Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-17)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا ذمّ من الله عزّ ذكره للنصارى والنصرانـية الذين ضلوا عن سبل السلام ، واحتـجاج منه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي فريتهم علـيه بـادعائهم له ولداً ، يقول جلّ ثناؤه : أقسم لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو الـمسيح بن مريـم ، وكفرهم فـي ذلك تغطيتهم الـحقّ فـي تركهم نفـي الولد عن الله جلّ وعزّ ، وادّعائهم أن الـمسيح هو الله فرية وكذبـاً علـيه . وقد بـينا معنى الـمسيح فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قُلْ فَمَنْ يَـمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيئْاً إنْ أرَادَ أنْ يُهْلِكَ الـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَـمَ وأُمَّهُ وَمَنْ فِـي الأرْضِ جَمِيعاً } . يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد للنصارى الذين افتروا علـيّ ، وضلوا عن سواء السبـيـل ، بقـيـلهم : إن الله هو الـمسيح ابن مريـم { مَنْ يَـمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً } يقول : من الذي يطيق أن يدفع من أمر الله جلّ وعزّ شيئاً ، فـيردّه إذا قضاه من قول القائل : ملكت علـى فلان أمره : إذا صار لا يقدرأن ينفذ أمراً إلا به . وقوله : { إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ الـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَـمَ وأُمَّهُ وَمَنْ فـي الأرْضِ جَمِيعاً } يقول : من ذا الذي يقدر أن يردّ من أمر الله شيئاً إن شاء أن يهلك الـمسيح ابْن مريـم بإعدامه من الأرض وإعدام أمه مريـم ، وإعدام جميع من فـي الأرض من الـخـلق جميعاً . يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الـجهلة من النصارى لو كان الـمسيح كما يزعمون أنه هو الله ، ولـيس كذلك لقدَر أن يردّ أمر الله إذا جاءه بـاهلاكه وإهلاك أمه ، وقد أهلك أمه فلـم يقدر علـى دفع أمره فـيها إذ نزل ذلك ، ففـي ذلك لكم معتبر إن اعتبرتـم ، وحجة علـيكم إن عقلتـم فـي أن الـمسيح بشر كسائر بنـي آدم ، وأن الله عزّ وجلّ هو الذي لا يغلب ولا يقهر ولا يردّ له أمر ، بل هو الـحيّ الدائم القـيوم الذي يُحيى ويـميت ، وينشىء ويفنـي ، وهو حيّ لا يـموت . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ولِلّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وما بَـيْنَهُما يَخْـلُقُ ما يَشاءُ } . يعنـي تبـارك وتعالـى بذلك : والله له تصريف ما فـي السموات والأرض وما بـينهما ، يعنـي : وما بـين السماء والأرض ، يهلك من يشاء من ذلك ، ويبقـى ما يشاء منه ، ويوجد ما أراد ، ويعدم ما أحبّ ، لا يـمنعه من شيء أراد من ذلك مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ينفذ فـيهم حكمه ، ويـمضي فـيهم قضاءه ، لا الـمسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه ، لـم يـملك دفع ما أراد به ربه من ذلك . يقول جلّ وعزّ : كيف يكون إلهاً يُعبد من كان عاجزاً عن دفع ما أراد به غيره من السوء ، وغير قادر علـى صرف ما نزل به من الهلاك ؟ بل الإله الـمعبود الذي له ملك كلّ شيء ، وبـيده تصريف كلّ من فـي السماء والأرض وما بـينهما . فقال جلّ ثناؤه : { وَما بَـيْنَهُما } ، وقد ذكر السموات بلفظ الـجمع ، ولـم يقل : وما بـينهنّ ، لأن الـمعنى : وما بـين هذين النوعين من الأشياء ، كما قال الراعي . @ طَرَقاً فَتِلكَ هَمَاهِمِي أقْرِيهِما قُلُصاً لَوَاقِحَ كالقِسِيّ وحُولاً @@ فقال : طرقاً ، مخبراً عن شيئين ، ثم قال : فتلك هما همي ، فرجع إلـى معنى الكلام . وقوله : { يَخْـلُقُ ما يَشاءُ } يقول : جلّ ثناؤه : وينشيء ما يشاء ويوجده ، ويخرجه من حال العدم إلـى حال الوجود ، ولن يقدر علـى ذلك غير الله الواحد القهار ، وإنـما يعنـي بذلك أن له تدبـير السموات والأرض وما بـينهما ، وتصريفه وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مـما هو غير موجود ولا منشأ ، يقول : فلـيس ذلك لأحد سواي ، فكيف زعمتـم أيها الكذبة أن الـمسيح إلـيه ، وهو لا يطيق شيئاً من ذلك ، بل لا يقدر علـى دفع الضرر عن نفسه ، ولا عن أمه ، ولا اجتلاب نفع إلـيها ، إلا بإذنـي . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَاللّهُ علـى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ } . يقول عزّ ذكره : الله الـمعبود هو القادر علـى كلّ شيء ، والـمالك كل شيء ، الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يغلبه شيء طلبه ، الـمقتدر علـى هلاك الـمسيح وأمه ومن فـي الأرض جميعاً ، لا العاجز الذي لا يقدر علـى منع نفسه من ضرّ نزل به من الله ولا منع أمه من الهلاك .