Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 24-25)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكَّرون في حُججه التي بيَّنها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون { أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا } يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعِبَر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا } إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله ، لو تدبره القوم فعقلوه ، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك . حدثنا إسماعيل بن حفص الأيلي ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعدان ، قال : ما من آدميّ إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وما يصلحه من معيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب ، فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه ، وإذا أراد الله به غير ذلك طَمَس عليهما ، فذلك قوله : { أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا } . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا ثور بن يزيد ، قال : ثنا خالد بن معدان ، قال : ما من الناس أحد إلا وله أربع أعين ، عينان في وجهه لمعيشته ، وعينان في قلبه ، وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره ، عاطف عنقه على عنقه ، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه ، فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب ، فعمل به ، وهما غيب ، فعمل بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد شرّاً تركه ، ثم قرأ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا . حدثنا ابن حُميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو ، عن ثور ، عن خالد بن مَعَدان بنحوه ، إلا أنه قال : ترك القلب على ما فيه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، قال : ثنا حماد بن زيد ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً { أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآن أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها } فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها ، حتى يكون الله عزّ وجلّ يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به . وقوله : { إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى } يقول الله عزّ وجلّ إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحقّ وقصد السبيل ، فعرفوا واضح الحجة ، ثم آثروا الضلال على الهدى عناداً لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى } هم أعداء الله أهل الكتاب ، يعرفون بعث محمد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ، ثم يكفرون به . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى } إنهم يجدونه مكتوباً عندهم . وقال آخرون : عنى بذلك أهل النفاق . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله { إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا على أدْبارِهِمْ … } إلى قوله { فأَحْبَطَ أعمالَهُمْ } هم أهل النفاق . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا على أدْبارِهِمْ … } إلى { إسْرَارَهُمْ } هم أهل النفاق . وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا ، أشبه منها بصفة أهل الكتاب ، وذلك أن الله عزّ وجلّ أخبر أن ردّتهم كانت بقيلهم { لِلَّذِينَ كَرِهُوا ، ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُم في بَعْضِ الأَمْرِ } ولو كانت من صفة أهل الكتاب ، لكان في وصفهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا . وقوله : { الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ } يقول تعالى ذكره : الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم ، من بعد ما تبين لهم الهدى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وأمْلَى لَهُمْ } يقول : زين لهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سَوَّلَ لَهُمْ } يقول : زين لهم . وقوله : { وأمْلَى لَهُمْ } يقول : ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر ، ومعنى الكلام : الشيطان سوّل لهم ، والله أملى لهم . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة { وأمْلَى لَهُمْ } بفتح الألف منها بمعنى : وأملى الله لهم . وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة « وأُمْلِيَ لَهُمْ » على وجه ما لم يسمّ فاعله . وقرأ مجاهد فيما ذُكر عنه « وأُمْلِي » بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم . وأولى هذه القراءات بالصواب ، التي عليها عامة قرّاء الحجاز والكوفة من فتح الألف في ذلك ، لأنها القراءة المستفيضة في قَرَأةَ الأمصار ، وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه .