Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن الرجلـين الصالـحين من قوم موسى : يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا ، أنهما وفـيا لـموسى بـما عهد إلـيهما من ترك إعلام قومه بنـي إسرائيـل الذين أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة علـى الـجبـابرة من الكنعانـيـين ، بـما رأيا وعاينا من شدة بطش الـجبـابرة وعظم خـلقهم ، ووصفهما الله بأنهما مـمن يخاف الله ويراقبه فـي أمره ونهيه كما : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان . ح ، وحدثنا ابن وكيع ، قال ثنا أبـي ، عن سفـيان . ح ، وحدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفـيان ، عن منصور ، عن مـجاهد ، قال : { رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } قال : كلاب بن يوقنا ويوشع بن نون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو بن أبـي قـيس ، عن منصور ، عن مـجاهد ، قال : { رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } قال : يوشع بن نون ، وكلاب بن يوقنا ، وهما من النقبـاء . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قصة ذكرها ، قال : فرجع النقبـاء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم ، إلاَّ يوشع بن نون ، وكلاب بن يوقنا ، يأمران الأسبـاط بقتال الـجبـارين ومـجاهدتهم ، فعصوهما ، وأطاعوا الآخرين ، فهما الرجلان اللذان أنعم الله علـيهما . حدثنا ابن حميد ، وسفـيان بن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مـجاهد ، مثل حديث ابن بشار ، عن ابن مهدي ، إلاَّ أن ابن حميد قال فـي حديثه : هما من الاثنى عشر نقـيبـاً . حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم ، قال : ثنا إبراهيـم بن بشار ، قال : ثنا سفـيان ، قال : قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عبـاس فـي قصة ذكرها ، قال : فرجعوا يعنـي النقبـاء الاثنـي عشر إلـى موسى ، فأخبروه بـما عاينوا من أمرهم ، فقال لهم موسى : اكتـموا شأنهم ولا تـخبروا به أحداً من أهل العسكرة فإنكم إن أخبرتـموهم بهذا الـخبر فشلوا ولـم يدخـلوا الـمدينة . قال : فذهب كلّ رجل منهم ، فأخبر قريبه وابن عمه ، إلاَّ هذين الرجلـين يوشع بن نون وكلاب بن يوقنا ، فإنهما كتـما ولـم يخبرا به أحداً ، وهما اللذان قال الله : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } … إلـى قوله : { وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 25 ] . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } وهما اللذان كتـماهم : يوشع بن نون فتـى موسى ، وكالوب بن يوقنة ختن موسى . حدثنا سفـيان ، قال : ثنا عبـيد الله ، عن فضيـل بن مرزوق ، عن عطية : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } كالوب ويوشع بن نون فتـى موسى . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } والرجلان اللذان أنعم الله علـيهما من بنـي إسرائيـل : يوشع بن نون ، كالوب بن يوقنة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } ذُكر لنا أن الرجلـين : يوشع بن نون ، وكالب . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : أن موسى قال للنقبـاء لـما رجعوا فحدّثوه العجب : لا تـحدِّثوا أحداً بـما رأيتـم ، إن الله سيفتـحها لكم ويظهركم علـيها من بعد ما رأيتـم وإن القوم أفشوا الـحديث من بنـي إسرائيـل ، فقام رجلان من الذين يخافون أنعم الله علـيهما : كان أحدهما فـيـما سمعنا يوشع بن نون وهو فتـى موسى ، والآخر كالب ، فقالا : ادخـلوا علـيهم البـاب إن كنتـم مؤمنـين . واختلف القرّاء فـي قراءة قوله : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ } . قرأ ذلك قرّاء الـحجاز والعراق والشام : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } بفتـح الـياء من « يخافون » ، علـى التأويـل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفـاً ، أنهما يوشع بن نون وكالب من قوم موسى ، مـمن يخاف الله ، وأنعم علـيهما بـالتوفـيق . وكان قتادة يقول فـي بعض القراءة : « قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما » . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة . ح ، وحدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } فـي بعض الـحروف : « يخافون الله أنعم الله علـيهما » . وهذا أيضاً مـما يدلّ علـى صحة تأويـل من تأوّل ذلك علـى ما ذكرنا عنه أنه قال : يوشع ، وكالب . ورُوي عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرأ ذلك : « قال رَجُلانِ منَ الَّذِينَ يُخافونَ » بضم الـياء « أنعم اللّهُ عَلَـيْهِما » . حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا هشيـم ، عن القاسم بن أبـي أيوب ، ولا نعلـمه أنه سمع منه ، عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرؤها بضم الـياء من : « يُخافُونَ » . وكأنَّ سعيداً ذهب فـي قراءته هذه إلـى أن الرجلـين اللذين أخبر الله عنهما أنهما قالا لبنـي إسرائيـل : ادخـلوا علـيهم البـاب فإذا دخـلتـموه فإنكم غالبون ، كانا من رهط الـجبـابرة ، وكانا أسلـما واتبعا موسى ، فهما من أولاد الـجبـابرة ، الذين يخافهم بنو إسرائيـل وإن كان لهم فـي الدين مخالفـين . وقد حُكِي نـحو هذا التأويـل عن ابن عبـاس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } [ المائدة : 21 ] قال : هي مدينة الـجبـارين ، لـما نزل بها موسى وقومه ، بعث منهم اثنـي عشر رجلاً ، وهم النقبـاء الذين ذكر نعتهم لـيأتوه بخبرهم . فساروا ، فلقـيهم رجل من الـجبـارين ، فجعلهم فـي كسائه ، فحملهم حتـى أتـى بهم الـمدينة ، ونادى فـي قومه ، فـاجتـمعوا إلـيه ، فقالوا : من أنتـم ؟ فقالوا : نـحن قوم موسى ، بعثنا إلـيكم لنأتـيه بخبركم ، فأعطوهم حبة من عنب بوقر الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلـى موسى وقومه ، فقولوا لهم : اقدُروا قدر فـاكهتهم فلـما أتوهم ، قالوا لـموسى : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } وكانا من أهل الـمدينة أسلـما واتبعا موسى وهارون ، فقالا لـموسى : { ادْخُـلُوا عَلَـيْهِمُ البـابَ فإذَا دَخَـلْتُـمُوهُ فَإنَّكُمْ غالِبونَ وَعلى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ } . فعلـى هذه القراءة وهذا التأويـل لـم يكتـم من الاثنى عشر نقـيبـاً أحداً ما أمرهم موسى بكتـمانه بنـي إسرائيـل مـما رأوا وعاينوا من عظم أجسام الـجبـابرة وشدّة بطشهم وعجيب أمورهم ، بل أفشوا ذلك كله . وإنـما القائل للقوم ولـموسى : ادخـلوا علـيهم البـاب ، رجلان من أولاد الذين كان بنو إسرائيـل يخافونهم ويرهبون الدخول علـيهم من الـجبـابرة ، كانا أسلـما وتبعا نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم . وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا ، قراءة من قرأ { مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } لإجماع قرّاء الأمصار عليها وأن ما استفاضت به القراءة عنهم فحجة لايجوز خلافها وما انفرد به الواحد فجائز فـيه الـخطأ والسهو . ثم فـي إجماع الـحجة فـي تأويـلها علـى أنهما رجلان من أصحاب موسى من بنـي إسرائيـل وأنهما يوشع وكلاب ، ما أغنى عن الاستشهاد علـى صحة القراءة بفتـح الـياء فـي ذلك وفساد غيره ، وهو التأويـل الصحيح عندنا لـما ذكرنا من أجماعها علـيه . وأما قوله : { أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } فإنه يعنـي : أنعم الله علـيهما بطاعة الله فـي طاعة نبـيه موسى صلى الله عليه وسلم ، وانتهائهم إلـى أمره ، والانزجار عما زجرهما عنه صلى الله عليه وسلم ، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الـجبـارين إلـى بنـي إسرائيـل الذي حذّر عنه أصحابهما الآخرين الذين كانوا معهما من النقبـاء . وقد قـيـل : إن معنى ذلك : أنعم الل علـيهما بـالـخوف . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا خـلف بن تـميـم ، قال : ثنا إسحاق بن القاسم ، عن سهل ابن علـيّ ، قوله : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } قال : أنعم الله علـيهما بـالـخوف . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، كان الضحاك يقول وجماعة غيره . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنـي عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَـيْهِما } بـالهدى فهداهما ، فكانا علـى دين موسى ، وكانا فـي مدينة الـجبـارين . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ادْخُـلُوا عَلَـيْهِمُ البـابَ فإذَا دَخَـلْتُـمُوهُ فإنَّكُمْ غالِبُونَ } . وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول الرجلـين اللذين يخافـان الله لبنـي إسرائيـل إذ جبنوا وخافوا من الدخول علـى الـجبـارين لـما سمعوا خبرهم ، وأخبرهم النقبـاء الذين أفشوا ما عاينوا من أمرهم فـيهم ، وقالوا : إن فـيها قوماً جبـارين وإنا لن ندخـلها حتـى يخرجوا منها ، فقالا لهم : ادخـلوا علـيهم أيها القوم بـاب مدينتهم ، فإن الله معكم وهو ناصركم ، وإنكم إذا دخـلتـم البـاب غلبتـموهم . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل ، قال : لـما همّ بنو إسرائيـل بـالانصراف إلـى مصر حين أخبرهم النقبـاء بـما أخبروهم من أمر الـجبـابرة ، خرّ موسى وهارون علـى وجوههما سجوداً قدام جماعة بنـي إسرائيـل ، وخرَّق يوشع بن نون وكالب بن يوقنا ثـيابهما ، وكانا من جواسيس الأرض ، وقالا لـجماعة بنـي إسرائيـل : إن الأرض مررنا بها وجسسناها صالـحة رضيها ربنا لنا فوهبها لنا ، وإنها لـم تكن تفـيض لبناً وعسلاً ، ولكن افعلوا واحدة ، لا تعصُوا الله ، ولا تـخشوُا الشعب الذين بها ، فإنهم جبناء ، مدفوعون فـي أيدينا ، إن حاربناهم ذهبت منهم ، وإن الله معنا فلا تـخشوهم . فأراد الجماعة من بنـي إسرائيـل أن يرجموهما بـالـحجارة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنهم بعثوا اثنـي عشر رجلاً ، من كل سبط رجلاً ، عيوناً لهم ، ولـيأتوهم بأخبـار القوم . فأما عشرة فجبَّنوا قومهم وكَرَّهُوا إلـيهم الدخول علـيهم . وأما الرجلان فأمرا قومهما أن يدخـلوها ، وأن يتبعوا أمر الله ، ورغبـا فـي ذلك ، وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { عَلَـيْهِمُ البـابَ } قرية الـجبـارين . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وعلـى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنـينَ } . وهذا أيضاً خبر من الله جلّ وعزّ ، عن قول الرجلـين اللذين يخافـان الله أنهما قالا لقوم موسى يشجعانهم بذلك ، ويرغبـانهم فـي الـمضيّ لأمر الله بـالدخول علـى الـجبـارين فـي مدينتهم : توكلوا أيها القوم علـى الله فـي دخولكم علـيهم ويقولان لهم : ثقوا بـالله فإنه معكم إن أطعتـموه فـيـما أمركم من جهاد عدوّكم . وعنـيا بقولهما { إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ } : إن كنتـم مصدّقـي نبـيكم صلى الله عليه وسلم ، فـيـما أنبأكم عن ربكم من النصرة والظفر علـيهم ، وفـي غير ذلك من إخبـاره عن ربه ، ومؤمنـين بأن ربكم قادر علـى الوفـاء لكم بـما وعدكم من تـمكينكم فـي بلاد عدوّه وعدوّكم .