Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 17-18)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وأما الذين وفَّقهم الله لاتباع الحقّ ، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد ، فإن ما تلوته عليهم ، وسمعوه منك { زَادَهُمْ هُدىً } يقول : زادهم الله بذلك إيماناً إلى إيمانهم ، وبياناً لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم . وقد ذُكر أن الذي تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن ، فقال أهل النفاق منهم لأهل الإيمان ، ماذا قال آنفاً ، وزاد الله أهل الهدى منهم هدىً ، كان بعض ما أنزل الله من القرآن ينسخ بعض ما قد كان الحكم مضى به قبل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَالَّذِينَ اهْتَدوْا زَادَهُمْ هُدىً وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ } قال : لما أنزل الله القرآن آمنوا به ، فكان هدى ، فلما تبين الناسخ والمنسوخ زادهم هدى . وقوله : { وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ } يقول تعالى ذكره : وأعطى الله هؤلاء المهتدين تقواهم ، وذلك استعماله إياهم تقواهم إياه . وقوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها } يقول تعالى ذكره : فهل ينظر هؤلاء المكذّبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء ، أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها . والمعنى : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة . { وأنْ } من قوله : { إلاَّ أنْ } في موضع نصب بالردّ على الساعة ، وعلى فتح الألف من { أنْ تَأْتِيَهُمْ } ونصب { تأتِيَهم } بها قراءة أهل الكوفة . وقد : حُدثت عن الفرّاء ، قال : حدثني أبو جعفر الرُّؤاسيّ ، قال : قلت لأبي عمرو بن العلاء : ما هذه الفاء التي في قوله : { فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها } قال : جواب الجزاء ، قال : قلت : إنها إن تأتيهم ، قال : فقال : معاذ الله ، إنما هي « إنْ تَأْتِهِمْ » قال الفرّاء : فظننت أنه أخذها عن أهل مكة ، لأنه قرأ ، قال الفرّاء : وهي أيضاً في بعض مصاحف الكوفيين بسنة واحدة « تَأتِهِمْ » ولم يقرأ بها أحد منهم . وتأويل الكلام على قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف « إن » وجزم « تأتهم » فهل ينظرون إلا الساعة ؟ فيجعل الخبر عن انتظار هؤلاء الكفار الساعة متناهياً عند قوله : { إلاَّ السَّاعَةَ } ، ثم يُبْتدأ الكلام فيقال : إن تأتهم الساعة بغتة فقد جاء أشراطها ، فتكون الفاء من قوله : { فَقَدْ جاءَ } بجواب الجزاء . وقوله : { فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها } يقول : فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدّماتها ، وواحد الأشراط : شَرَط ، كما قال جرير : @ تَرَى شَرَطَ المِعْزَى مُهورَ نِسائهِمْ وفي شُرَطِ المِعْزَى لهُنَّ مُهُورُا @@ ويُرَوى : « ترى قَزَم المِعْزَى » ، يقال منه : أشرط فلان نفسَه : إذا علمها بعلامة ، كما قال أوس بن حجر : @ فأَشْرَطَ فِيها نَفْسَهُ وَهْوَ مُعْصِمٌ وألْقَى بأسْبابٍ لَهُ وَتَوَكَّلا @@ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها يعني : أشراط الساعة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } قد دنت الساعة ودنا من الله فراغ العباد . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها } قال : أشراطها : آياتها . وقوله : { فأنى لَهُمْ إذَا جآءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ } يقول تعالى ذكره : فمن أيّ وجه لهؤلاء المكذّبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيَّعوا وفرّطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة ، يقول : ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم ، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فأنَّى لَهُمْ إذَا جاءَتْهُم ذِكْراهُم } يقول : إذا جاءتهم الساعة أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا ؟ حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فأنى لَهُمْ إذَا جاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } قال : أنى لهم أن يتذكروا أو يتوبوا إذا جاءتهم الساعة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فأنَّى لَهُمْ إذَا جاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } قال : الساعة ، لا ينفعهم عند الساعة ذكراهم ، والذكرى في موضع رفع بقوله : { فأنَّى لَهُمْ } لأن تأويل الكلام : فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة .