Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 11-11)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين { عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ } يقول : المهزوء منهم خير من الهازئين { وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ } يقول : ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات ، عسى المهزوء منهنّ أن يكنْ خيراً من الهازئات . واختلف أهل التأويل في السخرية التي نهى الله عنها المؤمنين في هذه الآية ، فقال بعضهم : هي سخرية الغنيّ من الفقير ، نُهِي أن يُسخر من الفقير لفقره . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ } قال : لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنياً ، أو فقيراً ، وإن تفضل رجل عليه بشيء فلا يستهزىء به . وقال آخرون : بل ذلك نهي من الله من ستر عليه من أهل الإيمان أن يسخر ممن كشف في الدنيا ستره منهم . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ } قال : ربما عثر على المرء عند خطيئته عسى أن يكونوا خيراً منهم ، وإن كان ظهر على عثرته هذه ، وسترت أنت على عثرتك ، لعلّ هذه التي ظهرت خير له في الآخرة عند الله ، وهذه التي سترت أنت عليها شرّ لك ، ما يدريك لعله ما يغفر لك قال : فنُهي الرجل عن ذلك ، فقال : { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ } وقال في النساء مثل ذلك . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية ، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ، ولا لذنب ركبه ، ولا لغير ذلك . وقوله : { وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ } يقول تعالى ذكره : ولا يغتب بعضكم بعضاً أيها المؤمنون ، ولا يطعن بعضكم على بعض وقال : { لا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ } فجعل اللامز أخاه لامزاً نفسه ، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره ، وطلب صلاحه ، ومحبته الخير . ولذلك رُوي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المُؤْمِنُونَ كالجَسَدِ الوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بالحُمَّى والسَّهَر " وهذا نظير قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوَالِكُمْ بَيْنَكُمُ بالباطِلِ إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ } بمعنى : ولا يقتل بعضكم بعضاً . وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ } قال : لا تطعنوا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ } يقول : ولا يطعن بعضكم على بعض . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا تَلْمزُوا أنْفُسَكُمْ } يقول : لا يطعن بعضكم على بعض . قوله : { وَلا تَنابَزُوا بالألْقاب } يقول : ولا تداعوا بالألقاب والنبز واللقب بمعنى واحد ، يُجمع النبز : أنبازاً ، واللقب : ألقاباً . واختلف أهل التأويل في الألقاب التي نهى الله عن التنابز بها في هذه الآية ، فقال بعضهم : عنى بها الألقاب التي يكره النبز بها الملقَّب ، وقالوا : إنما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية ، فلما أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضاً بما يكره من أسمائه التي كان يدعى بها في الجاهلية . ذكر من قال ذلك : حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، قال : قال أبو جبيرة بن الضحاك : فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة ، قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دعا الرجل بالاسم ، قلنا : يا رسول الله إنه يغضب من هذا ، فنزلت هذه الآية { وَلا تَنابَزُوا بالألْقاب … } الآية كلها . حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن أبي جُبَيرة بن الضحاك ، قال : كان أهل الجاهلية يسمون الرجل بالأسماء ، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً باسم من تلك الأسماء ، فقالوا : يا رسول الله إنه يغضب من هذا ، فأنزل الله { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، قال : ثني أبو جُبَيرة بن الضحاك ، فذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُليَة ، قال : أخبرنا داود عن الشعبيّ ، قال : ثني أبو جبيرة بن الضحاك ، قال : نزلت في بني سلمة { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان يدعو الرجل ، فتقول أمه : إنه يغضب من هذا ، قال : فنزلت { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } . وقال مرّة : كان إذا دعا باسم من هذا ، قيل : يا رسول الله إنه يغضب من هذا ، فنزلت الآية . وقال آخرون : بل ذلك قول الرجل المسلم للرجل المسلم : يا فاسق ، يا زاني . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، قال : سألت عكرِمة ، عن قول الله { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : هو قول الرجل للرجل : يا منافق ، يا كافر . حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرِمة ، في قوله { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق ، يا منافق . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حصين ، عن عكرِمة { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : يا فاسق ، يا كافر . قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد أو عكرِمة { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : يقول الرجل للرجل : يا فاسق ، يا كافر . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } قال : دُعي رجل بالكفر وهو مسلم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلا تَنابَزُوا بالألْقابِ } يقول للرجل : لا تقل لأخيك المسلم : ذاك فاسق ، ذاك منافق ، نهى الله المسلم عن ذلك وقدّم فيه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَلا تَنابَزُوا بالألْقاب } يقول : لا يقولنّ لأخيه المسلم : يا فاسق ، يا منافق . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا تَنابَزُوا بالألقابِ } قال : تسميته بالأعمال السيئة بعد الإسلام زان فاسق . وقال آخرون : بل ذلك تسمية الرجل الرجل بالكفر بعد الإسلام ، وبالفسوق والأعمال القبيحة بعد التوبة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَلا تَنابَزُوا بالألْقاب بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ … } الآية ، قال : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب منها ، وراجع الحقّ ، فنهى الله أن يُعيَّر بما سلف من عمله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن : كان اليهودي والنصرانيّ يسلم ، فيلقب ، فيقال له : يا يهوديّ ، يا نصراني ، فنهوا عن ذلك . والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب والتنابز بالألقاب : هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة ، وعمّ الله بنهيه ذلك ، ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض ، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه ، أو صفة يكرهها . وإذا كان ذلك كذلك صحّت الأقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها ، ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض ، لأن كلّ ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضاً . وقوله : { بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } يقول تعالى ذكره : ومن فعل ما نهينا عنه ، وتقدّم على معصيتنا بعد إيمانه ، فسخر من المؤمنين ، ولمز أخاه المؤمن ، ونبزه بالألقاب ، فهو فاسق { بِئْسَ الاِسْمْ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } يقول : فلا تفعلوا فتستحقوا إن فعلتموه أن تسموا فساقاً ، بئس الاسم الفسوق ، وترك ذكر ما وصفنا من الكلام ، اكتفاء بدلالة قوله : { بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ } عليه . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثنا به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ { بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } قال : بئس الاسم الفسوق حين تسميه بالفسق بعد الإسلام ، وهو على الإسلام . قال : وأهل هذا الرأي هم المعتزلة ، قالوا : لا نكفره كما كفره أهل الأهواء ، ولا نقول له مؤمن ، كما قالت الجماعة ، ولكنا نسميه باسمه إن كان سارقاً فهو سارق ، وإن كان خائناً سموه خائناً وإن كان زانياً سموه زانياً قال : فاعتزلوا الفريقين أهل الأهواء وأهل الجماعة ، فلا بقول هؤلاء قالوا ، ولا بقول هؤلاء ، فسموا بذلك المعتزلة . فوجه ابن زيد تأويل قوله : { بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } إلى من دعي فاسقاً ، وهو تائب من فسقه ، فبئس الاسم ذلك له من أسمائه … وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام ، وذلك أن الله تقدّم بالنهي عما تقدّم بالنهي عنه في أوّل هذه الآية ، فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدّم على بغيه ، أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهي عنه ، لا أن يخبر عن قُبح ما كان التائب أتاه قبل توبته ، إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح ، فيختم آخرها بالوعيد عليه أو بالقبيح . وقوله : { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } يقول تعالى ذكره : ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب ، أو لمزه إياه ، أو سخريته منه ، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم ، فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } قال : ومن لم يتب من ذلك الفسوق فأولئك هم الظالمون .