Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-6)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم بياننا في معنى قوله : { حم * والكِتابِ المُبِينِ } . وقوله : { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ } أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب ، أنه أنزله في ليلة مباركة . واختلف أهل التأويل في تلك الليلة ، أيّ ليلة من ليالي السنة هي ؟ فقال بعضهم : هي ليلة القدر . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُباركَةٍ } : ليلة القدر ، ونزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، ونزلت التوراة لستّ ليال مضت من رمضان ، ونزل الزَّبور لستّ عشرة مضت من رمضان ، ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان ، ونزل الفُرقان لأربع وعشرين مضت من رمضان . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ } قال : هي ليلة القدر . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله عزّ وجل : { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِيْنَ } قال : تلك الليلة ليلة القدر ، أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر ، ثم أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام ، وفي غير ليلة القدر . وقال آخرون : بل هي ليلة النصف من شعبان . والصواب من القول في ذلك قول من قال : عنى بها ليلة القدر ، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى : { إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } خَلْقنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم ، فلم ينب إلى توحيدنا ، وإفراد الألوهية لنا . وقوله : { فِيها يُفْرَق كُلُّ أمْرٍ حَكِيم } اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم ، نحو اختلافهم في الليلة المباركة ، وذلك أن الهاء التي في قوله : { فِيها } عائدة على الليلة المباركة ، فقال بعضهم : هي ليلة القدر ، يُقْضَى فيها أمر السنة كلها من يموت ، ومن يولد ، ومن يعزّ ، ومن يذل ، وسائر أمور السنة . ذكر من قال ذلك : حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا ربيعة بن كلثوم ، قال : كنت عند الحسن ، فقال له رجل : يا أبا سعيد ، ليلة القدر في كلّ رمضان ؟ قال : إي والله ، إنها لفي كلّ رمضان ، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : قال رجل للحسن وأنا أسمع : أرأيت ليلة القدر ، أفي كل رمضان هي ؟ قال : نعم والله الذي لا إله إلاَّ هو ، إنها لفي كل رمضان ، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم ، يقضي الله كلّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الحميد بن سالم ، عن عمر مولى غفرة ، قال : يقال : ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها ، وذلك لأن الله عزّ وجلّ يقول : { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ } وقال { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قال : فتجد الرجل ينكح النساء ، ويغرس الغرس واسمه في الأموات . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن أبي مالك ، في قوله : { فِيها يُفْرَق كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قالَ : أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة ، أو نحو هذا . قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، عن هلال بن يساف ، قال : كان يقال : انتظروا القضاء في شهر رمضان . حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله : { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قال : يدبر أمر السنة في ليلة القدر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قال : في ليلة القدر كلّ أمر يكون في السنة إلى السنة : الحياة والموت ، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ } ليلة القدر { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } كُنَّا نُحدَّثُ أنه يُفْرق فيها أمر السنة إلى السنة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هي ليلة القدر فيها يُقضى ما يكون من السنة إلى السنة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، قال : سألت مجاهداً ، فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهمّ إن كان اسمي في السعداء ، فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم ، واجعله بالسعداء ، فقال : حسن ، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك ، فسألته عن هذا الدعاء ، قال : { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدّم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير . وقال آخرون : بل هي ليلة النصف من شعبان . ذكر من قال ذلك : حدثنا الفضل بن الصباح ، والحسن بن عرفة ، قالا : ثنا الحسن بن إسماعيل البجلي ، عن محمد بن سوقة ، عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى : { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } قال : في ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيه أمر السنة ، وتنسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد . حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا الليث ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن محمد بن المُغيرة بن الأخنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تُقْطَعُ الآجالُ مِنْ شَعْبانُ إلى شَعْبانَ حتى إن الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى " حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو هشام ، قال ثنا عبد الواحد ، قال : ثنا عثمان بن حكيم ، قال : ثنا سعيد بن جُبير ، قال : قال ابن عباس : إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات ، قال : ثم قرأ هذه الآية { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيم } قال : ثم قال : يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك ليلة القدر لما قد تقدّم من بياننا عن أن المعنِيَّ بقوله : { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ } ليلة القدر ، والهاء في قوله : فِيها من ذكر الليلة المباركة . وعنى بقوله : { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ } في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى ، ووضع حكيم موضع محكم ، كما قال : آلم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الحَكِيمِ يعني : المحكم . وقوله : { أمْراً مِنْ عِنْدِنا إنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } يقول تعالى ذكره : في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم ، أمرا من عندنا . واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : { أمْراً } فقال بعض نحويي الكوفة : نصب على إنا أنزلناه أمراً ورحمة على الحال . وقال بعض نحويي البصرة : نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمراً . قال : وكذلك قوله : { رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } قال : ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها ، فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم . وقوله : { إنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } يقول تعالى ذكره : إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد { إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } يقول : إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا ، وأرسلنا من رسلنا إليهم ، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم ، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم ، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم .