Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر : يعنـي بذلك تعالـى ذكره : وأعطوا النساء مهورهنّ عطية واجبة ، وفريضة لازمة يقال منه : نـحل فلان فلاناً كذا ، فهو يَنْـحَلُه نِـحْلَةً ونُـحْلاً . كما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } يقول : فريضة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : أخبرنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } يعنـي بـالنـحلة : الـمهر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } قال : فريضة مسماة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول فـي قوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } قال : النـحلة فـي كلام العرب : الواجب ، يقول : لا ينكحها إلا بشيء واجب لها صدقة ، يسميها لها واجبة ، ولـيس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة بعد النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبـاً بغير حقّ . وقال آخرون : بل عنى بقوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } أولـياء النساء ، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيـم ، عن سيار ، عن أبـي صالـح ، قال : كان الرجل إذا زوّج أيـمة أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله تبـارك وتعالـى عن ذلك ، وَنزلت : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } . وقال آخرون : بل كان ذلك من أولـياء النساء ، بأن يعطي الرجل أخته الرجل ، علـى أن يعطيه الآخر أخته ، علـى أن لا كثـير مهر بـينهما ، فنهوا عن ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، عن أبـيه ، قال : زعم حضرميّ أن أناساً كانوا يعطي هذا الرجل أخته ويأخذ أخت الرجل ، ولا يأخذون كثـير مهر ، فقال الله تبـارك وتعالـى : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } . قال أبو جعفر : وأولـى التأويلات التـي ذكرناها فـي ذلك التأويـل الذي قلناه ، وذلك أن الله تبـارك وتعالـى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساء ، ونهاهم عن ظلـمهنّ والـجور علـيهنّ ، وعرفهم سبـيـل النـجاة من ظلـمهنّ ولا دلالة فـي الآية علـى أن الـخطاب قد صرف عنهم إلـى غيرهم . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين قـيـل لهم : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } [ النساء : 3 ] هم الذين قـيـل لهم : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ } وأن معناه : وآتوا من نكحتـم من النساء صدقاتهنّ نـحلة ، لأنه قال فـي الأوّل : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ولـم يقل : فـانكحوا ، فـيكون قوله : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ } مصروفـاً إلـى أنه معنـيّ به أولـياء النساء دون أزواجهنّ ، وهذا أمر من الله أزواج النساء الـمدخول بهنّ والـمسمى لهنّ الصداق أن يؤتوهنّ صدقاتهنّ دون الـمطلقات قبل الدخول مـمن لـم يسمّ لها فـي عقد النكاح صداق . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : فإن وهب لكم أيها الرجال نساؤكم شيئاً من صدقاتهنّ ، طيبة بذلك أنفسهنّ ، فكلوه هنـيئاً مريئاً . كما : حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال : ثنا عمارة ، عن عكرمة : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } قال : الـمهر . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنـي حرمي بن عمارة ، قال : ثنا شعبة ، عن عمارة ، عن عكرمة ، عن عمارة فـي قول الله تبـارك وتعالـى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } قال : الصدقات . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنـي الـحمانـي ، قال : ثنا شريك ، عن سالـم ، عن سعيد : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } قال : الأزواج . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن عبـيدة ، قال : قال لـي إبراهيـم : أكلتَ من الهنـيء الـمريء ! قلت : ما ذاك ؟ قال : امرأتك أعطتك من صداقها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيـم ، قال : دخـل رجل علـى علقمة وهو يأكل من طعام بـين يديه ، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره ، فقال له علقمة : ادْنُ ، فكل من الهنـيء الـمريء ! حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } يقول : إذا كان غير إضرار ولا خديعة ، فهو هنـيء مريء كما قال الله جلّ ثناؤه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } قال : الصداق ، { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول فـي قوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مِّنْهُ نَفْساً } . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر ، عن أبـيه ، قال : زعم حضرميّ أن أناساً كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم فـي شيء مـما ساق إلـى امرأته ، فقال الله تبـارك وتعالـى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } يقول : ما طابت به نفساً فـي غير كره أو هوان ، فقد أحلّ الله لك ذلك أن تأكله هنـيئاً مريئاً . وقال آخرون : بل عُنـي بهذا القول : أولـياء النساء ، فقـيـل لهم : إن طابت أنفس النساء اللواتـي إلـيكم عصمة نكاحهنّ بصدقاتهنّ نفساً ، فكلوه هنـيئاً مريئاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : ثنا سيار ، عن أبـي صالـح فـي قوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مِّنْهُ نَفْساً } قال : كان الرجل إذا زوّج ابنته عمد إلـى صداقها فأخذه ، قال : فنزلت هذه الآية فـي الأولـياء : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } . قال أبو جعفر : وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب ، التأويـل الذي قلنا وأن الآية مخاطب بها الأزواج لأن افتتاح الآية مبتدأ بذكرهم ، وقوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } فـي سياقه . وإن قال قائل : فكيف قـيـل : فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ، وقد علـمت أن معنى الكلام : فإن طابت لكم أنفسهن بشيء ؟ وكيف وحدت النفس والـمعنى للـجميع ، وذلك أنه تعالـى ذكره قال : { وَءاتُواْ ٱلنِّسَاءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ؟ قـيـل : أما نقل فعل النفوس إلـى أصحاب النفوس ، فإن ذلك الـمستفـيض فـي كلام العرب من كلامها الـمعروف : ضِقْتُ بهذا الأمر ذراعاً وذرعاً ، وَقَرِرْت بهذا الأمر عيناً ، والـمعنى : ضاق به ذرعي ، وقرّت به عينـي ، كما قال الشاعر : @ إذا التَّـيازُ ذُو العَضَلاتِ قُلْنا إلـيكَ إلـيكَ ضَاقَ بِها ذِرَاعا @@ فنقل صفة الذراع إلـى ربّ الذراع ، ثم أخرج الذراع مفسرة لـموقع الفعل . وكذلك وحد النفس فـي قوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } إذ كانت النفس مفسرة لـموقع الـخبر . وأما توحيد النفس من النفوس ، لأنه إنـما أراد الهوى ، والهوى يكون جماعة ، كما قال الشاعر : @ بِها جِيَفُ الـحَسْرَى فَأمَّا عِظامُها فبِـيضٌ وأمَّا جلدُها فَصَلِـيبُ @@ وكما قال الآخر : @ فِـي حَلْقِكمْ عَظْمٌ وقد شجِينَا @@ وقال بعض نـحويـي الكوفة : جائز فـي النفس فـي هذا الـموضع الـجمع والتوحيد فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً وأنفساً ، وضقت به ذراعاً وذرعاً وأذرعاً ، لأنه منسوب إلـيك ، وإلـى من تـخبر عنه ، فـاكتفـى بـالواحد عن الـجمع لذلك ، ولـم يذهب الوهم إلـى أنه لـيس بـمعنى جمع لأن قبله جمعاً . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن النفس وقع موقع الأسماء التـي تأتـي بلفظ الواحد مؤدّية معناه إذا ذكر بلفظ الواحد ، وأنه بـمعنى الـجمع عن الـجمع . وأما قوله : { هَنِيئَاً } فإنه مأخوذ من هنأت البعير بـالقطران : إذا جرب فعولـج به ، كما قال الشاعر : @ مُتَـبَذِّلاً تَبْدُو مَـحَاسِنُهُ يَضَعُ الهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ @@ فكان معنى قوله : { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } : فكلوه دواء شافـياً ، يقال منه : هنأنـي الطعام ومرأنـي : أي صار لـي دواء وعلاجاً شافـياً ، وهنئنـي ومرئنـي بـالكسر ، وهي قلـيـلة ، والذين يقولون هذا القول يقولون يهنأنـي ويـمرأنـي ، والذين يقولون هنأنـي ، يقولون : يهنئنـي ويـمرئنـي ، فإذا أفردوا ، قالوا : قد أمرأنـي هذا الطعام إمراء ، ويقال : هنأت القوم : إذا عُلتهم ، سمع من العرب من يقول : إنـما سميت هانئاً لتهنأ ، بـمعنى : لتعول وتكفـى .