Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 10-11)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وجعل في الأرض التي خلق في يومين جبالاً رواسي ، وهي الثوابت في الأرض من فوقها ، يعني : من فوق الأرض على ظهرها . وقوله : { وَبارَكَ فِيها } يقول : وبارك في الأرض فجعلها دائمة الخير لأهلها . وقد ذكر عن السديّ في ذلك ما : حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي : { وبَارَكَ فِيها } قال : أنبت شجرها . { وَقَدَّرَ فِيها أقواتها } . اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : وقدر فيها أقوات أهلها بمعنى أرزاقهم ومعايشهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : أرزاقها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وَقَدَّرَ فِيها أقواتها } قال : قدّر فيها أرزاق العباد ، ذلك الأقوات . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتها } يقول : أقواتها لأهلها . وقال آخرون : بل معناه : وقدّر فيها ما يصلحها . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن خليد بن دعلج ، عن قتادة ، قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : صلاحها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدّر فيها جبالها وأنهارها وأشجارها . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها ، وساكنها من الدوابّ كلها . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : جبالها ودوابها وأنهارها وبحارها . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدّر فيها أقواتها من المطر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : من المطر . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدّر في كلّ بلدة منها ما لم يجعله في الآخر منها لمعاش بعضهم من بعض بالتجارة من بلدة إلى بلدة . ذكر من قال ذلك : حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا أبو محصن ، قال : ثنا حسين ، عن عكرمة ، في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : اليماني باليمن ، والسابريّ بسابور . حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا أبو محصن ، عن حصين ، قال : قال عكرمة { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } اليمانية باليمن ، والسابرية بسابور ، وأشباه هذا . حدثنا أبو كُريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصيناً عن عكرمة في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : في كل أرض قوت لا يصلح في غيرها ، اليماني باليمن ، والسابري بسابور . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : البلد يكون فيه القوت أو الشيء لا يكون لغيره ، ألا ترى أن السابريّ إنما يكون بسابور ، وأن العصب إنما يكون باليمن ونحو ذلك . حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : ثنا ابن عبد الواحد بن زياد ، عن خَصِيف ، عن مجاهد ، في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : السابريّ بسابور ، والطيالسة من الريّ . حدثني إسماعيل ، قال : ثنا أبو النضر صاحب البصري ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن مطرّف ، عن الضحاك في قوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } قال : السابريّ من سابور ، والطيالسة من الريّ والحبر من اليمن . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى أخبر أنه قدّر في الأرض أقوات أهلها ، وذلك ما يقوتهم من الغذاء ، ويصلحهم من المعاش ، ولم يخصص جلّ ثناؤه بقوله : { وَقَدَّرَ فِيها أقْوَاتَها } أنه قدّر فيها قوتاً دون قوت ، بل عمّ الخبر عن تقديره فيها جميع الأقوات ، ومما يقوت أهلها ما لا يصلحهم غيره من الغذاء ، وذلك لا يكون إلا بالمطر والتصرفّ في البلاد لما خصّ به بعضاً دون بعض ، ومما أخرج من الجبال من الجواهر ، ومن البحر من المآكل والحليّ ، ولا قول في ذلك أصحّ مما قال جلّ ثناؤه : قدّر في الأرض أقوات أهلها ، لما وصفنا من العلة . وقال جلّ ثناؤه : { في أرْبَعَةِ أيَّامٍ } لما ذكرنا قبل من الخبر الذي روينا عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرغ من خلق الأرض وجميع أسبابها ومنافعها من الأشجار والماء والمدائن والعمران والخراب في أربعة أيام ، أوّلهنّ يوم الأحد ، وآخرهنّ يوم الأربعاء . حدثني موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : خلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء . وقال بعض نحويي البصرة : قال : خلق الأرض في يومين ، ثم قال في أربعة أيام ، لأنه يعني أن هذا مع الأوّل أربعة أيام ، كما تقول : تزوّجت أمس امرأة ، واليوم ثنتين ، وإحداهما التي تزوّجتها أمس . وقوله : { سَوَاءً للسائِلِينَ } اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تأويله : سواء لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض ، وجعل فيها الرواسي من فوقها والبركة ، وقدّر فيها الأقوات بأهلها ، وجده كما أخبر الله أربعة أيام لا يزدن على ذلك ولا ينقصن منه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سَوَاءً للسَّائِلِينَ } من سأل عن ذلك وجده ، كما قال الله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { سَوَاءً للسَّائِلِينَ } قال : من سأل فهو كما قال الله . حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { فِي أرْبَعَةِ أيَّامٍ سَوَاء للسَّائِلِينَ } يقول : من سأل فهكذا الأمر . وقال آخرون : بل معنى ذلك : سواء لمن سأل ربه شيئاً مما به الحاجة إليه من الرزق ، فإن الله قد قدّر له من الأقوات في الأرض ، على قدر مسألة كل سائل منهم لو سأله لما نفذ من علمه فيهم قبل أن يخلقهم . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله { سَوَاءً للسَّائِلِينَ } قال : قدّر ذلك على قدر مسائلهم ، يعلم ذلك أنه لا يكون من مسائلهم شيء إلا شيء قد علمه قبل أن يكون . واختلفت القراء في قراءة ذلك . فقرأته عامة قراء الأمصار غير أبي جعفر والحسن البصري : { سَوَاءً } بالنصب . وقرأه أبو جعفر القارىء : « سَوَاءٌ » بالرفع . وقرأ الحسن : « سَوَاءٍ » بالجر . والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراءة الأمصار ، وذلك قراءته بالنصب لإجماع الحجة من القراء عليه ، ولصحة معناه . وذلك أن معنى الكلام : قدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم إليه الحاجة ، وعلى ما يصلحهم . وقد ذُكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك : « وَقَسَّمَ فِيها أقْوَاتَها » . وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب سواءً ، فقال بعض نحويي البصرة : من نصبه جعله مصدراً ، كأنه قال : استواء . قال : وقد قُرىء بالجرّ وجعل اسماً للمستويات : أي في أربعة أيام تامَّة . وقال بعض نحويي الكوفة : من خفض سواء ، جعلها من نعت الأيام ، وإن شئت من نعت الأربعة ، ومن نصبها جعلها متَّصلة بالأقوات . قال : وقد تُرفع كأنه ابتداء ، كأنه قال : ذلك { سَوَاءً للسَّائِلِينَ } يقول : لمن أراد علمه . والصواب من القول في ذلك أن يكون نصبه إذا نصب حالاً من الأقوات ، إذ كانت سواء قد شبهت بالأسماء النكرة ، فقيل : مررت بقوم سواء ، فصارت تتبع النكرات ، وإذا تبعت النكرات انقطعت من المعارف فنصبت ، فقيل : مررت بإخوتك سواء ، وقد يجوز أن يكون إذا لم يدخلها تثنية ولا جمع أن تشبه بالمصادر . وأما إذا رُفعت ، فإنما تُرفع ابتداء بضمير ذلك ونحوه ، وإذا جُرّت فعلى الإتباع للأيام أو للأربعة . وقوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَهَا وَللأَرْض ائْتِيا طَوْعاً أوْ كَرْهاً قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ } يعني تعالى ذكره : ثم استوى إلى السماء ، ثم ارتفع إلى السماء . وقد بيَّنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى قبل . وقوله : { فَقالَ لها وَللأَرْض ائْتِيا طَوْعاً أوْ كَرْهاً } يقول جلّ ثناؤه : فقال الله للسماء والأرض : جيئا بما خلقت فيكما ، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم ، وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات ، وتشقَّقِي عن الأنهار { قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ } جئنا بما أحدثت فينا من خلقك ، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، { فَقالَ لها وَللأَرْض ائْتِيا طَوْعاً أوْ كَرْهاً قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ } قال : قال الله للسموات : أطلعي شمسي وقمري ، وأطلعي نجومي ، وقال للأرض : شققي أنهارك واخرجي ثمارك ، فقالتا : أعطينا طائعين . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن جُرَيج ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، في قوله { ائْتيا } : أعطيا . وفي قوله : { قَالَتا أئتَيْا } قالتا : أعطينا . وقيل : أتينا طائعين ، ولم يُقل طائعتين ، والسماء والأرض مؤنثتان ، لأن النون والألف اللتين هما كناية أسمائهما في قوله { أتَيْنا } نظيره كناية أسماء المخبرين من الرجال عن أنفسهم ، فأجرى قوله { طائِعِينَ } على ما جرى به الخبر عن الرجال كذلك . وقد كان بعض أهل العربية يقول : ذهب به إلى السموات والأرض ومن فيهنّ . وقال آخرون منهم : قيل ذلك كذلك لأنهما لما تكلمتا أشبهتا الذكور من بني آدم .