Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : { وَلْيَخْشَ } : ليخف الذين يحضرون موصياً يوصي فـي ماله أن يأمره بتفريق ماله وصية به فيمن لا يرثه ، ولكن ليأمره أن يبقي ماله لولده ، كما لو كان هو الموصي ، يسرّه أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ، وأن لا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم عن التصرف والاحتـيال . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } … إلـى آخر الآية . فهذا فـي الرجل يحضره الـموت فـيسمعه يوصي بوصية تضرّ بورثته ، فأمر الله سبحانه الذي يسمعه أن يتقـي الله ويوفقه ويسدّده للصواب ، ولـينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع لورثته إذا خشي علـيهم الضيعة . حدثنا علـيّ ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } يعنـي : الذي يحضره الـموت ، فـيقال له : تصدّق من مالك ، وأعتق ، وأعط منه فـي سبـيـل الله ، فنهوا أن يأمروه بذلك . يعنـي : أن من حضر منكم مريضاً عند الـموت ، فلا يأمره أن ينفق ماله فـي العتق أو الصدقة أو فـي سبـيـل الله ، ولكن يأمره أن يبـين ماله ، وما علـيه من دين ، ويوصي فـي ماله لذوي قرابته الذين لا يرثون ، ويوصي لهم بـالـخمس أو الربع . يقول : ألـيس يكره أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف يعنـي صغار أن يتركهم بغير مال ، فـيكونوا عيالاً علـى الناس ؟ فلا ينبغي أن تأمروه بـما لا ترضون به لأنفسكم ولا أولادكم ولكن قولوا الـحقّ من ذلك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال : يقول : من حضر ميتاً فلـيأمره بـالعدل والإحسان ، ولـينهه عن الـحيف والـجور فـي وصيته ، ولـيخش علـى عياله ما كان خائفـاً علـى عياله لو نزل به الـموت . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال : إذا حضر ت وصية ميت ، فمره بـما كنت آمراً نفسك بـما تتقرّب به إلـى الله ، وخف فـي ذلك ما كنت خائفـاً علـى ضعفتك لو تركتهم بعدك . يقول : فـاتق الله وقل قولاً سديداً ، إنْ هو زاغ . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } الرجل يحضره الـموت ، فـيحضره القوم عند الوصية ، فلا ينبغي لهم أن يقولوا له : أوص بـمالك كله وقدم لنفسك ، فإن الله سيرزق عيالك ، ولا يتركوه يوصي بـماله كله ، يقول للذين حضروا : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } فـيقول كما يخاف أحدكم علـى عياله لو مات إذ يتركهم صغاراً ضعافـاً لا شيء لهم الضيعة بعده ، فلـيخف ذلك علـى عيال أخيه الـمسلـم ، فـيقول له القول السديد . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن حبـيب ، قال : ذهبت أنا والـحكم بن عيـينة إلـى سعيد بن جبـير ، فسألناه عن قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } … الآية ، قال : قال الرجل يحضره الـموت ، فـيقول له من يحضره : اتق الله ، صلهم ، أعطهم ، برّهم ، ولو كانوا هم الذين يأمرهم بـالوصية لأحبوا أن يبقوا لأولاهم . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن حبـيب بن أبـي ثابت ، عن سعيد بن جبـير فـي قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال : يحرضهم الـيتامى فـيقولون : اتق الله وصلهم وأعطهم ، فلو كانوا هم لأحبوا أن يبقوا لأولادهم . حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك فـي قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } … الآية ، يقول : إذا حضر أحدكم من حضره الـموت عند وصيته ، فلا يقل : أعتق من مالك وتصدّق ، فـيفرّق ماله ويدع أهله عُيَّلاً ، ولكن مروه فلـيكتب ماله من دين وما علـيه ، ويجعل من ماله لذوي قرابته خمس ماله ، ويدع سائره لورثته . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } … الآية . قال : هذا يفرق الـمال حين يقسم ، فـيقول الذين يحضرون : أقللت زد فلاناً ! فـيقول الله تعالـى : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ } فلـيخش أولئك ولـيقولوا فـيهم مثل ما يحبّ أحدهم أن يقال فـي ولده بـالعدل إذا أكثر : أبق علـى ولدك . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولـيخش الذين يحضرون الـموصي وهو يوصي ، الذين لو تركوا من خـلفهم ذرية ضعافـاً فخافوا علـيهم الضيعة من ضعفهم وطفولتهم ، أن ينهوه عن الوصية لأقربـائه ، وأن يأمره بإمساك ماله والتـحفظ به لولده ، وهم لو كانوا من أقربـاء الـموصي لسرّهم أن يوصي لهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن حبـيب ، قال : ذهبت أنا والـحكم بن عيـينة ، فأتـينا مقسماً ، فسألناه ، يعنـي عن قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } . … الآية ، فقال : ما قال سعيد بن جبـير ؟ فقلنا : كذا وكذا . فقال : ولكنه الرجل يحضره الـموت ، فـيقول له من يحضره : اتق الله وأمسك علـيك مالك ، فلـيس أحد أحقّ بـمالك من ولدك ! ولو كان الذي يوصي ذا قرابة لهم ، لأحبوا أن يوصي لهم . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن حبـيب بن أبـي ثابت قال : قال مقسم : هم الذين يقولون : اتق الله وأمسك علـيك مالك ، فلو كان ذا قرابة لهم لأحبوا أن يوصي لهم . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، عن أبـيه ، قال : زعم حضرميّ ، وقرأ : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً } قال : قالوا حقـيق أن يأمر صاحب الوصية بـالوصية لأهلها ، كما أن لو كانت ذرّية نفسه بتلك الـمنزلة لأحبّ أن يوصي لهم ، وإن كان هو الوارث فلا يـمنعه ذلك أن يأمره بـالذي يحقّ علـيه ، فإن ولده لو كانوا بتلك الـمنزلة أحبّ أن يحثّ علـيه ، فلـيتق الله هو ، فلـيأمره بـالوصية وإن كان هو الوارث ، أو نـحواً من ذلك . وقال آخرون : بل معنى ذلك أمر من الله ولاة الـيتامى أن يـلوهم بـالإحسان إلـيهم فـي أنفسهم وأموالهم ، ولا يأكلوا أموالهم إسرافـاً وبداراً أن يكبروا ، وأن يكونوا لهم كما يحبون أن يكون ولاة ولده الصغار بعدهم لهم بـالإحسان إلـيهم لو كانوا هم الذين ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغاراً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } يعنـي بذلك : الرجل يـموت وله أولاد صغار ضعاف يخاف علـيهم العيـلة والضيعة ، ويخاف بعده أن لا يحسن إلـيه من يـلـيهم ، يقول : فإن ولـي مثل ذريته ضعافـاً يتامى ، فلـيحسن إلـيهم ، ولا يأكل أموالهم إسرافـاً وبداراً خشية أن يكبروا ، فلـيتقوا الله ، ولـيقولوا قولاً سديداً . وقال آخرون : معنى ذلك : ولـيخش الذين لو تركوا من خـلفهم ذرية ضعافـاً خافوا علـيهم ، فلـيتقوا الله ولـيقولوا قولاً سديداً ، يكفـيهم الله أمر ذرّيتهم بعدهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا إبراهيـم بن عطية بن دريج بن عطية ، قال : ثنـي عمي مـحمد بن دريج ، عن أبـيه ، عن الشيبـانـي ، قال : كنا بـالقسطنطينـية أيام مسلـمة بن عبد الـملك ، وفـينا ابن مـحيريز وابن الديـلـمي وهانىء بن كلثوم ، قال : فجعلنا نتذاكر ما يكون فـي آخر الزمان ، قال : فضقت ذرعاً بـما سمعت ، قال : فقلت لابن الديـلـمي : يا أبـا بشر بودّي أنه لا يولد لـي ولد أبداً ! قال : فضرب بـيده علـى منكبـي وقال : يا ابن أخي لا تفعل ، فإنه لـيست من نسمة كتب الله لها أن تـخرج من صلب رجل ، إلا وهي خارجة إن شاء وإن أبى . قال : ألا أدلك علـى أمر إن أنت أدركته نـجاك الله منه ، وإن تركت ولدك من بعدك حفظهم الله فـيك ؟ قال : قلت بلـى ، قال : فتلا عند ذلك هذه الآية : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } . قال أبو جعفر : وأولـى التأويلات بـالآية قول من قال : تأويـل ذلك : ولـيخش الذين لو تركوا من خـلفهم ذرية ضعافـاً خافوا علـيهم العيـلة لو كانوا فرّقوا أمولهم فـي حياتهم ، أو قسموها وصية منهم بها لأولـي قرابتهم وأهل الـيتـم والـمسكنة ، فأبقوا أموالهم لولدهم خشية العيـلة علـيهم بعدهم مع ضعفهم وعجزهم عن الـمطالب ، فلـيأمروا من حضروه ، وهو يوصي لذوي قرابته وفـي الـيتامى والـمساكين وفـي غير ذلك بـماله بـالعدل ، ولـيتقوا الله ، ولـيقولوا قولاً سديداً ، وهو أن يعرّفوه ما أبـاح الله له من الوصية وما اختاره الـمؤمنون من أهل الإيـمان بـالله وبكتابه وسنته . وإنـما قلنا ذلك بتأويـل الآية أولـى من غيره من التأويلات لـما قد ذكرنا فـيـما مضى قبل ، من أن معنى قوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ النساء : 8 ] وإذا حضر القسمة أولو القربى والـيتامى والـمساكين فأوصوا لهم ، بـما قد دللنا علـيه من الأدلة . فإذا كان ذلك تأويـل قوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ } … الآية ، فـالواجب أن يكون قوله تعالـى ذكره : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ } تأديبـاً منه عبـاده فـي أمر الوصية بـما أذنهم فـيه ، إذ كان ذلك عقـيب الآية التـي قبلها فـي حكم الوصية ، وكان أظهر معانـيه ما قلنا ، فإلـحاق حكمه بحكم ما قبله أولـى مع اشتبـاه معانـيهما من صرف حكمه إلـى غيره بـما هو له غير مشبه . وبـمعنى ما قلنا فـي تأويـل قوله : { وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } قال من ذكرنا قوله فـي مبتدأ تأويـل هذه الآية ، وبه كان ابن زيد يقول . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } قال : يقول قولاً سديداً ، يذكر هذا الـمسكين وينفعه ، ولا يجحف بهذا الـيتـيـم وارث الـمؤدِّي ولا يضرّ به ، لأنه صغير لا يدفع عن نفسه ، فـانظر له كما تنظر إلـى ولدك لو كانوا صغاراً . والسديد من الكلام : هو العدل والصواب .