Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين { أرأيْتُمْ } أيها القوم { إنْ كانَ } هذا القرآن { مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } أنزله عليّ { وكَفَرْتُمْ } أنتم { بِهِ } يقول : وكذّبتم أنتم به . وقوله : { وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وشهد شاهد من بني إسرائيل ، وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله ، يعني على مثل القرآن ، قالوا : ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق في هذه الآية : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة ، التوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم . حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : سُئل داود ، عن قوله : { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ … } الآية ، قال داود ، قال عامر ، قال مسروق : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام ، ما نزلت إلا بمكة ، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة ، ولكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه ، قال : فنزلت { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } قال : فالتوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالتورَاة وبرسولهم ، وكفرتم . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، قال : أناس يزعمون أن شاهداً من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام ، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة وقد أخبرني مسروق أن آل حم ، إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، فقال : { أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ } يعني القرآن { وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ } موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام على الفرقان . حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن داود ، عن الشعبيّ ، قال : إن ناساً يزعمون أن الشاهد على مثله : عبد الله بن سلام ، وأنا أعلم بذلك ، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة ، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ، فقال : { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ } يعني الفرقان { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } فمثل التوراة الفرقان ، التوراة شهد عليها موسى ، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، في قوله { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ } الآية ، قال : كان إسلام ابن سلام بالمدينة ونزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه ، فقال : { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } قال : التوراة مثل الفرقان ، وموسى مثل محمد ، فآمن به واستكبرتم ، ثم قال : آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه ، واستكبرتم أنتم ، فكذّبتم أنتم نبيكم وكتابكم ، { إنَّ الله لا يهْدِي … } إلى قوله : { هَذا إفْكٌ قَدِيمٌ } وقال آخرون : عنى بقوله : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } عبد الله بن سلام ، قالوا : ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق . قالوا : ومثل القرآن التوراة . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : ثنا عبد الله بن يوسف التَّنِّيسي ، قال : سمعت مالك بن أنس يحدّث عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص ، عن أبيه ، قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال : وفيه نزلت { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } . حدثنا الحسين بن عليّ الصُّدَائي ، قال : ثنا أبو داود الطيالسي ، قال : ثنا شعيب بن صفوان ، قال : ثنا عبد الملك بن عمير ، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله : أنزل فيّ { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ … } إلى قوله : { فآمَن واسْتَكْبَرْتُم } . حدثني عليّ بن سعد بن مسروق الكنديّ ، قال : ثنا أبو محمد يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : نزلت فيّ { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَن واسْتَكْبَرْتُمْ إنَّ الله لا يهْدِي القَوْم الظَّالمِينَ } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ … } الآية ، قال : كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنا نجده في التوراة ، وكان أفضل رجل منهم ، وأعلمهم بالكتاب ، فخاصمت اليهود النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أتَرْضَوْنَ أنْ يَحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلام » ؟ « أتُؤْمِنُونَ " قالوا : نعم ، فأرسل إلى عبد الله بن سلام ، فقال : " أتَشْهَدُ أنّي رَسُولُ اللَّهِ مَكتُوباً فِي التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ " ، قال : نعم ، فأعرضت اليهود ، وأسلم عبد الله بن سلام ، فهو الذي قال الله جلّ ثناؤه عنه : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } يقول : فآمن عبد الله بن سلام . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } قال : عبد الله بن سلام . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ … } الآية ، كنا نحدّث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالإسلام ، وكان من أحبار اليهود . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } قال : هو عبد الله بن سلام . حُدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } الشاهد : عبد الله بن سلام ، وكان من الأحبار من علماء بني إسرائيل ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود ، فأتوه ، فسألهم فقال : " أتَعْلَمُون أنّي رسُولُ اللَّهِ تجدُونَنِي مَكْتُوباً عِنْدكُمْ في التَّوْراةِ " ؟ قالوا : لا نعلم ما تقول ، وإنا بما جئت به كافرون ، فقال : " أيَّ رجُل عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلام عنْدَكُمْ " ؟ قالوا : عالمنا وخيرنا ، قال : " أتَرْضوْن بهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " ؟ قالوا : نعم ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن سلام ، فجاءه فقال : " ما شَهادَتُكَ يا بْنَ سَلام " ؟ قال : أشهد أنك رسول الله ، وأن كتابك جاء من عند الله ، فآمن وكفروا ، يقول الله تبارك وتعالى { فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } . حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال : يا رسول الله ، قد علمت اليهود أني من علمائهم ، وأن أبي كان من علمائهم ، وإني أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة ، فأرسل إلى فلان وفلان ، ومن سماه من اليهود ، وأخبئني في بيتك ، وسلهم عني ، وعن أبي ، فإنهم سيحدّثونك أني أعلمهم ، وأن أبي من أعلمهم ، وإني سأخرج إليهم ، فأشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة ، وأنك بُعثت بالهدى ودين الحقّ ، قال : ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخبأه في بيته وأرسل إلى اليهود ، فدخلوا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عبد الله بن سلام فيكم " ؟ قالوا : أعلمنا نفساً . وأعلمنا أباً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ تُسْلِمُونَ " ؟ قالوا : لا يسلم ، ثلاث مرار ، فدعاه فخرج ، ثم قال : أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة ، وأنك بُعثت بالهدى ودين الحقّ ، فقالت اليهود : ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام ، قال : فخرجوا كفاراً ، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ، فآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُم } قال : هذا عبد الله بن سلام ، شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه حقّ ، وهو في التوراة حقّ ، فآمن واستكبرتم . حدثني أبو شرحبيل الحمصي ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : انطلق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا مَعْشَرَ اليَهُودِ إِرُوني اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُونَ إنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُو ، وأنَّ مَحمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، يُحْبِطُ اللَّهُ عَنْ كُلِّ يَهُودِيّ تَحْتَ أدِيمِ السَّماءِ الغَضَبَ الَّذِي غَضِب عَلَيْهِ " ، قال : فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم ثلَّث فلم يجبه أحد ، فانصرف وأنا معه ، حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد ، قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أيّ رجل تَعلموني فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك ، ولا من جدّك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي تجدونه في التوراة والإنجيل ، قالوا كذبت ، ثم ردّوا عليه قوله وقالوا له شرّاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَذَبْتُمْ لَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ ، أما آنفا فَتَثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ ما أثْنَيْتُم ، وأمَّا إذْ آمَنَ كَذَّبْتُمُوهُ وَقُلْتُمْ ما قُلْتُمْ ، فَلَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُم " ، قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا ، وعبد الله بن سلام ، فأنزل الله فيه : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ … الآية . والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل ، لأن قوله : { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش ، واحتجاجاً عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها ، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر ، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت ، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى ، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل ، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن ، والسبب الذي فيه نزل ، وما أريد به ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك ، وشهد عبد الله بن سلام ، وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله ، يعني على مثل القرآن ، وهو التوراة ، وذلك شهادته أن محمداً مكتوب في التوراة أنه نبيّ تجده اليهود مكتوباً عندهم في التوراة ، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبيّ . وقوله : { فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } يقول : فآمن عبد الله بن سلام ، وصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود { إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } يقول : إن الله لا يوفِّق لإصابة الحقّ ، وهدى الطريق المستقيم ، القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به .