Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 56-57)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم « فَجَعَلْناهُمْ سُلُفاً » بضم السين واللام ، توجيهاً ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس ، وهو المتقدّم أمام القوم . وحَكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول : مضى سليف من الناس . وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم : { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً } بفتح السين واللام . وإذا قُرىء كذلك احتمل أن يكون مراداً به الجماعة والواحد والذكر والأنثى ، لأنه يُقال للقوم : أنتم لنا سلف ، وقد يُجمع فيقال : هم أسلاف ومنه الخبر الذي رُوي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يَذْهَب الصَّالِحُونَ أَسْلافاً " وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك : « فَجَعَلْناهُمْ سُلَفاً » بضم السين وفتح اللام ، توجيهاً منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس ، مثل أمة منهم وقطعة . وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام ، لأنها اللغة الجوداء ، والكلام المعروف عند العرب ، وأحقّ اللغات أن يُقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم . فتأويل الكلام إذن : فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى النار ، كفار قومك يا محمد من قريش ، وكفار قومك لهم بالأثر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخرِين } قال : قوم فرعون كفارهم سلفاً لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً } في النار . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر : { فَجَعلْناهُمْ سَلَفاً } قال : سلفاً إلى النار . وقوله : { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } يقول : وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم ، فينتهوا عن الكفر بالله . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } قال : عبرة لمن بعدهم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } : أي عظة للآخرين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } : أي عظة لمن بعدهم . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً } قال : عبرة . وقوله : { وَلما ضُربَ ابْنُ مَرْيَم مَثَلاً } يقول تعالى ذكره : ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم ، فمثَّله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل ، إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون : ما يريد محمد منا إلاَّ أن نتخذه إلهاً نعبده ، كما عبدت النصارى المسيح . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : { إذَا قَوْمُكَ منْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون قال : قالت قريش : إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما ذُكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك ، وقالوا : يا محمد ما ذكرت عيسى بن مريم ، وقالوا : ما يريد محمد إلاَّ أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى بن مريم ، فقال الله عزّ وجلّ : { ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما ذُكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش : يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى ؟ قال : وقالوا : إنما يريد أن نحبه كما أحبَّت النصارى عيسى . وقال آخرون : بل عنى بذلك قول الله عزّ وجلّ { إنَّكمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون } قِيلُ المشركين عند نزولها : قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة ، لأن كل هؤلاء مما يُعبد من دون الله ، قال الله عزّ وجلّ : { ولَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } وقالوا : أآلهتنا خير أم هو ؟ ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد قال ، ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ولَمَّا ضُربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يعني قريشاً لما قيل لهم { إنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون } فقالت له قريش : فما ابن مريم ؟ قال : ذاك عبد الله ورسوله ، فقالوا : والله ما يريد هذا إلاَّ أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم رباً ، فقال الله عزّ وجلّ : { ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاَّ جَدَلاً ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { يَصِدُّونَ } ، فقرأته عامة قرّاء المدينة ، وجماعة من قرّاء الكوفة : « يَصُدُّونَ » بضم الصاد . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة { يَصِدُّونَ } بكسر الصاد . واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قُرىء بضم الصاد ، وإذا قُرىء بكسرها ، فقال بعض نحويِّي البصرة ، ووافقه عليه بعض الكوفيين : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل يشُدّ ويشِدّ ، ويَنُمُّ ويَنِمّ من النميمة . وقال آخر : منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون ، ومن ضمها فمجازها يعدلون . وقال بعض من كسرها : فإنه أراد يضجون ، ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن الحقّ . حُدثت عن الفرّاء قال : ثني أبو بكر بن عياش ، أن عاصماً ترك يصدّون من قراءة أبي عبد الرحمن ، وقرأ يصدّون ، قال : قال أبو بكر . حدثني عاصم ، عن أبي رزين ، عن أبي يحيى ، أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير ، فقال : إن عمك لعربيّ ، فما له يُلحِن في قوله : « إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ » ، وإنما هي { يَصِدُّونَ } . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمعنى واحد ، ولم نجد أهل التأويل فرّقوا بين معنى ذلك إذا قرىء بالضمّ والكسر ، ولو كان مختلفاً معناه ، لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله موجوداً وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين ، ولكن لما لم يكن مختلف المعنى لم يختلفوا في أن تأويله : يضجون ويجزعون ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب . ذكر ما قلنا في تأويل ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } يقول : يضجون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن المُغيرة الضبيّ ، عن الصعب بن عثمان قال : كان ابن عباس يقرأ { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ، وكان يفسرها يقول : يضجون . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين ، عن ابن عباس بمثله . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } : أي يجزعون ويضجون . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عاصم بن أبي النَّجود ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنه قرأها { يَصِدُّون } : أي يضجون ، وقرأ عليّ رضي الله عنه { يَصِدُّونَ } . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } قال : يضجون .