Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قومك من قريش { ما كُنْتُ بِدْعا مِنَ الرُّسُل } يعني : ما كنت أوّل رسل الله التي أرسلها إلى خلقه ، قد كان من قبلي له رسل كثيرة أُرسلت إلى أمم قبلكم يقال منه : هو بدع في هذا الأمر ، وبديع فيه ، إذا كان فيه أوّل . ومن البدع قول عديّ بن زيد @ فَلا أنا بِدْعٌ مِنْ حَوَادِثَ تَعْتَرِي رِجالاً عَرَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَي وأسْعُدِ @@ ومن البديع قول الأحوص : @ فَخَرَتْ فانْتَمَتْ فقُلْتُ انْظُرِيني ليسَ جَهْلٌ أتَيْتِهِ بِبَدِيعِ @@ يعني بأوّل ، يقال : هو بدع من قوم أبداع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } يقول : لست بأوّل الرسل . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } قال : يقول : ما كنت أوّل رسول أُرسل . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } قال : ما كنت أوّلهم . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا عبد الوهاب بن معاوية ، عن أبي هبيرة ، قال : سألت قتادة { قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } قال : أي قد كانت قبلي رسل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } يقول : أي إن الرسل قد كانت قبلي . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } قال : قد كانت قبله رسل . وقوله : { وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : عني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له : قل للمؤمنين بك ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، وإلام نصير هنالك ، قالوا ثم بين الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به حالهم في الآخرة ، فقيل له { إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخَّرَ } وقال : { لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ } ذكر من قال ذلك : حدثنا عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } فأنزل الله بعد هذا { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخَّرَ } حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : قال في حم الأحقاف { وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، إنْ أتَّبِعُ إلاَّ ما يُوحَى إليَّ وَما أنا إلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ } فنسختها الآية التي في سورة الفتح { إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ … } الآية ، فخرج نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية ، فبشرهم بأنه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، فقال له رجال من المؤمنين : هنيئا لك يا نبيّ الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يُفعل بنا ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب ، فقال : { وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بأنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبيراً } وقال { لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتهِمْ وكان ذلكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ، وَيُعَذّبَ المُنافِقِينَ وَالمُنَافِقاتِ وَالمُشْرِكينَ وَالمُشْركاتِ الظَّانِّينَ باللَّهِ … } الآية ، فبين الله ما يفعل به وبهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَما أدْرِي ما يُفَعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } ثم درى أو علم من الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ما يفعل به ، يقول { إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخَّرَ } حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } قال : قد بين له أنه قد غفر من ذنبه ما تقدّم وما تأخر . وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا ، أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم ، أو يؤمنوا به فيتبعوه ، وأمرهم إلى الهلاك ، كما أهلكت الأمم المكذّبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو بكر الهذليّ ، عن الحسن ، في قوله : { وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ } فقال : أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ، ولكن قال : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي أو أُقتل كما قُتلت الأنبياء من قبلي ، ولا أدري ما يُفْعل بي ولا بكم ، أمتي المكذّبة ، أم أمتي المصدّقة ، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفاً ، أم مخسوف بها خسفاً ، ثم أوحي إليه : { وَإذْ قُلْنا لَكَ إنَّ رَبَّكَ أحاطَ بالنَّاسِ } يقول : أحطت لك بالعرب أن لا يقتلوك ، فعرف أنه لا يُقتل ، ثم أنزل الله عزّ وجلّ : { هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدّين كُلِّهِ ، وَكَفَى باللَّهٍ شَهِيداً } يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيُظهر دينك على الأديان ، ثم قال له في أمته : { وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فأخبره الله ما يصنع به ، وما يصنع بأمته . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما أدري ما يفترض عليّ وعليكم ، أو ينزل من حكم ، وليس يعني ما أدري ما يفعل بي ولا بكم غداً في المعاد من ثواب الله من أطاعه ، وعقابه من كذّبه . وقال آخرون : إنما أمر أن يقول هذا في أمر كان ينتظره من قِبَل الله عزّ وجلّ في غير الثواب والعقاب . وأولى الأقوال في ذلك بالصحة وأشبهها بما دلّ عليه التنزيل ، القول الذي قاله الحسن البصري ، الذي رواه عنه أبو بكر الهُذَليّ . وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدإ هذه السورة إلى هذه الآية ، والخبر خرج من الله عزّ وجلّ خطاباً للمشركين وخبراً عنهم ، وتوبيخاً لهم ، واحتجاجاً من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عليهم . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن هذه الآية أيضاً سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم ، وتوبيخ لهم ، أو خبر عنهم . وإذا كان ذلك كذلك ، فمحال أن يقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : قل للمشركين ما أدري ما يُفعل بي ولا بكم في الآخرة ، وآيات كتاب الله عزّ وجلّ في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون ، والمؤمنون به في الجنان منعمون ، وبذلك يرهبهم مرّة ، ويرغبهم أخرى ، ولو قال لهم ذلك ، لقالوا له : فعلام نتبعك إذن وأنت لا تدري إلى أيّ حال تصير غداً في القيامة ، إلى خفض ودعة ، أم إلى شدّة وعذاب وإنما اتباعنا إياك إن اتبعناك ، وتصديقنا بما تدعونا إليه ، رغبة في نِعمة ، وكرامة نصيبها ، أو رهبة من عقوبة ، وعذاب نهرب منه ، ولكن ذلك كما قال الحسن ، ثم بين الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما هو فاعل به ، وبمن كذّب بما جاء به من قومه وغيرهم . وقوله : { إنْ أتَّبِعُ إلاَّ ما يُوحَى إليَّ } يقول تعالى ذكره : قل لهم ما أتبع فيما آمركم به ، وفيما أفعله من فعل إلا وحي الله الذي يوحيه إليّ ، { وَما أنا إلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ } يقول : وما أنا لكم إلا نذير ، أنذركم عقاب الله على كفركم به مبين : يقول : قد أبان لكم إنذاره ، وأظهر لكم دعاءه إلى ما فيه نصيحتكم ، يقول : فكذلك أنا .