Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 20-21)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ } أيها القوم { مَغانِمَ كَثِيرَةً تأْخُذُونَها } . اختلف أهل التأويل في هذه المغانم التي ذكر الله أنه وعدها هؤلاء القوم أيّ المغانم هي ، فقال بعضهم : هي كل مغنم غنمها الله المؤمنين به من أموال أهل الشرك من لدن أنزل هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثيرَةً تَأْخُذُونَها } قال : المغانم الكثيرة التي وعدوا : ما يأخذونها إلى اليوم . وعلى هذا التأويل يحتمل الكلام أن يكون مراداً بالمغانم الثانية المغانمَ الأولى ، ويكون معناه عند ذلك ، فأثابهم فتحاً قريباً ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وعدكم الله أيها القوم هذه المغانم التي تأخذونها ، وأنتم إليها واصلون عدة ، فجعل لكم الفتح القريب من فتح خيبر . ويُحتمل أن تكون الثانية غير الأولى ، وتكون الأولى من غنائم خيبر ، والغنائم الثانية التي وعدهموها من غنائم سائر أهل الشرك سواهم . وقال آخرون : هذه المغانم التي وعد الله هؤلاء القوم هي مغانم خيبر . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها } قال : يوم خيبر ، قال : كان أبي يقول ذلك . وقوله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم ، فقال جماعة : غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } قال : عجل لكم خيبر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } وهي خيبر . وقال آخرون : بل عنى بذلك الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } قال : الصلح . وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ما قاله مجاهد ، وهو أن الذي أثابهم الله من مسيرهم ذلك مع الفتح القريب المغانم الكثيرة من مغانم خيبر ، وذلك أن المسلمين لم يغنموا بعد الحديبية غنيمة ، ولم يفتحوا فتحاً أقرب من بيعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية إليها من فتح خيبر وغنائمها . وأما قوله : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً } فهي سائر المغانم التي غنمهموها الله بعد خيبر ، كغنائم هوازن ، وغطفان ، وفارس ، والروم . وإنما قلنا ذلك كذلك دون غنائم خيبر ، لأن الله أخبر أنه عجَّل لهم هذه التي أثابهم من مسيرهم الذي ساروه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ولما علم من صحة نيتهم في قتال أهلها ، إذ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفرّوا عنه ، ولا شكّ أن التي عجَّلت لهم غير التي لم تُعجَّل لهم . وقوله : { وكَفَّ أيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ } يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وكفّ الله أيدي المشركين عنكم . ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفَّت أيديهم عنهم من هم ؟ فقال بعضهم : هم اليهود كفّ الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وكَفَّ أيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ } : عن بيوتهم ، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر ، وكانت خيبر في ذلك الوجه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وكَفَّ أيْدِي النَّاس عَنْكُمْ } قال : كفّ أيدي الناس عن عيالهم بالمدينة . وقال آخرون : بل عنى بذلك أيدي قريش إذ حبسهم الله عنهم ، فلم يقدروا له على مكروه . والذي قاله قتادة في ذلك عندي أشبه بتأويل الآية ، وذلك أن كفّ الله أيدي المشركين من أهل مكة عن أهل الحُديبية قد ذكره الله بعد هذه الآية في قوله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وأيْدِيَكُم عَنْهُمْ بِبَطْن مَكَّةَ } فعلم بذلك أن الكفّ الذي ذكره الله تعالى في قوله : { وكَفَّ أيْدِيِ النَّاسِ عَنْكُمْ } غير الكفّ الذي ذكر الله بعد هذه الآية في قوله : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُم عَنْكُمْ وأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْن مَكَّةَ } وقوله : { وَلِتَكُونَ آيَةً للْمُؤْمِنِينَ } يقول : وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم ، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحُسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته ، منتهين إلى أمره ونهيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } يقول : وذلك آية للمؤمنين ، كفّ أيدي الناس عن عيالهم { ويَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً } يقول : ويسدّدكم أيها المؤمنون طريقاً واضحاً لا اعوجاج فيه ، فيبينه لكم ، وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم ، فتتوكلوا عليه في جميعها ، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ، فقد رأيتم أثر فعل الله بكم ، إذ وثقتم في مسيركم هذا . وقوله : { وأُخْرَى لم تَقْدِروا عليها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِهَا } يقول تعالى ذكره ووعدكم أيها القوم ربكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا على فتحها ، قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها لكم . واختلف أهل التأويل في هذه البلدة الأخرى ، والقرية الأخرى التي وعدهم فتحها ، التي أخبرهم أنه محيط بها ، فقال بعضهم : هي أرض فارس والروم ، وما يفتحه المسلمون من البلاد إلى قيام الساعة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : ثنا شعبة ، عن سِماك الحنفيّ ، قال : سمعت ابن عباس يقول : { وأُخْرَى لم تَقْدِرُوا عَلَيْها } فارس والروم . قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى أنه قال في هذه الآية : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } قال : فارس والروم . حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا زيد بن حباب ، قال : ثنا شعبة بن الحَجاج ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها } قال : حُدِّث عن الحسن ، قال : هي فارس والروم . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } ما فتحوا حتى اليوم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ، في قوله : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } قال : فارس والروم . وقال آخرون : بل هي خيبر . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها … } الآية ، قال : هي خيبر . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها } يعني خيبر ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ، فقال : " لا تُمَثِّلُوا وَلا تَغُلُّوا ، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيداً " حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها قال : خيبر ، قال : لم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } يعني أهل خيبر . وقال آخرون : بل هي مكة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها } كنا نحدّث أنها مكة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } قال : بلغنا أنها مكة . وهذا القول الذي قاله قتادة أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها ، ومعقولٌ أنه لا يقال لقوم لم يقدروا على هذه المدينة ، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذّرت عليهم ، فأما وهم لم يروموها فتتعذّر عليهم فلا يقال : إنهم لم يقدروا عليها . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان معلوماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه خيبر لحرب ، ولا وجه إليها لقتال أهلها جيشاً ولا سرية ، علم أن المعنيَّ بقوله : { وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها } غيرها ، وأنها هي التي قد عالجها ورامها ، فتعذّرت فكانت مكة وأهلها كذلك ، وأخبر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها ، وأنه فاتحها عليهم ، وكان الله على كلّ ما يشاء من الأشياء ذا قُدرة ، لا يتعذّر عليه شيء شاءه .