Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 81-82)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { قُلْ إنْ كانَّ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } فقال بعضهم : في معنى ذلك : قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون ، فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم ، والجاحدين ما قلتم من أن له ولداً . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { قُلْ إنْ كانَ للرَّحمَنِ وَلَدٌ } كما تقولون { فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } المؤمنين بالله ، فقولوا ما شئتم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فأنا أوَّلُ العابِدِينَ } قال : قل إن كان لله ولد في قولكم ، فأنا أوّل من عبد الله ووحده وكذّبكم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل ما كان للرحمن ولد ، فأنا أوّل العابدين له بذلك . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَن وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } يقول : لم يكن للرحمن ولد فأنا أوّل الشاهدين . وقال آخرون : بل معنى ذلك نفي ، ومعنى إن الجحد ، وتأويل ذلك ما كان ذلك ، ولا ينبغي أن يكون . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } قال قتادة : وهذه كلمة من كلام العرب { إنْ كان للرَّحْمن وَلَدٌ } : أي إن ذلك لم يكن ، ولا ينبغي . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } قال : هذا الإنكاف ما كان للرحمن ولد ، نكف الله أن يكون له ولد ، وإن مثل « ما » إنما هي : ما كان للرحمن ولد ، ليس للرحمن ولد ، مثل قوله : { وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبالُ } إنما هي : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال ، و « إن » هي « ما » إن كان ما كان تقول العرب : إن كان ، وما كان الذي تقول . وفي قوله : { فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } أوّل من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله . حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت ابن محمد ، عن قول الله : { إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ } قال : ما كان . حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو ، قال : سألت زيد بن أسلم ، عن قول الله : { قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ } قال : هذا قول العرب معروف ، إن كان : ما كان ، إن كان هذا الأمر قط ، ثم قال : وقوله : وإن كان : ما كان . وقال آخرون : معنى « إن » في هذا الموضع معنى المجازاة ، قالوا : وتأويل الكلام : لو كان للرحمن ولد ، كنت أوّل من عبده بذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { قُلْ إنْ كانَ للرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ } قال : لو كان له ولد كنت أوّل من عبده بأن له ولداً ، ولكن لا ولد له . وقال آخرون : معنى ذلك : قل إن كان للرحمن ولد ، فأنا أوّل الآنفين ذلك ، ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين ، من قول العرب : قد عبِد فلان من هذا الأمر إذا أنِف منه وغضب وأباه ، فهو يعبَد عَبداً ، كما قال الشاعر : @ ألا هَوِيَتْ أُمُّ الوَلِيدِ وأصْبَحَتْ لِمَا أبْصَرَتْ فِي الرأس مِنِّي تَعَبَّدُ @@ وكما قال الآخر : @ مَتى ما يَشأْ ذُو الوُدّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ وَيَعْبَدْ عَلَيْهِ لا مَحَالةَ ظالِمَا @@ حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ثني : ابن أبي ذئب ، عن أبي قسيط ، عن بعجة بن زيد الجهني ، أن امرأة منهم دخلت على زوجها ، وهو رجل منهم أيضاً ، فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فأمر بها أن تُرجم ، فدخل عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } وقال : { وَفِصَالُهُ فِي عامَيْنِ } قال : فوالله ما عبدِ عثمان أن بعث إليها تردّ . قال يونس ، قال ابن وهب : عبد : استنكف . وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى : إنْ الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السديّ ، وذلك أن « إن » لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين : إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء ، أو تكون بمعنى الجحد ، وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى ، لأنه يصير بمعنى : قل ما كان للرحمن ولد ، وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفي بذلك عن الله عزّ وجلّ أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات ، ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن ، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : ما كان للرحمن ولد ، فأنا أوّل العابدين أن يقولوا له صدقت ، وهو كما قلت ، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد . وإنما قلنا : لم يكن له ولد ، ثم خلق الجنّ فصاهرهم ، فحدث له منهم ولد ، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه ، ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتجّ لنبيه صلى الله عليه وسلم وعلى مكذّبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه ، وإذ كان في توجيهنا « إن » إلى معنى الجحد ما ذكرنا ، فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط . وإذ كان ذلك كذلك ، فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام : قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله : إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل عابديه بذلك منكم ، ولكنه لا ولد له ، فأنا أعبده بأنه لا ولد له ، ولا ينبغي أن يكون له . وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشكّ ، ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحُسن الخطاب ، كما قال جلّ ثناؤه { قُلِ اللّهُ وأنا أوْ إيَّاكُمْ لَعَلى هُدًى أوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } وقد علم أن الحقّ معه ، وأن مخالفيه في الضلال المبين . وقوله : { سُبْحانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيهاً لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله ، وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب ، ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُون } َ : أي يكذّبون .