Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول موسى صلى الله عليه وسلم لقومه من بنـي إسرائيـل ، وأمره إياهم عن أمر الله إياه ، يأمرهم بدخول الأرض الـمقدسة . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الأرض التـي عناها بـالأرض الـمقدسة ، فقال بعضهم : عنى بذلك : الطور وما حوله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : الأرض الـمقدسة : الطور وما حوله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي الـحارث بن مـحمد ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، عن مـجاهد ، عن ابن عبـاس : { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَةَ } قال : الطُّور وما حوله . وقال آخرون : هو الشأم . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { الأرْضُ الـمقدّسة } قال : هي الشأم . وقال آخرون : هي أرض أريحاء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَة التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } قال : أريحاء . حدثنـي يوسف بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : هي أريحاء . حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : هي أريحاء . وقـيـل : إن الأرض الـمقدسة : دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ . وعنى بقوله { الـمُقَدَّسَة } : الـمطهرة الـمبـاركة . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { الأرْضَ الـمُقَدَّسَة } قال : الـمبـاركة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، بـمثله . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ، أن يقال : هي الأرض الـمقدسة ، كما قال نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم . لأن القول فـي ذلك بأنها أرض دون أرض ، لا تدرك حقـيقة صحته إلاَّ بـالـخبر ، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به ، غير أنها لن تـخرج من أن تكون من الأرض التـي بـين الفرات وعريش مصر لإجماع جميع أهل التأويـل والسير والعلـماء بـالأخبـار علـى ذلك . ويعنـي بقوله : { التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } : التـي أثبت فـي اللوح الـمـحفوظ أنها لكم مساكن ، ومنازل دون الـجبـابرة التـي فـيها . فإن قال قائل : فكيف قال : { التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } ، وقد علـمت أنهم لـم يدخـلوها بقوله : { فإنَّها مُـحَرَّمَةٌ عَلَـيْهِمْ } ؟ فكيف يكون مثبتاً فـي اللوح الـمـحفوظ أنها مساكن لهم ، ومـحرّماً علـيهم سكناها ؟ قـيـل : إنها كتبت لبنـي إسرائيـل داراً ومساكن ، وقد سكنوها ونزلوها ، وصارت لهم كما قال الله جلّ وعزّ . وإنـما قال لهم موسى : { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَة التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } يعنـي بها : كتبها الله لبنـي إسرائيـل وكان الذين أمرهم موسى بدخولها من بنـي إسرائيـل ولـم يعن صلى الله عليه وسلم أن الله تعالـى ذكره كتبها للذين أمرهم بدخولها بأعيانهم ، ولو قال قائل : قد كانت مكتوبة لبعضهم ، ولـخاصّ منهم ، فأخرج الكلام علـى العموم والـمراد منه الـخاص ، إذ كان يُوشَع وكالب قد دخلا ، وكانا مـمن خوطب بهذا القول ، كان أيضاً وجهاً صحيحاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن إسحاق . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق : { التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } : التـي وهب الله لكم . وكان السديّ يقول : معنى « كتب » فـي هذا الـموضع بـمعنى « أمر » . حدثنا بذلك موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَة التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } : التـي أمركم الله بها . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَلا تَرْتَدُّوا علـى أدْبـارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ } . وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قـيـل موسى علـيه السلام لقومه من بنـي إسرائيـل ، إذ أمرهم عن أمر الله عزّ ذكره إياه بدخول الأرض الـمقدسة ، أنه قال لهم : امضوا أيها القوم لأمر الله الذي أمركم به من دخول الأرض الـمقدسة ، { وَلا تَرْتَدُّوا } يقول : لا ترجعوا القهقري مرتدين { علـى أدْبَـارِكُمْ } يعنـي : إلـى ورائكم ، ولكن امضوا قدماً لأمر الله الذي أمركم به من الدخول علـى القوم الذين أمركم الله بقتالهم والهجوم علـيهم فـي أرضهم ، وأن الله عزّ ذكره قد كتبها لكم مسكناً وقراراً . ويعنـي بقوله : { فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ } : أنكم تنصرفوا خائبـين هكذا . وقد بـينا معنى الـخسارة فـي غير هذا الـموضع بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع . فإن قال قائل : وما كان وجه قـيـل موسى لقومه إذ أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة لا ترتدّوا علـى أدْبـارِكُمْ فتنقلبوا خاسرين ؟ أو يستوجب الـخسارة من لـم يدخـل أرضاً جعلت له ؟ قـيـل : إن الله عزّ ذكره كان أمره بقتال من فـيها من أهل الكفر به وفرض علـيهم دخولها ، فـاستوجب القوم الـخسارة بتركهم . إذا فرض الله علـيهم من وجهين : أحدهما تضيـيع فرض الـجهاد الذي كان الله فرضه علـيهم . والثانـي : خلافهم أمر الله فـي تركهم دخول الأرض ، وقولهم لنبـيهم موسى صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم « ادخـلوا الأرض الـمقدسة » : { إنَّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْها فإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنَّا دَاخِـلُونَ } . وكان قتادة يقول فـي ذلك بـما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا قَوْمِ ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَة التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } أمروا بها كما أمروا بـالصلاة والزكاة والـحجّ والعمرة .