Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-88)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } : فما شأنكم أيها المؤمنون في أهل النفاق فئتين مختلفتين ، { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } يعني بذلك : والله ردّهم إلى أحكام أهل الشرك في إباحة دمائهم وسبي ذراريهم . والإركاس : الردّ ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت : @ فأُرْكِسُوا فِي حَمِيمِ النَّارِ إنَّهُمُ كانُوا عُصَاةً وقالوا الإفْكَ وَالزُّورَا @@ يقال منه : أركسهم وركسهم . وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله وأبيّ : « والله ركسهم » بغير ألف . واختلف أهل التأويل في الذين نزلت فيهم هذه الآية ، فقال بعضهم : نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، وانصرفوا إلى المدينة ، وقالوا لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولأصحابه : { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } [ آل عمران : 167 ] . ذكر من قال ذلك : حدثني الفضل بن زياد الواسطي ، قال : ثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن عديّ بن ثابت ، قال : سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاريّ يحدّث عن زيد بن ثابت : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أُحد ، رجعت طائفة ممن كان معه ، فكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فرقة تقول : نقتلهم ، وفرقة تقول : لا . فنزلت هذه الآية : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ } … الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة : " أنَّها طَيِّبَةٌ وإنَّها تَنْفِي خَبَثَها كمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفِضّةِ " حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا شعبة ، عن عديّ بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد ، عن زيد بن ثابت ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه . حدثني زريق بن السخت ، قال : ثنا شبابة ، عن عديّ بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد ، عن زيد بن ثابت ، قال : ذكروا المنافقين عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال فريق : نقتلهم ، وقال فريق : لا نقتلهم فأنزل الله تبارك وتعالى : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } … إلى آخر الآية . وقال آخرون : بل نزلت في اختلاف كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا قدموا المدينة من مكة ، فأظهروا للمسلمين أنهم مسلمون ، ثم رجعوا إلى مكة وأظهروا لهم الشرك . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } قال : قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ، ثم ارتدّوا بعد ذلك ، فاستأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها . فاختلف فيهم المؤمنون ، فقائل يقول : هم منافقون ، وقائل يقول : هم مؤمنون . فبين الله نفاقهم ، فأمر بقتالهم . فجاءوا ببضائعهم يريدون المدينة ، فلقيهم هلال بن عويمر الأسلمي ، وبينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم حلف ، وهو الذي حصِر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه ، فدفع عنهم بأنهم يؤمنون هلالاً ، وبينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم عهد . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله بنحوه ، غير أنه قال : فبين الله نفاقهم ، وأمر بقتالهم فلم يقاتلوا يومئذ ، فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي ، وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف . وقال آخرون : بل كان اختلافهم في قوم من أهل الشرك كانوا أظهروا الإسلام بمكة ، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } وذلك أن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام ، وكانوا يظاهرون المشركين ، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم ، فقالوا : إن لقينا أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ، فليس علينا منهم بأس ! وأن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة ، قالت فئة من المؤمنين : اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم ، فإنهم يظاهرون عليكم عدوّكم ! وقالت فئة أخرى من المؤمنين : سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به ؟ من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحلّ دماؤهم وأموالهم لذلك ! فكانوا كذلك فئتين ، والرسول عليه الصلاة والسلام عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء فنزلت : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } … الآية . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } … الآية ، ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش كانا مع المشركين بمكة ، وكانا قد تكلما بالإسلام ، ولم يهاجرا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . فلقيهما ناس من أصحاب نبيّ الله وهما مقبلان إلى مكة ، فقال بعضهم : إن دماءهما وأموالهما حلال ، وقال بعضهم : لا تحلّ لكم . فتشاجروا فيهما ، فأنزل الله في ذلك : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } حتى بلغ : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ } [ النساء : 90 ] حدثنا القاسم ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر بن راشد ، قال : بلغني أن ناساً من أهل مكة كتبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا ، وكان ذلك منهم كذباً . فلقوهم ، فاختلف فيهم المسلمون ، فقالت طائفة : دماؤهم حلال ، وقالت طائفة : دماؤهم حرام فأنزل الله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } هم ناس تخلفوا عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا بمكة ، وأعلنوا الإيمان ، ولم يهاجروا . فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبرأ من ولايتهم آخرون ، وقالوا : تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجروا . فسماهم الله منافقين ، وبرأ المؤمنين من ولايتهم ، وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا . وقال آخرون : بل كان اختلافهم في قوم كانوا بالمدينة أرادوا الخروج عنها نفاقاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } قال : كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة ، فقالوا للمؤمنين : إنا قد أصابنا أوجاع في المدينة واتَّخَمْناها ، فلعلنا أن نخرج إلى الظَّهْر حتى نتماثل ثم نرجع ، فإنا كنا أصحاب برية . فانطلقوا واختلف فيهم أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالت طائفة : أعداء الله المنافقون ، وددنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم ! وقالت طائفة : لا ، بل إخواننا تخمتهم المدينة فاتَّخموها . فخرجوا إلى الظهر يتنزّهون ، فإذا برءوا رجعوا . فقال الله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } يقول : ما لكم تكونون فيهم فئتين { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أهل الإفك . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } حتى بلغ : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 89 ] قال : هذا في شأن ابن أبيّ حين تكلم في عائشة بما تكلم . فقال سعد بن معاذ : فإنى أبرأ إلى الله وإلى رسوله منه ! يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدّوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن اختلاف أهل ذلك إنما هو على قولين : التأويل في أحدهما أنهم قوم كانوا من أهل مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم ، والآخر أنهم قوم كانوا من أهل المدينة ، وفي قول الله تعالى ذكره : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ النساء : 89 ] أوضح الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر ، فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيماً من المنافقين وأهل الشرك ، فلم يكن عليه فرض هجرة ، لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه . واختلف أهل العربية في نصب قوله : { فِئَتَيْنِ } فقال بعضهم : هو منصوب على الحال ، كما تقول : ما لك قائماً ، يعني ما لك في حال القيام . وهذا قول بعض البصريين وقال بعض نحويي الكوفيين : هو منصوب على فعل « ما لك » ، قال : ولا يُبالَى كان المنصوب في مالك معرفة أو نكرة . قال : ويجوز في الكلام أن يقول : ما لك السائر معنا ، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما . قال : وكل موضع صلحت فيه « فعل » و « يفعل » من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة ، كما ينصب كان وأظنّ لأنهنّ نواقص في المعنى وإن ظننت أنهنّ تامات . وهذا القول أولى بالصواب في ذلك ، لأن المطلوب في قول القائل : « ما لك قائماً » القيام ، فهو في مذهب كان وأخواتها وأظنّ وصواحباتها . القول في تأويل قوله عزّ وجلّ : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } فقال بعضهم : معناه : ردّهم كما قلنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } ردّهم . وقال آخرون : معنى ذلك : والله أوقعهم . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } يقول : أوقعهم . وقال آخرون : معنى ذلك : أضلّهم وأهلكهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } قال : أهلكهم . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } : أهلكهم بما عملوا . حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } : أهلكهم . وقد أتينا على البيان عن معنى ذلك قبل بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله تعالى : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } . يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أتريدون أيها المؤمنون أن تهدوا إلى الإسلام ، فتوفقوا للإقرار به والدخول فيه من أضله الله عنه ، يعني بذلك : من خذله الله عنه فلم يوفقه للإقرار به . وإنما هذا خطاب من الله تعالى ذكره للفئة التي دافعت عن هؤلاء المنافقين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية ، يقول لهم جلّ ثناؤه : أتبغون هداية هؤلاء الذين أضلهم الله فخذلهم عن الحقّ واتباع الإسلام بمدافعتكم عن قتالهم من أراد قتالهم من المؤمنين ؟ { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } يقول : ومن خذله عن دينه واتباع ما أمره به من الإقرار به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عنده ، فأضله عنه ، فلن تجد له يا محمد سبيلاً ، يقول : فلن تجد له طريقاً تهديه فيها إلى إدراك ما خذله الله عنه ، ولا منهجاً يصل منه إلى الأمر الذي قد حرمه الوصول إليه . ]