Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : لقد صدق الله رسوله محمداً رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين ، لا يخافون أهل الشرك ، مقصِّراً بعضهم رأسه ، ومحلِّقاً بعضهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شاءَ اللَّهِ آمِنِينَ } قال هو دخول محمد صلى الله عليه وسلم البيت والمؤمنون ، محلقين رؤوسهم ومقصرين . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { الرُّؤْيا بالحَقّ } قال : أُرِيَ بالحدُيبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين ، فقال أصحابه حين نحر بالحُديبية : أين رؤيا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطوف بالبيت وأصحابه ، فصدّق الله رؤياه ، فقال : { لَتَدْخُلُنَّ المَسّجِدَ الحَرَام إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ … } حتى بلغ { لا تَخافُونَ } . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } قال : أُرِيَ في المنام أنهم يدخلون المسجد الحرام ، وأنهم آمنون محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ … } إلى آخر الآية . قال : قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إنّي قَدْ رأيْتُ أنَّكُمْ سَتَدْخُلُونَ المَسْجِدَ الحَرَام مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ " فلما نزل بالحُديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك ، فقالوا : أين رؤياه ؟ فقال الله { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ } فقرأ حتى بلغ { وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ } إني لم أره يدخلها هذا العام ، وليكوننّ ذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بالحَقّ … } إلى قوله : { إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أُرِيَها أنه سيدخل مكة آمناً لا يخاف ، يقول : محلقين ومقصرين لا تخافون . وقوله : { فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا } يقول تعالى ذكره : فعلم الله جلّ ثناؤه ما لم تعلموا ، وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين ، الذين لم يعلمهم المؤمنون ، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرِّجل ، فأصابتهم منهم معرّة بغير علم ، فردّهم الله عن مكة من أجل ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلمُوا } قال : ردّه لمكان من بين أظهرهم من المؤمنين والمؤمنات ، وأخره ليدخل الله في رحمته من يشاء من يريد أن يهديه . وقوله : { فجَعَلَ مِنْ دُون ذلكَ فَتْحاً قَرِيباً } اختلف أهل التأويل في الفتح القريب ، الذي جعله الله للمؤمنين دون دخولهم المسجد الحرام محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين ، فقال بعضهم : هو الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { مِنْ دُونِ ذلكَ فَتْحاً قَرِيباً } قال : النحر بالحُديبية ، ورجعوا فافتتحوا خَيبر ، ثم اعتمر بعد ذلك ، فكان تصديق رؤياه في السنة القابلة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهريّ ، قوله : { فجعَلَ مِنْ دُونِ ذلكَ فَتْحاً قَرِيباً } يعني : صلح الحُديبية ، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب ، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضاً ، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق { فجعَلَ مِنْ دُونِ ذلكَ فَتْحاً قَرِيباً } قال : صلح الحُديبية . وقال آخرون : عنى بالفتح القريب في هذا الموضع : فتح خيبر . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلكَ فَتْحاً قَرِيباً } قال : خيبر حين رجعوا من الحُديبية ، فتحها الله عليهم ، فقسمها على أهل الحديبية كلهم إلا رجلاً واحداً من الأنصار ، يقال له : أبو دجانة سماك بن خرشة ، كان قد شهد الحُديبية وغاب عن خَيبر . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه جعل لرسوله والذين كانوا معه من أهل بيعة الرضوان فتحاً قريباً من دون دخولهم المسجد الحرام ، ودون تصديقه رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلح الحُديبية وفتح خيبر دون ذلك ، ولم يخصص الله تعالى ذكره خبره ذلك عن فتح من ذلك دون فتح ، بل عمّ ذلك ، وذلك كله فتح جعله الله من دون ذلك . والصواب أن يعمه كما عمه ، فيقال : جعل الله من دون تصديقه رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخوله وأصحابه المسجد الحرام محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين ، لا يخافون المشركين صلح الحُديبية وفتح خيبر .