Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قوم من الـيهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول . وقد ذكر عن ابن عبـاس تسمية الذين قالوا ذلك من الـيهود . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت ، قال : ثنـي سعيد بن جبـير ، أو عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبحريّ بن عمرو ، وشأس بن عديّ ، فكلـموه ، فكلّـمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلـى الله وحذّرهم نقمته ، فقالوا : ما تـخوّفنا يا مـحمد ، نـحن والله أبناء الله وأحبـاؤه كقول النصارى ، فأنزل الله جلّ وعزّ فـيهم : { وَقَالَتِ الـيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّه وأحِبَّـاؤُهُ } … إلـى آخر الآية . وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَقالَتِ الـيَهُودُ والنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّهِ وأحبَّـاؤُهُ } أما أبناء الله فإنهم قالوا : إن الله أوحى إلـى إسرائيـل أن ولداً من ولدك أدخـلهم النار فـيكونون فـيها أربعين يوماً حتـى تطهرهم وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد : أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيـل ، فأُخْرجهم . فذلك قوله : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] . وأما النصارى ، فإن فريقاً منهم قال للـمسيح : ابن الله . والعرب قد تـخرج الـخبر إذا افتـخرت مُخْرج الـخبر عن الـجماعة ، وإن كان ما افتـخرت به من فعل واحد منهم ، فتقول : نـحن الأجواد الكرام ، وإنـما الـجواد فـيهم واحد منهم وغير الـمتكلـم الفـاعل ذلك ، كما قال جرير : @ نَدسْنا أبـا مَندوسة القَـيْنَ بـالقَنَا وَما رَدَمٌ من جارِ بَـيْبَةَ ناقعُ @@ فقال : « ندسنا » ، وإنـما النادس : رجل من قوم جرير غيره ، فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن جماعة هو أحدهم . فكذا أخبر الله عزّ ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك علـى هذا الوجه إن شاء الله . وقوله : { وأحِبَّـاؤُهُ } وهو جمع حبـيب ، يقول الله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الكذبة الـمفترين علـى ربهم { فَلِـمَ يُعَذّبُكُمْ رَبُّكُمْ } ؟ يقول : فلأيّ شيء يعذّبكم ربكم بذنوبكم إن كان الأمر كما زعمتـم أنكم أبناؤه وأحبـاؤه ، فإن الـحبـيب لا يعذّب حبـيبه ، وأنتـم مقرّون أنه معذّبكم . وذلك أن الـيهود قالت : إن الله معذّبنا أربعين يوماً عدد الأيام التـي عبدنا فـيه العجل ، ثم يخرجنا جميعاً منها فقال الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : إن كنتـم كما تقولون أبناءُ الله وأحبـاؤه ، فلـم يعذّبكم بذنوبكم ؟ يُعلـمهم عزّ ذكره أنهم أهل فِرية وكذب علـى الله جلّ وعزّ . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { بَلْ أنْتُـمْ بَشَرٌ مِـمَّنْ خَـلَقَ يَغْفِرُ لِـمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يشاءُ } . يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم : لـيس الأمر كما زعمتـم أنكم أبناء الله وأحبـاؤه بل أنتـم بشر مـمن خـلق ، يقول : خـلق من بنـي آدم ، خـلقكم الله مثل سائر بنـي آدم ، إن أحسنتـم جُوزيتـم بإحسانكم كما سائر بنـي آدم مَـجْزِيُّون بإحسانهم ، وإن أسأتـم جوزيتـم بإساءتكم كما غيركم مـجزىّ بها ، لـيس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خـلقه ، فإنه يغفر لـمن يشاء من أهل الإيـمان به ذنوبه ، فـيصفح عنه بفضله ، ويسترها علـيه برحمته ، فلايعاقبه بها . وقد بـينا معنى الـمغفرة فـي موضع غير هذا بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع . { وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ } يقول : ويعدل علـى من يشاء من خـلقه ، فـيعاقبه علـى ذنوبه ، ويفضحه بها علـى رؤوس الأشهاد ، فلا يسترها علـيه ، وإنـما هذا من الله عزّ وجلّ وعيد لهؤلاء الـيهود والنصارى ، الـمتكلـين علـى منازل سلفهم الـخيار عند الله ، الذين فضلهم الله بطاعتهم إياه ، واجتنابهم معصيته ، لـمسارعتهم إلـى رضاه ، واصطبـارهم علـى ما نابهم فـيه . يقول لهم : لا تغتروا بـمكان أولئك منـي ، ومنازلهم عندي ، فإنهم إنـما نالوا منـي بـالطاعة لـي ، وإيثار رضاي علـى مـحابهم ، لا بـالأمانـي ، فجِدّوا فـي طاعتـي ، وانتهوا إلـى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإنـي إنـما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتـي ، وأعذّب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتـي ، لا لـمن قرُبت زلفة آبـائه منـي ، وهو لـي عدوّ ولأمري ونهيـي مخالف . وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : قوله : { يَغْفِرُ لِـمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ } يقول : يهدي منكم من يشاء فـي الدنـيا فـيغفر له ، ويـميت من يشاء منكم علـى كفره فـيعذّبه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ولِلّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ والأرْض وَما بَـيْنَهُما وإلَـيْهِ الـمَصِيرُ } . يقول : لله تدبـير ما فـي السموات وما فـي الأرض وما بـينهما ، وتصريفه ، وبـيده أمره ، وله ملكه ، يصرّفه كيف يشاء ويدبره كيف أحبه ، لا شريك له فـي شيء منه ولا لأحد معه فـيه ملك ، فـاعلـموا أيها القائلون : نـحن أبناء الله وأحبـاؤه ، أنه إن عذّبكم بذنوبكم ، لـم يكن لكم منه مانع ولا لكم عنه دافع لأنه لا نسب بـين أحد وبـينه فـيحابـيَه لسبب ذلك ، ولا لأحد فـي شيء دونه ملك ، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنبه ، وإليه مصير كل شيء ومرجعه . فـاتقوا أيها الـمفترون عقابه إياكم علـى ذنوبكم بعد مرجعكم إلـيه ، ولا تغترّوا بـالأمانـي وفضائل الآبـاء والأسلاف .