Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 47-47)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } : اليهود من بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله لهم : يا أيها الذين أنزل إليهم الكتاب فأعطوا العلم به ، { ءامِنُواْ } يقول : صدّقوا بما أنزلنا إلى محمد من الفرقان ، { مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ } يعني : محققاً للذي معكم من التوراة التي أنزلتها إلى موسى بن عمران ، { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : طمسه إياه : محوه آثارها حتى تصير كالأقفاء . وقال آخرون : معنى ذلك : أن نطمس أبصارها فنصيرها عمياء ، ولكن الخبر خرج بذكر الوجه ، والمراد به بصره . { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } : فنجعل أبصارها من قبل أقفائها . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ } … إلى قوله : { مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } وطمسها أن تعمى فنردّها على أدبارها ، يقول : أن نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقري ونجعل لأحدهم عينين في قفاه . حدثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبديّ ، قال : ثنا أبو قتيبة ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي في قوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } قال : نجعلها في أقفائها فتمشي على أعقابها القهقرى . حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية بنحوه ، إلا أنه قال : طمسها أن يردّها على أقفائها . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } قال : نحوّل وجوهها قبل ظهورها . وقال آخرون : معنى ذلك من قبل أن نعمي قوماً عن الحقّ ، فنردّها على أدبارها في الضلالة والكفر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } : فنردّها عن الصراط الحقّ ، { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } قال : في الضلالة . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } عن صراط الحقّ ، { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } في الضلالة . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال الحسن : { نَّطْمِسَ وُجُوهاً } يقول : نطمسها عن الحقّ ، { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } : على ضلالتها . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } … إلى قوله : { كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } قال : نزلت في مالك بن الصيّف ورفاعة بن زيد بن التابوت من بني قينقاع . أما { أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } يقول : فنعميها عن الحقّ ، ونرجعها كفاراً . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } يعني : أن نردّهم عن الهدى والبصيرة ، فقد ردّهم على أدبارهم فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به . وقال آخرون : معنى ذلك : من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم التي هم بها وناحيتهم التي هم بها ، فنردّها على أدبارها من حيث جاءوا منه بدءاً من الشام . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } قال : كان أبي يقول : إلى الشام . وقال آخرون : معنى ذلك : من قبل أن نطمس وجوهاً فنمحو آثارها ونسوّيها ، فنردّها على أدبارها بأن نجعل الوجوه منابت الشعر ، كما وجوه القردة منابت للشعر ، لأن شعور بني آدم في أدبار وجوههم ، فقالوا : إذا أنبت الشعر في وجوههم ، فقد ردّها على أدبارها بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى قوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } : من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء ، فنردّها على أدبارها ، فنجعل أبصارها في أدبارها ، يعني بذلك : فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه ، فيكون معناه : فنحوّل الوجوه أقفاء ، والأقفاء وجوها ، فيمشون القهقري ، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلـٰلَةَ } ثم حذّرهم جلّ ثناؤه بقوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } … الآية ، بأَسه وسطوَتَه ، وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به ، ولا شكّ أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفاراً . وإذ كان ذلك كذلك ، فبِّين فساد قول من قال : تأويل ذلك أن نعميها عن الحقّ فنردّها في الضلالة ، فما وجه ردّ من هو في الضلالة فيها ؟ وإنما يرد في الشيء من كان خارجاً منه ، فأما من هو فيه فلا وجه لأن يقال : يردّه فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان صحيحاً أن الله قد تهدّد الذين ذكرهم في هذه الآية بردّه وجوههم على أدبارهم ، كان بيناً فساد تأويل من قال : معنى ذلك يهدّدهم بردّهم في ضلالتهم . وأما الذين قالوا : معنى ذلك : من قبل أن نجعل الوجوه منابت الشعر كهيئة وجوه القردة ، فقول لقول أهل التأويل مخالف ، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهداً . وأما قول من قال : معناه : من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها فنردّهم إلى الشام من مساكنهم بالحجاز ونجد ، فإنه وإن كان قولاً له وجهٌ كما يدلّ عليه ظاهر التنزيل بعيد ، وذلك أن المعروف من الوجوه في كلام العرب التي هي خلاف الأقفاء ، وكتاب الله يوجه تأويله إلى الأغلب في كلام من نزل بلسانه حتى يدلّ على أنه معنيّ به غير ذلك من الوجوه التي ذكرت دليل يجب التسليم له . وأما الطمس : فهو العفو والدثور في استواء ومنه يقال : طمست أعلام الطريق تَطْمِسُ طُمُوساً ، إذا دثرت وتعفت فاندفنت واستوت بالأرض ، كما قال كعب بن زهير : @ منْ كُلّ نَضَّاخَةِ الذّفْرَى إذَا عَرقَتْ عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ @@ يعني بطامس الأعلام : داثر الأعلام مندفنها . ومن ذلك قيل للأعمى الذي قد تعفيَّ غَرُّ ما بين جفني عينيه فدثر : أعمى مطموس وطميس ، كما قال الله جلّ ثناؤه : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] . قال أبو جعفر : الغَرُّ : الشقّ الذي بين الجفنين . فإن قال قائل : فإن كان الأمر كما وصفت من تأويل الآية ، فهل كان ما توعدهم به ؟ قيل : لم يكن لأنه آمن منهم جماعة ، منهم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومخيرق ، وجماعة غيرهم ، فدفع عنهم بإيمانهم . ومما يبين عن أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين ذكرنا صفتهم ، ما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة جميعاً ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود ، منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد ، فقال لهم : " يا مَعْشَرَ يهود اتَّقُوا الله وأسْلِمُوا ! فوالله إنكم لَتَعْلَمُونَ أنَّ الَّذي جِئْتُكُمْ به لحقٌّ " فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد . وجحدوا ما عرفوا ، وأصرّوا على الكفر ، فأنزل الله فيهم : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } … الآية . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، عن عيسى بن المغيرة ، قال : تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب ، فقال : أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس ، فمرّ على المدينة ، فخرج إليه عمر ، فقال : يا كعب أسلم ! قال : ألستم تقرءون في كتابكم : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] ؟ وأنا قد حملت التوراة . قال : فتركه ثم خرج حتى انتهى إلى حمص ، قال : فسمع رجلاً من أهلها حزيناً ، وهو يقول : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } … الآية ، فقال كعب : يا ربّ أسلمت ! مخافة أن تصيبه الآية ، ثم رجع فأتى أهله باليمن ، ثم جاء بهم مسلمين . القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } . يعني بقوله جلّ ثناؤه : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ } : أو نلعنكم ، فنخزيكم ، ونجعلكم قردة ، { كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } يقول : كما أخزينا الذين اعتدوا في السبت من أسلافكم ، قيل ذلك على وجه الخطاب في قوله : { ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لّمَا مَعَكُمْ } كما قال : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } [ يونس : 22 ] . وقد يحتمل أن يكون معناه : من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها أو نلعن أصحاب الوجوه ، فجعل الهاء والميم في قوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ } من ذكر أصحاب الوجوه ، إذ كان في الكلام دلالة على ذلك . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } … إلى قوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } أي نحوّلهم قردة . حدثنا الحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } يقول : أو نجعلهم قردة . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } أو نجعلهم قردة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } قال : هم يهود جميعاً ، نلعن هؤلاء كما لعنا الذين لعنا منهم من أصحاب السبت . وأما قوله : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } فإنه يعني : وكان جميع ما أمر الله أن يكون كائناً مخلوقاً موجوداً ، لا يمتنع عليه خلق شيء شاء خلقه . والأمر في هذا الموضع : المأمور ، سمي أمر الله لأنه عن أمره كان وبأمره ، والمعنى : وكان ما أمر الله مفعولاً . ]