Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 38-39)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { حتى إذَا جاءَنا } فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن ، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين « حتى إذَا جاءانا » على التثنية بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِيَ عن ذكر الرحمن ، وقرينه الذي قيض له من الشياطين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن : حتى إذَا جاءَنا على التوحيد ، بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن . والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أنّ في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا ، الكفاية للسامع عن خبر الآخر ، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوماً به خبر حال الآخر ، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { حتى إذَا جاءَانا } هو وقرينه جميعاً . وقوله : { يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المُشْرقَيْنِ } يقول تعالى ذكره : قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر : وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين : أي بُعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الآخر ، كما قيل : شبه القمرين ، وكما قال الشاعر : @ أخَذْنا بآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ لنَا قَمَرَاهَا والنُّجُومُ الطَّوَالِعُ @@ وكما قال الآخر : @ فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنَّا والعِرَاقُ لنَا والمَوْصِلانِ وَمِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ @@ يعني : الموصل والجزيرة ، فقال : الموصلان ، فغلب الموصل . وقد قيل : عنى بقوله { بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ } : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق ، وفي الصيف من مشرق غيره وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين ، كما قال جلّ ثناؤه : { رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَينِ } وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن سعيد الجريري ، قال : بلغني أن الكافر إذا بُعث يوم القيامة من قبره ، سفعَ بيده الشيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلكم حين يقول : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين ، فبئس القرين . وأما المؤمن فيوكَّل به مَلك فهو معه حتى قال : إما يفصل بين الناس ، أو نصير إلى ما شاء الله . وقوله : { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ } أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا { إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكُمْ فِي العَذَابِ مُشْترِكُونَ } يقول : لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه ، لأن لكل واحد منكم نصيبه منه ، و « أنَّ » من قوله { أنَّكُمْ } في موضع رفع لما ذكرت أن معناه : لن ينفعكم اشتراككم .