أمر الله به في التيمم أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين . ذكر من قال ذلك : حدثنا عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوراث بن سعيد ، قال : ثنا أيوب ، عن نافع : أن ابن عمر تيمم بمربد النعم ، فضرب ضربة فمسح وجهه ، وضرب ضربة فمسح يديه إلى المرفقين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت عبيد الله ، عن نافع ، عن عبد الله أنه قال : التيمم مسحتان ، يضرب الرجل بيديه الأرض ، يمسح بهما وجهه ، ثم يضرب بهما مرة أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين . حدثني ابن المثنى ، قال : ثنا يحيـى بن عبيد الله ، قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر في التيمم ، قال : ضربة للوجه ، وضربة للكفين إلى المرفقين . حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كان يقول في المسح في التيمم إلى المرفقين . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا ابن عون ، قال : سألت الحسن ، عن التيمم ، فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه ، وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرهما وباطنهما . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر أنه قال في هذه الآية : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } وقال في هذه الآية : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ } قال : أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، وحدثنا ابن المثنى ، قال : ثني محمد بن أبي عديّ جميعاً ، عن داود ، عن الشعبي في التيمم ، قال : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : أمر بالتيمم فيما أمر بالغسل . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أيوب ، قال : سألت سالم بن عبد الله عن التيمم ، فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : وأخبرنا حبيب بن الشهيد ، عن الحسن أنه سئل عن التيمم ، فقال : ضربة يمسح بها وجهه ، ثم ضربة أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين . وعلة من قال هذه المقالة أن التيمم بدل من الوضوء على المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء . واعتلوا من الأثر بما : حدثني به موسى بن سهل الرملي ، قال : ثنا نعيم بن حماد ، قال : ثنا خارجة بن مصعب ، عن عبد الله بن عطاء ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي جهيم ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلمت عليه فلم يردّ عليّ ، فلما فرغ قام إلى حائط ، فضرب بيديه عليه ، فمسح بهما وجهه ، ثم ضرب بيديه إلى الحائط ، فمسح بهما يديه إلى المرفقين ، ثم رد عليّ السلام . وقال آخرون : الحدّ الذي أمر الله أن يبلغ بالتراب إليه في التيمم الآباط . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمر بن أبي سلمة التنيسي ، عن الأوزاعي ، عن الزهري قال : التيمم إلى الآباط . وعلة من قال ذلك أن الله أمر بمسح اليد في التيمم كما أمر بمسح الوجه ، وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه ، فكذلك عليه جميع اليد ، ومن طرف الكف إلى الإبط يد . واعتلوا من الخبر بما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا صيفي بن ربعي ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي اليقظان ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلك عقد لعائشة ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضاء الصبح ، فتغيظ أبو بكر على عائشة ، فنزلت عليه الرخصة المسح بالصعيد ، فدخل أبو بكر فقال لها : إنك لمباركة ، نزل فيك رخصة ! فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا ، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن الحدّ الذي لا يجزىء المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه ، الكفان إلى الزندين لإجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز ، ثم هو فيما جاوز ذلك مخير إن شاء بلغ بمسحه المرفقين ، وإن شاء الآباط . والعلة التي من أجلها جعلناه مخيراً فيما جاوز الكفين أن الله لم يحدّ في مسح ذلك بالتراب في التيمم حدّاً لا يجوز التقصير عنه ، فما مسح المتيمم من يديه أجزأه ، إلا ما أجمع عليه ، أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه ، وقد أجمع الجميع على أن التقصير عن الكفين غير مجزىء ، فخرج ذلك بالسنة ، وما عدا ذلك فمختلف فيه ، وإذ كان مختلفاً فيه ، وكان الماسح بكفيه داخلاً في عموم الآية كان خارجاً مما لزمه من فرض ذلك . واختلف أهل التأويل في الجنب ، هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم لا ؟ فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين حكم الجنب فيما لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء حكم من جاء من الغائط ، وسائر من أحدث ممن جعل التيمم له طهورا لصلاته ، وقد ذكرت قول بعض من تأوّل قول الله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } أو جامعتموهنّ ، وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك . واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن للجنب التيمم إذا لم يجد الماء في سفره بإجماع الحجة على ذلك نقلاً عن نبيها صلى الله عليه وسلم الذي يقطع العذر ، ويزيل الشكّ . وقال جماعة من المتقدمين : لا يجزىء الجنب غير الاغتسال بالماء ، وليس له أن يصلي بالتيمم ، والتيمم لا يطهره . قالوا : وإنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب ، وتأوّلوا قول الله : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } قالوا : وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصلى المسلمين إلا مجتازاً فيه حتى يغتسل ، ولم يرخص له بالتيمم . قالوا : وتأويل قوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء } : أو لامستموهنّ باليد دون الفرج ودون الجماع . قالوا : فلم نجد الله رخص للجنب في التيمم ، بل أمره بالغسل ، وأن لا يقرب الصلاة إلا مغتسلاً . قالوا : والتيمم لا يطهره لصلاته . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ، فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن أرأيت رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أيتيمم ؟ فقال عبد الله : لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً . فقال أبو موسى : فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة : { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } ؟ فقال عبد الله : إن رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد . فقال له أبو موسى : إنما كرهتم هذا لهذا ؟ قال : نعم . قال أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فأجنبت ، فلم أجد الماء ، فتمرّغت في الصعيد كما تمرّغ الدابة ، قال : فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " « إنَّمَا يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذا » ، وضرب بكفيه ضربة واحدة ومسح بهما وجهه ، ومسح كفيه " ؟ قال عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع لقول عمار ؟ حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن أبي مالك وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، قال : كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأتاه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء ! فقال عمر : أما أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء . قال عمار بن ياسر : أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ، ونحن نرعى الإبل ، فتعلم أنا أجنبنا ؟ قال : نعم فأما أنا فتمرّغت في التراب ، فأتينا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " « إنْ كانَ الصَّعِيدُ لَكافِيكَ » ، وضرب بكفيه الأرض ، ثم نفخ فيهما ، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه " ؟ فقال : اتق الله يا عمار ! فقال : يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره ، فقال : لا ، ولكن نوليك من ذلك ما توليت . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت إبراهيم في دكان مسلم الأعور ، فقلت : أرأيت إن لم تجد الماء وأنت جنب ؟ قال : لا أصلي . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أن الجنب ممن أمره الله بالتيمم إذا لم يجد الماء والصلاة بقوله : { أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً } . وقد بينا ثم أن معنى الملامسة في هذا الموضع : الجماع بنقل الحجة التي لا يجوز الخطأ فيما نقلته مجمعة عليه ولا السهو ولا التواطؤ والتضافر ، بأن حكم الجنب في ذلك حكم سائر من أحدث فلزمه التطهر لصلاته ، مع ما قد روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار التي قد ذكرنا بعضها وتركنا ذكر كثير منها استغناء بما ذكرنا منها عما لم نذكر ، وكراهة منا إطالة الكتاب باستقصاء جميعه . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } هل ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه طلب الماء أم ذلك أمر منه بالتيمم كلما لزمه الطلب وهو محدث حدثا يجب عليه منه الوضوء بالماء لو كان للماء واجداً ؟ فقال بعضهم : ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه فرض الطلب بعد الطلب محدثاً كان أو غير محدث . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ رضي الله عنه أنه كان يقول : التيمم لكل صلاة . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، مثله . حدثني عبد الله بن محمد ، قال : ثنا عبدان المروزي ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا عبد الوراث ، قال : أخبرنا عامر الأحول ، عن نافع أنه حدثه ، عن ابن عمر مثل ذلك . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبي ، قال : لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة . حدثنا المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : يتيمم لكل صلاة . ويتأول هذه الآية : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً } . قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : ثنا الفريابي ، عن الأوزاعي ، عن يحيـى بن سعيد وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قالوا : التيمم لكل صلاة . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن النخعي ، قال : يتيمم لكل صلاة . وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله بالتيمم بعد طلب الماء من لزمه فرض الطلب إذا كان محدثاً ، فأما من لم يكن أحدث بعد تطهره بالتراب فلزمه فرض الطلب ، فليس عليه تجديد تيممه ، وله أن يصلي بتيممه الأوّل . ذكر من قال ذلك : حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا سفيان بن حبيب ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : التيمم بمنزلة الوضوء . حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : ثنا عمر بن شاكر ، عن الحسن ، قال : يصلي المتيمم بتيممه ما لم يحدث ، فإن وجد الماء فليتوضأ . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا هشام ، عن الحسن ، قال : كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث ، وكذلك التيمم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا هشام ، عن الحسن ، قال : كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا أبي ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : يصلي الصلوات بالتيمم ما لم يحدث . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا سفيان بن حبيب ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : التيمم بمنزلة الوضوء . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : يتيمم المصلى لكل صلاة لزمه طلب الماء للتطهر لها فرضا لأن الله جلّ ثناؤه أمر كل قائم إلى الصلاة بالتطهر بالماء ، فإن لم يجد الماء فالتيمم ، ثم أخرج القائم إلى الصلاة من كان قد تقدم قيامه إليها الوضوء بالماء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يكون قد أحدث حدثا ينقض طهارته ، فيسقط فرض الوضوء عنه بالسنة . وأما القائم إليها وقد تقدم قيامه إليها بالتيمم لصلاة قبلها ، ففرض التيمم له لازم بظاهر التنزيل بعد طلبه الماء إذا أعوزه . القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } . يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله لم يزل عفوّاً عن ذنوب عباده وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به ، كما عفا عنكم أيها المؤمنون عن قيامكم إلى الصلاة التي فرضها عليكم في مساجدكم وأنتم سكارى . { غَفُوراً } يقول : فلم يزل يستر عليهم ذنوبهم بتركه معاجلتهم العذاب على خطاياهم ، كما ستر عليكم أيها المؤمنون بتركه معاجلتكم على صلاتكم في مساجدكم سكارى . يقول : فلا تعودوا لمثلها فينا لكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك مَنْكَلة .