Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول عزّ ذكره : وأخذنا من النصارى الـميثاق علـى طاعتـي وأداء فرائضي واتبـاع رسلـي والتصديق بهم ، فسلكوا فـي ميثاقـي الذي أخذته علـيهم منهاج الأمة الضالة من الـيهود ، فبدّلوا كذلك دينهم ونقضوا نقضهم وتركوا حظهم من ميثاقـي الذي أخذته علـيهم بـالوفـاء بعهدي وضيعوا أمري . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إنَّا نَصَارَى أخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِـمَّا ذُكَّرُوا بِهِ } : نسوا كتاب الله بـين أظهرهم ، وعهد الله الذي عهده إلـيه ، وأمر الله الذي أمرهم به . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : قالت النصارى مثل ما قالت الـيهود ، ونسوا حظًّا مـما ذكِّروا به . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ } . يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ } : حرشنا بـينهم وألقـينا ، كما تُغزي الشيءَ بـالشيء . يقول جلّ ثناؤه : لـما ترك هؤلاء النصارى الذين أخذت ميثاقهم بـالوفـاء بعهدي حظهم ، مـما عهدت إلـيهم من أمري ونهيـي ، أغريت بـينهم العداوة والبغضاء . ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة إغراء الله بـينهم العداوة والبغضاء ، فقال بعضهم : كان إغراؤه بـينهم بـالأهواء التـي حدثت بـينهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيـم النـخعي فـي قوله : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ } قال : هذه الأهواء الـمختلفة ، والتبـاغض فهو الإغراء . حدثنا سفـيان بن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن العوّام بن حوشب ، قال : سمعت النـخعي يقول : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ } قال : أغرى بعضهم ببعض بخصومات بـالـجدال فـي الدين . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي هشيـم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن إبراهيـم النـخعي والتـيـمي ، قوله : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ } قال : ما أرى الإغراء فـي هذه الآية إلا الأهواء الـمختلفة . وقال معاوية بن قرة : الـخصومات فـي الدين تـحبط الأعمال . وقال آخرون : بل ذلك هو العداوة التـي بـينهم والبغضاء . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ } … الآية . إن القوم لـما تركوا كتاب الله ، وعَصَوا رسله ، وضيعوا فرائضه ، وعطلوا حدوده ، ألقـى بـينهم العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة بأعمالهم أعمال السوء ، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ، ما افترقوا ولا تبـاغضوا . وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندنا بـالـحقّ ، تأويـل من قال : أغرى بـينهم بـالأهواء التـي حدثت بـينهم ، كما قال إبراهيـم النـخعي لأن عداوة النصارى بـينهم ، إنـما هي بـاختلافهم فـي قولهم فـي الـمسيح ، وذلك أهواء لا وحي من الله . واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بـالهاء والـميـم اللتـين فـي قوله : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ } فقال بعضهم : عنـي بذلك : الـيهود والنصارى . فمعنى الكلام علـى قولهم وتأويـلهم : فأغرينا بـين الـيهود والنصارى ، لنسيانهم حظًّا مـما ذكِّروا به . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : قال فـي النصارى أيضاً : فنسوا حظًّا مـما ذكِّروا به ، فلـما فعلوا ذلك أغرى الله عزّ وجلّ بـينهم وبـين الـيهود العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلـى يَوْمه القـيامَةِ } قال : هم الـيهود والنصارى . قال ابن زيد : كما تغري بـين اثنـين من البهائم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { فَأغْرَيْنَا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ } قال : الـيهود والنصارى . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هم الـيهود والنصارى ، أغرى الله بـينهم العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة . وقال آخرون : بل عنى الله بذلك : النصارى وحدها . وقالوا : معنى ذلك : فأغرينا بـين النصارى عقوبة لها بنـيسانها حظاً مـما ذكرت به . قالوا : وعلـيها عادت الهاء والـميـم فـي بـينهم دون الـيهود . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع قال : إن الله عزّ ذكره تقدّم إلـى بنـي إسرائيـل أن لا تشتروا بآيات الله ثمناً قلـيلاً ، وعلِّـموا الـحكمة ولا تأخذوا علـيها أجراً . فلـم يفعل ذلك إلا قلـيـل منهم ، فأخذوا الرشوة فـي الـحكم وجاوزوا الـحدود ، فقال فـي الـيهود حيث حكموا بغير ما أمر الله : وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمه القِـيامَةِ وقال فـي النصارى : { فَنَسُوا حَظًّا مِـمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمَ القِـيامةِ } . وأولـى التأويـلـين بـالآية عندي ما قاله الربـيع بن أنس ، وهو أن الـمعنىّ بـالإغراء بـينهم : النصارى فـي هذه الآية خاصة ، وأن الهاء والـميـم عائدتان علـى النصارى دون الـيهود ، لأن ذكر الإغراء فـي خبر الله عن النصارى بعد تقضي خبره عن الـيهود ، وبعد ابتدائه خبره عن النصارى ، فأن لا يكون ذلك معنـياً به إلا النصارى خاصة أولـى من أن يكون معنـياً به الـحزبـان جميعاً لـما ذكرنا . فإن قال قائل : وما العداوة التـي بـين النصارى ، فتكون مخصوصة بـمعنى ذلك ؟ قـيـل : ذلك عداوة النَّسطورية والـيعقوبـية والـملكية النسطورية والـيعقوبـية ، ولـيس الذي قاله من قال معنى بذلك : إغراء الله بـين الـيهود والنصارى ببعيد ، غير أن هذا أقرب عندي وأشبه بتأويـل الآية لـما ذكرنا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِـما كانُوا يَصْنَعُونَ } . يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : اعف عن هؤلاء الذين هموا ببسط أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك ، واصفح فإن الله من وراء الانتقام منهم ، وسينبئهم الله عند ورودهم الله علـيه فـي معادهم بـما كانوا فـي الدنـيا يصنعون من نقضهم ميثاقه ، ونكثهم عهده ، وتبديـلهم كتابه ، وتـحريفهم أمره ونهيه ، فـيعاقبهم علـى ذلك حسب استـحقاقهم .