Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لفريق الإيمان به وبرسوله : { فَإذَا لَقِيُتمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالله ورسوله من أهل الحرب ، فاضربوا رقابهم . وقوله : { حتى إذَا أثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثاقَ } يقول : حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم ، فصاروا في أيديكم أسرى { فَشُدُّوا الوَثاقَ } يقول : فشدّوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم ، فيهربوا منكم . وقوله : { فإمَّا مَنًّاً بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً } يقول : فإذا أسرتموهم بعد الإثخان ، فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر ، وتحرروهم بغير عوض ولا فدية ، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضاً حتى تطلقوهم ، وتخلوا لهم السبيل . واختلف أهل العلم في قوله : { حتى إذَا أثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثاقَ ، فإمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } فقال بعضهم : هو منسوخ نسخه قوله : { فاقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم } وقوله { فإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ في الحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مِنْ خَلْفِهُمْ } ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد وابن عيسى الدامغانيّ ، قالا : ثنا ابن المبارك ، عن ابن جُرَيج أنه كان يقول ، في قوله : { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } نسخها قوله : { فاقْتُلوا المشْرِكِينَ حَيْثُ وَجدْتُموهُمْ } حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن السديّ { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } قال : نسخها { فاقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } نسخها قوله : { فإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإذَا لَقِيُتمُ الَّذينَ كَفَرُوا } إلى قوله : { وَإمَّا فِدَاءً } كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم ، فإذا أسروا منهم أسيراً ، فليس لهم إلا أن يُفادوه ، أو يمنوا عليه ، ثم يرسلوه ، فنسخ ذلك بعد قوله : { فإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ } أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذّكرون . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، قال : كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه في أسير أُسر ، فذكر أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال أبو بكر : اقتلوه ، لقتلُ رجل من المشركين ، أحبّ إليّ من كذا وكذا . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فإذَا لَقِيُتمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرّقابِ … } إلى آخر الآية ، قال : الفداء منسوخ ، نسختها : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ … إلى كُلَّ مَرْصَدٍ } قال : فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا حرمة بعد براءة ، وانسلاخ الأشهر الحَرم . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } هذا منسوخ ، نسخه قوله : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة بعد براءة . وقال آخرون : هي محكمة وليست بمنسوخة ، وقالوا : لا يجوز قتل الأسير ، وإنما يجوز المنّ عليه والفداء . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو عتاب سهل بن حماد ، قال : ثنا خالد بن جعفر ، عن الحسن ، قال : أتى الحجاج بأسارى ، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله ، فقال ابن عمر : ليس بهذا أُمرنا ، قال الله عزَّ وجلّ { حتى إذَا أثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثاقَ ، فإمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } قال : البكا بين يديه فقال الحسن : لو كان هذا وأصحابه لابتدروا إليهم . حدثنا ابن حميد وابن عيسى الدامغانيّ ، قالا : ثنا ابن المبارك ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء أنه كان يكره قتل المشرك صبراً ، قال : ويتلو هذه الآية { فإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِداءً } . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : لا تقتل الأُسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدوّ . قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : كان عمر بن عبد العزيز يفديهم الرجل بالرجل ، وكان الحسن يكره أن يفادي بالمال . قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن رجل من أهل الشام ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز ، وهو من بني أسد ، قال : ما رأيت عمر رحمه الله قتل أسيراً إلا واحداً من الترك كان جيء بأسارى من الترك ، فأمر بهم أن يُسترقوا ، فقال رجل ممن جاء بهم : يا أمير المؤمنين ، لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم ، فقال عمر : فدونك فاقتله ، فقام إليه فقتله . والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة ، وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ ما قد بيَّنا في غير موضع في كتابنا إنه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حال واحدة ، أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر ، وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المنّ والفداء والقتل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى القائمين بعده بأمر الأمة ، وإن لم يكن القتل مذكوراً في هذه الآية ، لأنه قد أذن بقتلهم في آية أخرى ، وذلك قوله : { فَاقْتُلُوا المُشْركِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ … } الآية ، بل ذلك كذلك ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل فيمن صار أسيراً في يده من أهل الحرب ، فيقتل بعضاً ، ويفادي ببعض ، ويمنّ على بعض ، مثل يوم بدر قتل عقبة بن أبي مُعَيْط وقد أُتي به أسيراً ، وقتل بني قُرَيظة ، وقد نزلوا على حكم سعد ، وصاروا في يده سلِماً ، وهو على فدائهم ، والمنّ عليهم قادر ، وفادى بجماعة أسارى المشركين الذين أُسروا ببدر ، ومنّ على ثمامة بن أثال الحنفيّ ، وهو أسير في يده ، ولم يزل ذلك ثابتاً من سيره في أهل الحرب من لدن أذن الله له بحربهم ، إلى أن قبضه إليه صلى الله عليه وسلم دائماً ذلك فيهم ، وإنما ذكر جلّ ثناؤه في هذه الآية المنّ والفداء في الأسارى ، فخصّ ذكرهما فيها ، لأن الأمر بقتلهما والإذن منه بذلك قد كان تقدم في سائر آي تنزيله مكرّراً ، فأعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بما ذكر في هذه الآية من المنّ والفداء ماله فيهم مع القتل . وقوله : { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } يقول تعالى ذكره : فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم ، وافعلوا بأسراهم ما بيَّنت لكم ، حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها ، المشركين بالله بأن يتوبوا إلى الله من شركهم ، فيؤمنوا به وبرسوله ، ويطيعوه في أمره ونهيه ، فذلك وضع الحرب أوزارها ، وقيل : { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } والمعنى : حتى تلقي الحرب أوزار أهلها . وقيل : معنى ذلك : حتى يضع المحارب أوزاره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { حتى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزَارَها } قال : حتى يخرج عيسى ابن مريم ، فيسلم كلّ يهوديّ ونصرانيّ وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب ، ولا تقرض فأرة جِراباً ، وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، ذلك ظهور الإسلام على الدين كله ، وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دماً إذا وضعها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } حتى لا يكون شرك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } قال : حتى لا يكون شرك . ذكر من قال : عُنِي بالحرب في هذا الموضع : المحاربون . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } قال الحرب : من كان يقاتلهم سماهم حرباً . وقوله : { ذلكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ } يقول تعالى ذكره : هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب ، وشدّهم وثاقاً بعد قهرهم ، وأسرهم ، والمنّ والفداء { حتى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزَارَها } هو الحقّ الذي ألزمكم ربكم ولو يشاء ربكم ، ويريد لانتصر من هؤلاء المشركين الذين بين هذا الحكم فيهم بعقوبة منه لهم عاجلة ، وكفاكم ذلك كله ، ولكنه تعالى ذكره كره الانتصار منهم ، وعقوبتهم عاجلاً إلا بأيديكم أيها المؤمنون { لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } يقول : ليختبركم بهم ، فيعلم المجاهدين منكم والصابرين ، ويبلوهم بكم ، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم ، ويتعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحقّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ } إي والله بجنوده الكثيرة كلّ خلقه له جند ، ولو سلط أضعف خلقه لكان جنداً . وقوله : « وَالَّذِينَ قاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ » اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة « وَالَّذِينَ قاتَلُوا » بمعنى : حاربوا المشركين ، وجاهدوهم ، بالألف وكان الحسن البصري فيما ذُكر عنه يقرأه « قُتِّلُوا » بضم القاف وتشديد التاء ، بمعنى : أنه قتلهم المشركون بعضهم بعد بعض ، غير أنه لم يسمّ الفاعلون . وذُكر عن الجحدريّ عاصم أنه كان يقرأه « وَالَّذِينَ قَتَلُوا » بفتح القاف وتخفيف التاء ، بمعنى : والذين قتلوا المشركون بالله . وكان أبو عمرو يقرأه « قُتِلُوا » بضم القاف وتخفيف التاء بمعنى : والذين قتلهم المشركون ، ثم أسقط الفاعلين ، فجعلهم لم يسمّ فاعل ذلك بهم . وأولى القراءات بالصواب قراءة من قرأه « وَالَّذِينَ قاتَلُوا » لاتفاق الحجة من القرّاء ، وإن كان لجميعها وجوه مفهومة . وإذ كان ذلك أولى القراءات عندنا بالصواب ، فتأويل الكلام : والذين قاتلوا منكم أيها المؤمنون أعداء الله من الكفار في دين الله ، وفي نصرة ما بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدى ، فجاهدوهم في ذلك { فَلَنْ يُضِلَّ أعمالَهُمْ } فلن يجعل الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا ضلالاً عليهم كما أضلّ أعمال الكافرين . وذُكر أن هذه الآية عُنِي بها أهل أُحد . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعمالَهُمْ } ذُكر لنا أن هذه الآية أُنزلت يوم أُحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعْب ، وقد فَشَت فيهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون يومئذٍ : أُعْلُ هُبَلْ ، فنادى المسلمون : الله أعلى وأجلّ ، فنادى المشركون : يوم بيوم ، إن الحرب سجال ، إن لنا عُزَّى ، ولا عُزَّى لكم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُ مَوْلانا وَلا مَوْلَى لَكْمُ . إنَّ القَتْلَى مُخْتَلِفَةٌ ، أمَّا قَتْلانا فأَحْياءٌ يُرْزَقُونَ ، وأمَّا قَتْلاكُمْ فَفِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ " حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعمالَهُمْ } قال : الذين قُتلوا يوم أُحد .