Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب قوم موسى علـيه السلام ، إذا أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة ، أنهم أبوا علـيه إجابة إلـى ما أمرهم به من ذلك ، واعتلُّوا علـيه فـي ذلك بأن قالوا : إن فـي الأرض الـمقدسة التـي تأمرنا بدخولها قوماً جبـارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوّة لنا بهم . وسموهم جبـارين ، لأنهم كانوا بشدّة بطشهم وعظيـم خـلقهم فـيـما ذُكر لنا قد قهروا سائر الأمـم غيرهم . وأصل الـجبـار : الـمصلـح أمر نفسه وأمر غيره ، ثم استعمل فـي كل من اجترّ نفعاً إلـى نفسه بحقّ أو بـاطل طلب الإصلاح لها حتـى قـيـل للـمتعدي إلـى ما لـيس له بغياً علـى الناس وقهراً لهم وعتوًّا علـى ربه : جبـار ، وإنـما هو فعّال من قولهم : جبر فلان هذا الكسر إذا أصلـحه ولأمه ، ومنه قول الراجز : @ قَدْ جَبَرَ الدّينَ الإلَهُ فَجَبَرْ وعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّـى العَوَرْ @@ يريد : قد أصلـح الدين الإله فصلـح ومن أسماء الله تعالـى ذكره الـجبـار ، لأنه الـمصلـح أمر عبـاده القاهر لهم بقدرته . ومـما ذكرته من عظم خـلقهم ما : حدثنـي به موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط عن السديّ فـي قصة ذكرها من أمر موسى وبنـي إسرائيـل ، قال : ثم أمرهم بـالسير إلـى أريحاء ، وهي أرض بـيت الـمقدس ، فساروا حتـى إذا كانوا قريبـاً منهم ، بعث موسى اثنـي عشر نقـيبـاً من جميع أسبـاط بنـي إسرائيـل ، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الـجبـارين ، فلقـيهم رجل من الـجبـارين ، يقال له : عوج ، فأخذ الاثنـي عشر فجعلهم فـي حجزته ، وعلـى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم إلـى امرأته ، فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بـين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلـي ؟ فقالت امرأته : لا ، بل خـلّ عنهم حتـى يخبروا قومهم بـما رأوا ، ففعل ذلك . حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : ثنا سفـيان ، قال : قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : أمِرَ موسى أن يدخـل مدينة الـجبـارين ، قال : فسار موسى بـمن معه حتـى نزل قريبـاً من الـمدينة ، وهي أريحاء . فبعث إلـيهم اثنـي عشر عيناً ، من كلّ سبط منهم عيناً ، لـيأتوه بخبر القوم . قال : فدخـلوا الـمدينة ، فرأوا أمراً عظيماً من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخـلوا حائطاً لبعضهم ، فجاء صاحب الـحائط لـيجتنـي الثمار من حائطه ، فجعل يجتنـي الثمار وينظر إلـى آثارهم وتتبعهم ، فكلـما أصاب واحداً منهم أخذه ، فجعله فـي كمه مع الفـاكهة . وذهب إلـى ملكهم فنثرهم بـين يديه ، فقال الـملك : قد رأيتـم شأننا وأمرنا ، اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال : فرجعوا إلـى موسى فأخبروه بـما عاينوا من أمرهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { إنَّ فِـيها قَوْما جَبَّـارِينَ } ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخـلق لـيست لغيرهم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : إن موسى علـيه السلام قال لقومه : إنـي سأبعث رجالاً يأتوننـي بخبرهم وإنه أخذ من كلّ سبط رجلاً ، فكانوا اثنـي عشر نقـيبـاً ، فقال : سيروا إلـيهم وحدثونـي حديثهم وما أمرهم ولا تـخافوا إن الله معكم ما أقمتـم الصلاة ، وآتـيتـم الزكاة ، وآمنتـم برسله ، وعزّرتـموهم ، وأقرضتـم الله قرضاً حسناً . ثم إن القوم ساروا حتـى هجموا علـيهم ، فرأوا أقواماً لهم أجساماً عجبٌ ، عظماً وقوّة ، وأنه فـيـما ذكر أبصرهم أحد الـجبـارين ، وهم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب ، فأخذ ذلك الـجبـار منهم رجالاً ، فأتـى رئيسهم ، فألقاهم قدامه ، فعجبوا وضحكوا منهم ، فقال قائل منهم : إن هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم ، وأنه لولا ما دفع الله عنهم لقتلوا . وإنهم رجعوا إلـى موسى علـيه السلام فحدثوه العجب . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [ المائدة : 12 ] من كلّ سبط من بنـي إسرائيـل رجل أرسلهم موسى إلـى الـجبـارين ، فوجدوهم يدخـل فـي كمّ أحدهم اثنان منهم ، يـلقونهم إلقاء ، ولا يحمل عنقود عنهم إلاَّ خمسة أنفس بـينهم فـي خشبة ، ويدخـل فـي شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حديفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، نـحوه . حدثنـي مـحمد بن الوزير بن قـيس ، عن أبـيه ، عن جويبر ، عن الضحاك : { إنَّ فِـيها قَوْما جَبَّـارِينَ } قال : سِفْلة لا خلاق لهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وإنَّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْها فإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنَّا داخِـلونَ } . وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول قوم موسى لـموسى جوابـاً لقوله لهم : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة : 21 ] فقالوا : { إنَّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْها } يعنون : من الأرض الـمقدسة الـجبـارون الذين فـيها ، جبناً منهم وجزعاً من قتالهم . وقالوا له : إن يخرج منها هؤلاء الـجبـارون دخـلناها ، وإلاَّ فإنا لا نطيق دخولها وهم فـيها ، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، أن كالب بن يوقنا ، أسكت الشعب عن موسى صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : إنا سنعلو الأرض ونرثها ، وإن لنا بهم قوّة . وأما الذين كانوا معه ، فقالوا : لا نستطيع أن نصل إلـى ذلك الشعب من أجل أنهم أجرأ منا . ثم إن أولئك الـجواسيس أخبروا بنـي إسرائيـل الـخبر ، وقالوا : إنا مررنا فـي أرض وأحسسناها ، فإذا هي تأكل ساكنها ، ورأينا رجالها جساماً ، ورأينا الـجبـابرة بنـي الـجبـابرة ، وكنا فـي أعينهم مثل الـجراد . فأرجفت الـجماعة من بنـي إسرائيـل ، فرفعوا أصواتهم بـالبكاء . فبكى الشعب تلك اللـيـلة ، ووسوسوا علـى موسى وهارون ، فقالوا لهما : يا لـيتنا متنا فـي أرض مصر ، ولـيتنا نـموت فـي هذه البرية ولـم يدخـلنا الله هذه الأرض لنقع فـي الـحرب ، فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا غنـيـمة ، ولو كنا قعوداً فـي أرض مصر ، كان خيراً لنا وجعل الرجل يقول لأصحابه : تعالوا نـجعل علـينا رأساً وننصرف إلـى مصر .