Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-12)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، لا تقربوا كثيراً من الظنّ بالمؤمنين ، وذلك أن تظنوا سوءاً ، فإن الظانّ غير محقّ ، وقال جلّ ثناؤه : { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنّ } ولم يقل : الظنّ كله ، إذ كان قد أذِن للمؤمنين أن يظنّ بعضهم ببعض الخير ، فقال : { لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بُأنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ } فأذن الله جلّ ثناؤه للمؤمنين أن يظنّ بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه ، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين . وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثني أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ } يقول : نهى الله المؤمن أن يظنّ بالمؤمن شرّاً . وقوله : { إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } يقول : إن ظنّ المؤمن بالمؤمن الشرّ لا الخير إثم ، لأن الله قد نهاه عنه ، ففعل ما نهى الله عنه إثم . وقوله : { وَلا تَجَسَّسُوا } يقول : ولا يتتبع بعضكم عورة بعض ، ولا يبحث عن سرائره ، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه ، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره ، وبه فاحمدوا أو ذموا ، لا على ما لا تعلمونه من سرائره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا تَجَسَّسُوا } يقول : نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَلا تَجَسَّسُوا } قال : خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا } هل تدرون ما التجسس أو التجسيس ؟ هو أن تتبع ، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرّه . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { وَلا تَجَسَّسُوا } قال : البحث . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا } قال : حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه ، حتى أعرف حقّ هو ، أم باطل ؟ قال : فسماه الله تجسساً ، قال : يتجسس كما يتجسس الكلاب . وقرأ قول الله : { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } وقوله : { ولا يغتب بعضكم بعضاً } يقول : ولا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقول فيه ذلك أن يقال له في وجهه . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ، والأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حدثني يزيد بن مخلد الواسطيّ ، قال : ثنا خالد بن عبد الله الطحان ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة ، فقال : " هُوَ أنْ تَقُولَ لأخِيكَ ما فِيهِ ، فإنْ كُنْتَ صَادِقاً فَقَدِ اغْتَبْتَه ، وَإنْ كُنْتَ كاذِباً فَقَدْ بَهَتَّهُ " حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت العلاء يحدّث ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " هَلْ تَدْرُونَ ما الْغيَّبَةُ " ؟ قال : قالوا الله ورسوله أعلم قال : " ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ " ، قال : أرأيت إن كان في أخي ما أقول له قال : " إنْ كان فِيهِ ما تَقُولُ فَقَد اغْتَبْتَهُ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ " حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سعيد بن الربيع ، قال : ثنا شعبة ، عن العباس ، عن رجل سمع ابن عمر يقول : إذا ذكرت الرجل بما فيه ، فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بَهَتَّه . وقال شعبة مرّة أخرى : وإذا ذكرته بما ليس فيه ، فهي فِرْية قال أبو موسى : هو عباس الجَريريّ : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق قال : إذا ذكرت الرجل بأسوء ما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بَهتَه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : إذا قلت في الرجل أسوء ما فيه فقد اغتبته ، وإذا قلت ما ليس فيه فقد بَهتَه . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال الغيبة : أن يقول للرجل أسوء ما يعلم فيه ، والبهتان : أن يقول ما ليس فيه . حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن كثير بن الحارث ، عن القاسم ، مولى معاوية ، قال : سمعت ابن أمّ عبد يقول : ما التقم أحد لقمة أشرّ من اغتياب المؤمن ، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه ، وإن قال فيه ما لا يعلم فقد بَهَتَه . حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : إذا ذكرت الرجل بما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، قال : سمعت يونس ، عن الحسن أنه قال في الغيبة : أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه من مساوىء أعماله ، فإذا ذكرته بما ليس فيه فذلك البهتان . حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا سليمان الشيبانيّ ، قال : ثنا حسان بن المخارق أن امرأة دخلت على عائشة فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أي أنها قصيرة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اغْتَبْتِيها " حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : لو مرّ بك أقطع ، فقلت : ذاك الأقطع ، كانت منك غيبة قال : وسمعت معاوية بن قرة يقول ذلك . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت معاوية بن قُرة يقول : لو مرّ بك رجل أقطع ، فقلت له : إنه أقطع كنت قد اغتبته ، قال : فذكرت ذلك لأبي إسحاق الهمداني فقال : صدق . حدثني جابر بن الكرديّ ، قال : ثنا ابن أبي أويس ، قال : ثني أخي أبو بكر ، عن حماد بن أبي حميد ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة أن رجلاً قام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأوا في قيامه عجزاً ، فقالوا : يا رسول الله ما أعجز فلاناً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكَلْتُمْ أخاكُمْ وَاغْتَبْتُمُوه " حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا حبان بن علي العنزيّ عن مثنى بن صباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن معاذ بن جبل ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر القوم رجلاً ، فقالوا : ما يأكل إلا ما أطعم ، وما يرحل إلا ما رحل له ، وما أضعفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغْتَبْتُمْ أخاكُمْ " ، فقالوا يا رسول الله وغيبته أن نحدّث بما فيه ؟ قال : " بحَسْبِكُمْ أنْ تُحَدّثُوا عَنْ أخِيكُمْ ما فِيهِ " حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا خالد بن محمد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا ذَكَرْتَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ فإنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كنا نحدّث أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه ، وتعيبه بما فيه ، وإن كذبت عليه فذلك البهتان . وقوله { أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } يقول تعالى ذكره للمؤمنين أيحبّ أحدكم أيها القوم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته ميتاً ، فإن لم تحبوا ذلك وكرهتموه ، لأن الله حرّم ذلك عليكم ، فكذلك لا تحبوا أن تغتابوه في حياته ، فاكرهوا غيبته حياً ، كما كرهتم لحمه ميتاً ، فإن الله حرّم غيبته حياً ، كما حرّم أكل لحمه ميتاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً } قال : حرّم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء ، كما حرّم المَيْتة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً } قالوا : نكره ذلك ، قال : فكذلك فاتقوا الله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } يقول : كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها ، فكذلك فاكره غِيبته وهو حيّ . وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } يقول تعالى ذكره : فاتقوا الله أيها الناس ، فخافوا عقوبته بانتهائكم عما نهاكم عنه من ظنّ أحدكم بأخيه المؤمن ظنّ السوء ، وتتبع عوراته ، والتجسس عما ستر عنه من أمره ، واغتيابه بما يكرهه ، تريدون به شينه وعيبه ، وغير ذلك من الأمور التي نهاكم عنها ربكم إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ يقول : إن الله راجع لعبده إلى ما يحبه إذا رجع العبد لربه إلى ما يحبه منه ، رحيم به بأن يعاقبه على ذنب أذنبه بعد توبته منه . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً } فقرأته عامة قرّاء المدينة بالتثقيل « مَيِّتاً » ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة { مَيْتاً } بالتخفيف ، وهما قراءتان عندنا معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .