Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 21-22)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الذين يحشرون إلى النار من أعداء الله سبحانه لجلودهم إذ شهدت عليهم بما كانوا في الدنيا يعملون : لم شهدتم علينا بما كنا نعمل في الدنيا ؟ فأجابتهم جلودهم : { أنْطَقَنا اللَّهَ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فنطقنا وذُكر أن هذه الجوارح تشهد على أهلها عند استشهاد الله إياها عليهم إذا هم أنكروا الأفعال التي كانوا فعلوها في الدنيا بما يسخط الله ، وبذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الأخبار التي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثنا أحمد بن حازم الغفاريّ ، قال : أخبرنا عليّ بن قادم الفزاري ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبيد المُكْتِب ، عن الشعبيّ ، عن أنس ، قال : ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : " ألا تَسْأَلُونِي ممَّ ضَحِكْتُ ؟ " قالوا : ممّ ضحكت يا رسول الله ؟ قال : " عَجِبْتُ مِنْ مُجَادَلَةِ العَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ قال : يقُولُ : يا رَبّ ألَيْسَ وَعَدْتَنِي أنْ لا تَظْلِمَنِي ؟ قالَ : فإنَّ لَكَ ذلكَ ، قال : فإنّي لا أقْبَلُ عَليَّ شاهِداً إلاَّ مِنْ نَفْسِي ، قالَ : أوَلَيْس كَفَى بِي شَهِيداً ، وَبالمَلائِكَةِ الكِرَامِ الكاتبين ؟ قالَ فَيُخْتَمُ عَلى فِيهِ ، وَتَتَكَلَّمُ أرْكانُهُ بِمَا كانَ يَعْمَلُ ، قالَ : فَيَقُولُ لَهُنَّ : بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً ، عَنْكُنَّ كُنْتُ أُجادِلُ " . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن الشعبي ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه . حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكر ، عن شبل ، قال : سمعت أبا قزعة يحدّث عمرو بن دينار ، عن حكيم ابن معاوية ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ، وأشار بيده إلى الشام ، قال : " هاهُنا إلى ها هُنا تُحْشَرُونَ رُكْباناً وَمُشاةً على وُجُوهِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ، على أفْوَاهِكُم الفِدامُ ، تُوَفُّونَ سَبْعِين أُمَّةً أنْتُمْ آخِرُها وأكْرَمُها على اللَّهِ ، وإن أوَّلَ ما يُعْرِبُ مِنْ أحَدكُمْ فَخِذُهُ " . حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " تَجِيئُونَ يَوْمَ القِيامَةِ على أفْوَاهِكُمْ الفِدَامُ ، وإنَّ أوَّلَ ما يَتَكَلَّمُ مِنَ الآدِمي فَخِذُهُ وكَفُّهُ " . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن بَهْز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مالي أُمْسِكُ بحَجزِكُمْ مِنَ النَّارِ ؟ ألا إن رَبّي داعيَّ وإنَّهُ سائلي هَلْ بَلَّغْتُ عِبادَهُ ؟ وإنّي قائِلٌ : رَبّ قَدْ بَلَّغْتُهُمْ ، فَيُبَلِّغ شاهِدُكُمْ غائِبَكُمْ ، ثُمَّ إنَّكُمْ مُدَّعُونَ مُقَدَّمَةً أفْوَاهُكُمْ بالفِدامِ ، ثُمَّ إنَّ أوَّلَ ما يُبِينُ عَنْ أحْدِكَمْ لَفَخِذُهُ وكَفُّهُ " . حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا الهيثم بن خارجة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زُرْعة ، عن شريح بن عبيد ، عن عقبة ، سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إنّ أوَّلَ عَظْم تَكَلَّمَ مِنَ الإنْسانِ يَوْمَ يُخْتَمُ على الأفْوَاهِ فَخِذُهُ مِنَ الرِّجْلِ الشمال " . وقوله : { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ } يقول تعالى ذكره : والله خلقكم الخلق الأوّل ولم تكونوا شيئاً ، { وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يقول : وإليه مصيركم من بعد مماتكم ، { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ } في الدنيا { أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ } يوم القيامة { سَمْعُكُمْ وَلا أبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ } . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ } ، فقال بعضهم : معناه : وما كنتم تستَخْفُون . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد ، بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ } : أي تَسْتَخْفُون منها . وقال آخرون : معناه : وما كنتم تتقون . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ } قال : تتقون . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما كنتم تظنون . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ } يقول : وما كنتم تظنون { أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصَارُكُمْ } حتى بلغ { كَثِيراً مِمَّا } كنتم { تَعْملَونَ } ، والله إن عليك با ابن آدم لشهوداً غير متهمة من بدنك ، فراقبهم واتق الله في سرّ أمرك وعلانيتك ، فإنه لا يخفى عليه خافية ، الظلمة عنده ضوء ، والسرّ عنده علانية ، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظنّ فليفعل ، ولا قوّة إلا بالله . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : وما كنتم تستَخْفُون ، فتتركوا ركوب محارم الله في الدنيا حذراً أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن المعروف من معاني الاستتار الاستخفاء . فإن قال قائل : وكيف يستخفى الإنسان عن نفسه مما يأتي ؟ قيل : قد بيَّنا أن معنى ذلك إنما هو الأماني ، وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن نفسه . وقوله : { وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا } كنتم { تَعْمَلُونَ } يقول جلّ ثناؤه : ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا ما ركبتم من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون من أعمالكم الخبيثة ، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم ، فتتركوا ركوب ما حرّم الله عليكم . وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل نفر تدارَؤا بينهم في علم الله بما يقولونه ويتكلمون سرّاً . ذكر الخبر بذلك . حدثني محمد بن يحيى القطعي ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا قيس ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر الأزدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة ، فدخل ثلاثة نفر ، ثَقَفيان وقُرشيّ ، أو قُرشيان وثَقَفى ، كثير شحوم بطونهما ، قليل فقه قلوبهما ، فتكلموا بكلام لم أفهمه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ فقال الرجلان : إذا رفعنا أصواتنا سمع ، وإذا لم نرفع لم يسمع ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، فنزلت هذه الآية : { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصَارُكُمْ . … } إلى آخر الآية . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن وهب بن ربيعة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إني لمستتر بأستار الكعبة ، إذ دخل ثلاثة نفر ، ثقفي وختناه قرشيان ، قليل فقه قلوبهما ، كثير شحوم بطونهما ، فتحدثوا بينهم بحديث ، فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلنا ؟ ، فقال الآخر : إنه يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا خفضنا . وقال الآخر : إذا كان يسمع منه شيئاً فهو يسمعه كله ، قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فنزلت هذه الآية : { وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصَارَكُمْ … } حتى بلغ { وإنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ المُعْتَبِينَ } حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني منصور ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بنحوه .