Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 28-29)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله : { هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ } الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح ، { وَدِين الحَق } ، وهو الإسلام الذي أرسله داعياً خلقه إليه { لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ } يقول : ليبطل به الملل كلها ، حتى لا يكون دين سواه ، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم ، فيقتل الدجال ، فحينئذٍ تبطل الأديان كلها ، غير دين الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم ، ويظهر الإسلام على الأديان كلها . وقوله : { وكَفَى باللَّهِ شَهِيداً } يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم : أشهدك يا محمد ربك على نفسه ، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به { وكَفَى باللَّهِ شَهِيداً } يقول : وحسبك به شاهداً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو بكر الهُذليّ ، عن الحسن { هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِين الحَقِّ ليُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ وكَفَى شَهِيداً } يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيُظْهِر دينك على الدين كله ، وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، والذين كرهوا الصلح يوم الحُديبية من أصحابه ، أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان ، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن ، بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها ، وقبل طوافهم بالبيت . وقوله : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِين مَعَهُ أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ } يقول تعالى ذكره : محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه ، أشدّاء على الكفار ، غليظة عليهم قلوبهم ، قليلة بهم رحمتهم { رُحَماءُ بَيْنَهُمْ } يقول : رقيقة قلوب بعضهم لبعض ، لينة أنفسهم لهم ، هينة عليهم لهم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ألقى الله في قلوبهم الرحمة ، بعضهم لبعض { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يقول : تراهم ركعاً أحياناً لله في صلاتهم سجداً أحياناً { يبتغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ } يقول : يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدّتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً ، فضلاً من الله ، وذلك رحمته إياهم ، بأن يتفضل عليهم ، فيُدخلهم جنته { وَرِضْوَاناً } يقول : وأن يرضى عنهم ربهم . وقوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ أثَرِ السُّجُودِ } يقول : علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم . ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة ، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد الله العتكي ، عن خالد الحنفي ، قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السجُودِ } قال : يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا ، وهو كقوله : { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ، قال : ثنا أبي ، عن فضيل بن مروزق ، عن عطية ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : مواضع السجود من وجوههم يوم القيامة أشد وجوههم بياضاً . حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا ابن فضيل ، عن فضيل ، عن عطية ، بنحوه . حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن فضيل ، عن عطية ، بنحوه . حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية ، مثله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت شبيباً يقول عن مقاتل بن حيان ، قال : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : النور يوم القيامة . حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا هارون بن إسماعيل ، قال : قال عليّ بن المبارك : سمعت غير واحد عن الحسن ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ منْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : بياضاً في وجوههم يوم القيامة . وقال آخرون : بل ذلك سيما الإسلام وسَمْته وخشوعه ، وعنى بذلك أنه يرى من ذلك عليهم في الدنيا ذكر من قال ذلك : حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } قال : السَّمُت الحَسَن . قال : ثنا مجاهد ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا الحسن بن عُمارة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : أما إنه ليس بالذي تَرَوْن ، ولكنه سيما الإسلام وسَحْنته وسَمْته وخشوعه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد { سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : الخشوع والتواضع . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، مثله . قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : الخشوع . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في هذه الآية { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : السَّحنْة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : هو الخشوع ، فقلت : هو أثر السجود ، فقال : إنه يكون بين عينيه مثل ركبة العَنْز ، وهو كما شاء الله . وقال آخرون : ذلك أثر يكون في وجوه المصلين ، مثل أثر السَّهَر ، الذي يظهر في الوجه مثل الكَلَف والتهيج والصفرة ، وما أشبه ذلك مما يظهره السهر والتعب في الوجه ، ووجهوا التأويل في ذلك إلى أنه سيما في الدنيا . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن { سِيماهُمْ في وجُوُهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : الصفرة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : زعم الشيخ الذي كان يقصّ في عُسر ، وقرأ { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } فزعم أنه السَّهَر يُرى في وجوههم . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يعقوب القُمِّيّ ، عن حفص ، عن شَمِر بن عَطية ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } قال : تهيُّج في الوجه من سهر الليل . وقال آخرون : ذلك آثار ترى في الوجه من ثَرَى الأرض ، أو نَدَى الطَّهُّور . ذكر من قال ذلك : حدثنا حَوْثرة بن محمد المِنقري ، قال : ثنا حماد بن مسعدة وحدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير جميعاً عن ثعلبة بن سهيل ، عن جعفر بن أبي المُغيرة ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : ثَرى الأرض ، ونَدى الطَّهُور . حدثنا ابن سنان القزّاز ، قال : ثنا هارون بن إسماعيل ، قال : ثنا عليّ بن المبارك ، قال : ثنا مالك بن دينار ، قال : سمعت عكرِمة يقول : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال : هو أثر التراب . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود ، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت . وإذ كان ذلك كذلك ، فذلك على كلّ الأوقات ، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام ، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته ، وآثار أداء فرائضه وتطوّعه ، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به ، وذلك الغرّة في الوجه والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء ، وبياض الوجوه من أثر السجود . وبنحو الذي قلنا في معنى السيما قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } يقول : علامتهم أو أعلمتهم الصلاة . وقوله : { ذلكَ مَثَلَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } يقول : هذه الصفة التي وصفت لكم من صفة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين معه صفتهم في التوراة . وقوله : { وَمَثَلُهُمْ في الإنجِيلِ كَزَرْع أخْرَجَ شَطْأَهُ } يقول : وصفتهم في إنجيل عيسى صفة زرع أخرج شطأه ، وهو فراخه ، يقال منه : قد أشطأ الزرع : إذا فرَّخ فهو يشطىء إشطاء ، وإنما مثلهم بالزرع المشطىء ، لأنهم ابتدأوا في الدخول في الإسلام ، وهم عدد قليلون ، ثم جعلوا يتزايدون ، ويدخل فيه الجماعة بعدهم ، ثم الجماعة بعد الجماعة ، حتى كثر عددهم ، كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه ، ثم الفرخ بعده حتى يكثر وينمى . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } أصحابه مثلهم ، يعني نعتهم مكتوباً في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق السموات والأرض . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد ، عن الضحاك { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ … } إلى قوله : { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } ثم قال : { وَمَثَلهُمْ في الإنجيل كَزَرْعَ أخْرَجَ شَطْأَهُ … } الآية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ذلك { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } : أي هذا المثل في التوراة { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ } فهذا مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شطأَهُ } . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { سيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاة } يعني السيما في الوجوه مثلهم في التوراة ، وليس بمَثَلهم في الإنجيل ، ثم قال عزّ وجلّ : { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ … } الآية ، هذا مثلهم في الإنجيل . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ } . حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك في قول الله : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ … } الآية ، قال : هذا مثلهم في التوراة ، ومثل آخر في الإنجيل { كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فآزَرَهُ } الآية . وقال آخرون : هذان المَثَلان في التوراة والإنجيل مثلهم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } والإنجيل واحد . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : مثلهم في التوراة ، غير مثَلهم في الإنجيل ، وإن الخبر عن مَثلهم في التوراة متناهٍ عند قوله : { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } وذلك أن القول لو كان كما قال مجاهد من أن مثلهم في التوراة والإنجيل واحد ، لكان التنزيل : ومثلهم في الإنجيل ، وكزرع أخرج شطأه ، فكان تمثيلهم بالزرع معطوفاً على قوله : { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } حتى يكون ذلك خبراً عن أن ذلك مَثلهم في التوراة والإنجيل ، وفي مجيء الكلام بغير واو في قوله : { كَزَرْعٍ } دليل بَيِّن على صحة ما قُلنا ، وأن قولهم { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ } خبر مبتدأ عن صفتهم التي هي في الإنجيل دون ما في التوراة منها . وبنحو الذي قلنا في قوله { أخْرَجَ شَطْأَهُ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال : بينا عبد الله يقرىء رجلاً عند غروب الشمس ، إذ مرّ بهذه الآية { كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ } قال : أنتم الزرع ، وقد دنا حصادكم . قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن حُميد الطويل ، قال : قرأ أنس بن مالك : { كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ } قال : تدرون ما شطأه ؟ قال : نباته . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ } قال : سنبله حين يتسلع نباته عن حباته . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ } قال : هذا مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل ، قيل لهم : إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع ، منهم قوم يأمرون بالمعروف ، وينهوّن عن المنكر . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والزهريّ { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قالا : أخرج نباته . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، يكونون قليلاً ، ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أولاده ، ثم كثرت أولاده . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قال : ما يخرج بجنب الحقلة فيتمّ وينمى . وقوله : { فآزرَهُ } يقول : فقوّاه : أي قوّى الزرعَ شطأه وأعانه ، وهو من المؤازرة التي بمعنى المعاونة { فاسْتَغْلَظَ } يقول : فغلظ الزرع { فاسْتَوَى على سُوقِهِ } والسوق : جمع ساق ، وساق الزرع والشجر : حاملته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، { فآزَرَهُ } يقول : نباته مع التفافه حين يسنبل { ذلكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ } فهو مثل ضربه لأهل الكتاب إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع فيبلغ فيهم رجال يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ثم يغلظون ، فهم أولئك الذين كانوا معهم . وهو مَثل ضربه الله لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول : بعث الله صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم اجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به ، ثم يكون القليل كثيراً ، ويستغلظون ، ويغيظ الله بهم الكفار . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله { فآزَرَهُ } قال : فشدّه وأعانه . وقوله : { عَلى سُوقِهِ } قال : أصوله . حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والزهري { فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظ فاسْتَوَى عَلى سُوقِهِ } يقول : فتلاحق . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فآزَرَهُ } اجتمع ذلك فالتفّ قال : وكذلك المؤمنون خرجوا وهم قليل ضعفاء ، فلم يزل الله يزيد فيهم ، ويؤيدهم بالإسلام ، كما أيَّد هذا الزرع بأولاده ، فآزره ، فكان مثلاً للمؤمنين . حدثني عمرو بن عبد الحميد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوَى عَلى سُوقِهِ } يقول : حبُّ برّ نُثِرَ متفرّقاً ، فتنبت كلّ حبة واحدة ، ثم أنبتت كلّ واحدة منها ، حتى استغلظ فاستوى على سوقه قال : يقول : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قليلاً ، ثم كثروا ، ثم استغلظوا { لِيَغِيظَ } الله { بِهِمُ الكُفَّارَ } . وقوله : { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ } يقول تعالى ذكره : يعجب هذا الزرعُ الذي استغلظ فاستوى على سوقه في تمامه وحُسن نباته ، وبلوغه وانتهائه الذين زرعوه { لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ } يقول : فكذلك مَثل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واجتماع عددهم حتى كثروا ونموا ، وغلظ أمرهم كهذا الزرع الذي وصف جلّ ثناؤه صفته ، ثم قال : { لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارِ } فدلّ ذلك على متروك من الكلام ، وهو أن الله تعالى فعل ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغيظ بهم الكفار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ } يقول الله : مثلهم كمثل زرع أخرج شطأه فآزَره ، فاستغلظ ، فاستوى على سوقه ، حتى بلغ أحسن النبات ، يُعْجِب الزرّاع من كثرته ، وحُسن نباته . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُعْجِبُ الزرّاع } قال : يعجب الزرّاع حُسنه { لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ } بالمؤمنين ، لكثرتهم ، فهذا مثلهم في الإنجيل . وقوله : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَملُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وأجْراً عَظِيماً } يقول تعالى ذكره : وعد الله الذين صدّقوا الله ورسوله { وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ } يقول : وعملوا بما أمرهم الله به من فرائضه التي أوجبها عليهم . وقوله : { مِنْهُمْ } يعني : من الشطء الذي أخرجه الزرع ، وهم الداخلون فِي الإسلام بعد الزرع الذي وصف ربنا تبارك وتعالى صفته . والهاء والميم في قوله { مِنْهُمْ } عائدة على معنى الشطء لا على لفظه ، ولذلك جمع فقيل : « منهم » ، ولم يقل « منه » . وإنما جمع الشطء لأنه أريد به من يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة بعد الجماعة الذين وصف الله صفتهم بقوله : { وَالَّذِين مَعَهُ أشِدَّاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُم رُكَّعاً سُجَّداً } . وقوله { وَمَغْفِرَةً } يعني : عفواً عما مضى من ذنوبهم ، وسيء أعمالهم بحسنها . وقوله : { وأجْراً عَظيماً } يعني : وثواباً جزيلاً ، وذلك الجنة .