Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : يوم يجمع الله الرسل ، فيقول ماذا أجبتم ، إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ وقيل : إن الله قال هذا القول لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإذْ قالَ اللَّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللَّهِ } قال : لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه ، قالت النصارى ما قالت ، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك ، فسأله عن قوله ، فـ { قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } … إلى قوله : { وأنْتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ } وقال آخرون : بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال : والناس يسمعون ، فراجعه بما قد رأيت ، وأقرّ له بالعبودية على نفسه ، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان يقول باطلاً . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة ، قال : { قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } فأرعدت مفاصله ، وخشي أن يكون قد قال ، فـ { قَالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } … الآية . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } متى يكون ذلك ؟ قال : يوم القيامة ، ألا ترى أنه يقول : { هَذَا يَومُ يَنْفَعُ الصَّادقِينَ صِدْقُهُمْ } فعلى هذا التأويل الذي تأوّله ابن جريج يجب أن يكون « وإذْ » بمعنى « وإذا » ، كما قال في موضع آخر : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا ، بمعنى : يفزعون . وكما قال أبو النجم : @ ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا إذْ جَزَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلاليِّ العُلا @@ والمعنى : إذا جزى . وكما قال الأسود : @ فالآنَ إذْ هازَلْتُهُنَّ فإنَّمَا يَقُلْنْ ألا لم يذْهَبِ الشَّيخُ مَذْهَبا @@ بمعنى : إذا هازلتهنّ . وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا ، وجَّه تأويل الآية إلى : { فَمَنْ يَكْفُرْ بعدُ مِنْكُمْ فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالِمينَ } في الدنيا وأعذّبه أيضاً في الآخرة ، { إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } . وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك ، قول من قال بقول السدّيّ : وهو أن الله تعالى قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه ، وأن الخبر خبر عما مضى لعلتين : إحداهما : أن « إذ » إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها الماضي من الفعل ، وإن كانت قد تدخلها أحياناً في موضع الخبر عما يحدث إذا عرف السامعون معناها وذلك غير فاشٍ ولا فصيح في كلامهم ، فتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر . والأخرى : أن عيسى لم يشكّ هو ولا أحد من الأنبياء أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه ، فيجوز أن يتوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيباً لربه تعالى : { إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } فإن قال قائل : وما كان وجه سؤال الله عيسى : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك ؟ قيل : يحتمل ذلك وجهين من التأويل : أحدهما : تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيه ، كما يقول القائل لآخر : أفعلت كذا وكذا ؟ مما يعلم المقول له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له : « أفعلته » على وجه النهي عن فعله والتهديد له فيه . والآخر : إعلامه أن قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده وبدّلوا دينهم بعده ، فيكون بذلك جامعاً إعلامه حالهم بعده وتحذيره له قيله . وأما تأويل الكلام : فإنه : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ، أي معبودين تعبدونهما من دون الله ؟ قال عيسى : تنزيهاً لك يا ربّ وتعظيماً أن أفعل ذلك أو أتكلم به ، ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ يقول : ليس لي أن أقول ذلك لأني عبد مخلوق وأمي أمة لك ، فهل يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية ؟ { إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } يقول : إنك لا يخفى عليك شيء ، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمرهم به . القول في تأويل قوله تعالى : { تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } يقول تعالى ذكره مخبراً عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرة من النصارى أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به ، فقال : { سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } ثم قال : { تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي } يقول : إنك يا ربّ لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطلق به ولم أظهره بجوارحي ، فكيف بما قد نطقت به وأظهرته بجوارحي ؟ يقول : لو كنت قد قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله كنت قد علمته ، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به فكيف بما قد نطقت به . { وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ } يقول : ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه ، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه { إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } يقول : إنك أنت العالم بخفيات الأمور التي لا يطلع عليها سواك ولا يعلمها غيرك .