Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : حرّم الله علـيكم أيها الـمؤمنون الـميتة ، والـميتة : كلّ ما له نَفْس سائلة من دوابّ البرّ وطيره ، مـما أبـاح الله أكلها ، وأهلـيها ووحشيِّها ، فـارقتها روحها بغير تذكية . وقد قال بعضهم : الـميتة : هو كلّ ما فـارقته الـحياة من دوابّ البرّ وطيره بغير تذكية مـما أحلّ الله أكله . وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بـما قلنا فـي ذلك فـي كتابنا : كتاب « لطيف القول فـي الأحكام » . وأما الدم ، فإن الدم الـمسفوح دون ما كان منه غير مسفوح ، لأن الله جلّ ثناؤه قال : { قُلْ لا أجِدُ فـيـما أُوحِيَ إلـيَّ مُـحَرَّما علـى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً أوْ لَـحْمَ خِنْزِيرٍ } فأما ما كان قد صار فـي معنى اللـحم كالكبد والطِّحال ، وما كان فـي اللـحم غير منسفح ، فإن ذلك غير حرام ، لإجماع الـجميع علـى ذلك . وأما قوله : { ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ } فإنه يعنـي : وحرّم علـيكم لـحم الـخنزير ، أهلـيه وبرّيه . فـالـميتة والدم مخرجهما فـي الظاهر مخرج عموم ، والـمراد منهما الـخصوص وأما لـحم الـخنزير ، فإن ظاهره كبـاطنه وبـاطنه كظاهره ، حرام جميعه لـم يخصص منه شيء . وأما قوله { ومَا أهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ } فإنه يعنـي : وما ذكر علـيه غير اسم الله . وأصله من استهلال الصبـيّ وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه ، ومنه إهلال الـمـحرّم بـالـحجّ إذا لَبَّى به ، ومنه قول ابن أحمر : @ يُهلُّ بـالفَرْقَدِ رُكْبـانُها كمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الـمُعْتَـمِرْ @@ وإنـما عنى بقوله : وَما أُهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ : وما ذُبح للآلهة وللأوثان يسمَّى علـيه غير اسم الله . وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل ، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فـيـما مضى فكرهنا إعادته . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } . اختلفت أهل التأويـل فـي صفة الانـخناق الذي عَنَى الله جلّ ثناؤه بقوله { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } . فقال بعضهم بـما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } قال : التـي تُدخِـل رأسَها بـين شعبتـين من شجرة ، فتـختنق فتـموت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، فـي الـمنـخنقة ، قال : التـي تـختنق فتـموت . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } التـي تـموت فـي خِنَاقها . وقال آخرون : هي التـي تُوْثَق فـيقتلها بـالـخناق وثاقها . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } قال : الشاة توثق ، فـيقتلها خناقها ، فهي حرام . وقال آخرون : بل هي البهيـمة من النَّعمَ ، كان الـمشركون يخنقونها حتـى تـموت ، فحرّم الله أكلها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } : التـي تُـخنق فتـموت . حدثنا أنس قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ } : كان أهل الـجاهلـية يخنقون الشاة ، حتـى إذا ماتت أكلوها . وأولـى هذه الأقوال بـالصواب ، قول من قال : هي التـي تـختنق ، إما فـي وِثاقها ، وإما بإدخال رأسها فـي الـموضع الذي لا تقدر علـى التـخـلص منه فتـختنق حتـى تـموت . وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك من غيره ، لأن الـمنـخنقة : هي الـموصوفة بـالانـخناق دون خنق غيرها لها ، ولو كان معنـياً بذلك أنها مفعول بها لقـيـل : والـمخنوقة ، حتـى يكون معنى الكلام ما قالوا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَالـمَوْقُوذَةُ } : يعنـي جلّ ثناؤه بقوله { وَالـمَوْقُوذَةُ } : والـميتة وقـيذاً ، يقال منه : وَقَذَه يَقِذُهِ وَقْذاً : إذا ضربه حتـى أشرف علـى الهلاك ، ومنه قول الفرزدق : @ شَغَّارَةً تقِذُ الفَصِيـلَ برِجْلها فَطَّارَةً لِقَوَادِمِ الأبْكارِ @@ وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { وَالـمَوْقُوذَةُ } قال : الـموقوذة التـي تضرب بـالـخشب حتـى يقذها فتـموت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَالـمَوْقُوذَةُ } كان أهل الـجاهلـية يضربونها بـالعصا ، حتـى إذا ماتت أكلوها . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة فـي قوله : { وَالـمَوْقُوذَةُ } قال : كانوا يضربونها حتـى يقذوها ، ثم يأكلوها . حدثنا الـحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَالـمَوْقُوذَةُ } التـي توقذَ فتـموت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : { الـمَوْقُوذَةُ } : التـي تضرب حتـى تـموت . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَالـمَوْقُوذَةُ } قال : هي التـي تضرب فتـموت . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَالـمَوْقُوذَةُ } : كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بـالـخشب لآلهتهم حتـى يقتلوها فـيأكلوها . حدثنا العبـاس بن الولـيد ، قال : أخبرنـي عقبة بن علقمة ، ثنـي إبراهيـم بن أبـي عبلة ، قال : ثني نعيـم بن سلامة ، عن أبـي عبد الله الصنابحي ، قال : لـيست الـموقوذة إلاَّ فـي مالك ، ولـيس فـي الصيد وقـيذ . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { والـمُتَرَدّيَةُ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وحرّمت علـيكم الـميتة تردّياً من جبل ، أو فـي بئر ، أو غير ذلك . وتردّيها : رميُها بنفسها من مكان عالٍ مشرف إلـى سفله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس : { والـمُتَرَدّيَةُ } قال : التـي تتردّى من الـجبل . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { والـمُتَرَدّيَةُ } : كانت تتردّى فـي البئر فتـموت فـيأكلونها . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { والـمُتَرَدّيَةُ } قال : التـي تردّت فِـي البئر . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ فـي قوله : { والـمُتَرَدّيَةُ } قال : هي التـي تَرَدَّى من الـجبل أو فـي البئر ، فتـموت . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : { والـمُتَرَدّيَةُ } : التـي تَرَدَّى من الـجبل فتـموت . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { والـمُتَرَدّيَةُ } قال : التـي تـخرّ فـي ركيّ أو من رأس جبل فتـموت . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَالنَّطِيحَةُ } . يعنـي بقوله { النَّطِيحَةُ } : الشاة التـي تنطحها أخرى فتـموت من النطاح بغير تذكية ، فحرم الله جلّ ثناؤه ذلك علـى الـمؤمنـين إن لـم يدركوا ذكاته قبل موته . وأصل النطيحة : الـمنطوحة ، صرفت من مفعولة إلـى فعيـلة . فإن قال قائل : وكيف أثبتت الهاء هاء التأنـيث فـيها ، وأنت تعلـم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء فـي نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلـى فعيـل ، إنـما تقول : لـحية دهين ، وعين كحيـل ، وكفّ خضيب ، ولا يقولون كفّ خضيبة ولا عين كحيـلة ؟ قـيـل : قد اختلفت أهل العربـية فـي ذلك ، فقال بعض نـحويـي البصرة : أثبتت فـيها الهاء ، أعنـي فـي النطيحة ، لأنها جعلت كالاسم مثل الطويـلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلـى معنى الناطحة . فتأويـل الكلام علـى مذهبه : وحرمت علـيكم الـميتة نطاحا ، كأنه عنى : وحرّمت علـيكم الناطحة التـي تـموت من نطاحها . وقال بعض نـحويـي الكوفة : إنـما تـحذف العرب الهاء من الفعيـلة الـمصروفة عن الـمفعول إذا جعلتها صفة لاسم ، قد تقدّمها ، فتقول : رأينا كفـاً خضيبـاً وعيناً كحيلاً . فأما إذا حذفت الكفّ والعين والاسم الذي يكون فعيـل نعتاً لها واجتزءوا بفعيـل منها ، أثبتوا فـيه هاء التأنـيث ، لـيعلـم بثبوتها فـيه أنها صفة للـمؤنث دون الـمذكر ، فتقول : رأينا كحيـلة وخضيبة وأكيـلة السبع ، قالوا : ولذلك أدخـلت الهاء فـي النطيحة ، لأنها صفة الـمؤنث ، ولو أسقطت منها لـم يُدْر أهي صفة مؤنث أو مذكر . وهذا القول هو أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب الشائع من أقوال أهل التأويـل ، بأن معنى النطيحة : الـمنطوحة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابـي عبـاس ، قوله : { وَالنَّطيحَة } قال : الشاة تَنْطح الشاة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أحمد الزُّبـيري ، عن قـيس ، عن أبـي إسحاق ، عن أبـي ميسرة ، قال : كان يقرأ : « والـمنطوحة » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَالنَّطِيحَةُ } : الشاتان تنتطحان فتـموتان . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَالنَّطِيحَة } : هي التـي تنطحها الغنـم والبقر فتـموت . يقول : هذا حرام ، لأن ناساً من العرب كانوا يأكلونه . حدثنا بشر ، قال ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { والنَّطِيحَةُ } كان الكبشان ينتطحان ، فـيـموت أحدهما ، فـيأكلونه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : والنَّطِيحَة الكبشان ينتطحان فـيقتل أحدهما الآخر ، فـيأكلونه . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { والنَّطِيحَةُ } قال : الشاة تنطح الشاة فتـموت . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } : وحرّم علـيكم ما أكل السبع غير الـمعلَّـم من الصوائد . وكذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } يقول : ما أخذ السبع . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } يقول : ما أخذ السبع . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } قال : كان أهل الـجاهلـية إذا قتل السبع شيئاً من هذا أو أكل منه ، أكلوا ما بقـي . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أحمد الزبـيري ، عن قـيس ، عن عطاء بن السائب ، عن أبـي الربـيع ، عن ابن عبـاس أنه قرأ : { وأكيـلُ السَّبُعِ } . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } : إلاَّ ما طهرتـموه بـالذبح الذي جعله الله طهوراً . ثم اختلفت أهل التأويـل فـيـما استثنى الله بقوله : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } فقال بعضهم : استثنى من جميع ما سمى الله تـحريـمه ، من قوله { وَما أُهِلَّ لغَيْرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنَّطِيحَةُ وَما أكَلَ السَّبُعُ } . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } يقول : ما أدركت ذكاته من هذا كله ، يتـحرّك له ذنب أو تطرف له عين ، فـاذبح واذكر اسم الله علـيه فهو حلال . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن أشعث ، عن الـحسن : { حُرِّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ والدَّمُ ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ وَما أُهلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنَّطيحَة وَما أكَلَ السَّبُعُ إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } قال الـحسن : أيّ هذا أدركت ذكاته فذكه وكُلْ . فقلت : يا أبـا سعيد كيف أعرف ؟ قال : إذا طَرَفت بعينها أو ضربت بذَنَبها . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } قال : فكلّ هذا الذي سماه الله عزّ وجلّ ههنا ما خلا لـحم الـخنزير إذا أدركت منه عيناً تطرف أو ذنبـاً يتـحرّك أو قائمة تركُض ، فذكيتَه ، فقد أحلّ الله لك ذلك . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } من هذا كله ، فإذا وجدتها تطرف عينها ، أو تـحرك أذنها من هذا كله ، فهي لك حلال . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي هشيـم وعبـاد ، قالا : أخبرنا حجاج ، عن حصين ، عن الشعبـي ، عن الـحارث ، عن علـيّ ، قال : إذا أدركت ذكاة الـموقوذة والـمتردية والنطيحة وهي تـحرّك يداً أو رجلاً فكُلْها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا معمر ، عن إبراهيـم ، قال : إذا أكل السبع من الصيد أو الوقـيذة ، أو النطيحة أو الـمتردية فأدركت ذكاته ، فكُلْ . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مصعب بن سلام التـميـمي ، قال : ثنا جعفر بن مـحمد ، عن أبـيه ، عن علـيّ بن أبـي طالب ، قال : إذا ركضت برجلها أو طَرَفت بعينها أو حرّكت ذنبها ، فقد أجزأ . حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار ، قالا : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنـي ابن طاووس ، عن أبـيه ، قال : إذا ذبحتَ فمصعتْ بذنبها أو تـحرّكت فقدحلت لك . أو قال : فحَسْب . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج بن الـمنهال ، قال : ثنا حماد ، عن حميد ، عن الـحسن ، قال : إذا كانت الـموقوذة تطرف ببصرها ، أو تركض برجلها ، أو تـمصع بذنبها ، فـاذبح وكل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج ، قال : ثنا حماد ، عن قتادة ، بـمثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن ابن جريج ، عن أبـي الزبـير ، أنه سمع عبـيد بن عمير ، يقول : إذا طرفت بعينها ، أو مصعت بذنبها ، أو تـحرّكت ، فقد حلت لك . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان أهل الـجاهلـية يأكلون هذا ، فحرّم الله فـي الإسلام إلا ما ذكي منه ، فما أدرك فتـحرّك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي ، فهو حلال . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلـحْمُ الـخَنْزِيرِ } وقوله : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدّيَةُ والنَّطِيحَةُ } … الآية ، { وَما أكَلَ السَّبُعُ إلاَّ ما ذكيَّتْـمْ } هذا كله مـحرّم ، إلا ما ذكي من هذا . فتأويـل الآية علـى قول هؤلاء : حرّمت الـموقوذة والـمتردية إن ماتت من التردّي والوقذ والنطح وفَرْس السبع ، إلا أن تدركوا ذكاتها ، فتدركوها قبل موتها ، فتكون حنـيئذٍ حلالاً أكلها . وقال آخرون : هو استثناء من التـحريـم ، ولـيس بـاستثناء من الـمـحرّمات التـي ذكرها الله تعالـى فـي قوله : { حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ } لأن الـميتة لا ذكاة لها ولا للـخنزير . قالوا : وإنـما معنى الآية : حرّمت علـيكم الـمتـية والدم ، وسائر ما سمينا مع ذلك ، إلا ما ذكيَّتـم مـما أحله الله لكم بـالتذكية ، فإنه لكم حلال . ومـمن قال ذلك جماعة من أهل الـمدينة . ذكر بعض من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال مالك : وسئل عن الشاة التـي يخرق جوفها السبع حتـى تـخرج أمعاؤها ، فقال مالك : لا أرى أن تذكَّى ولا يؤكل أيّ شيء يذكَّى منها . حدثنـي يونس ، عن أشهب ، قال : سئل مالك ، عن السَّبُع يعدو علـى الكبش ، فـيدقّ ظهره ، أترى أن يذكَّى قبل أن يـموت فـيؤكل ؟ إن كان بلغ السَّحْر ، فلا أرى أن يؤكل ، وإن كان إنـما أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأساً . قـيـل له : وثب علـيه فدقّ ظهره ؟ قال : لا يعجبنـي أن يؤكل ، هذا لا يعيش منه . قـيـل له : فـالذئب يعدو علـى الشاة فـيشقّ بطنها ولا يشقّ الأمعاء ؟ قال : إذا شقّ بطنها فلا أرى أن تؤكل . وعلـى هذا القول يجب أن يكون قوله : { إلاَّ ما ذَكَّيْتُـمْ } استثناءً منقطعاً ، فـيكون تأويـل الآية : حرّمت علـيكم الـميتة والدم ، وسائر ما ذكرنا ، ولكن ما ذكَّيتـم من الـحيوانات التـي أحللتها لكم بـالتذكية حلال . وأولـى القولـين فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الأوّل ، وهو أن قوله : { إلاَّ ما ذكيَّتـم } اسثناء من قوله : { وَما أهِلَّ لغيرِ الله بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ وَالـمُترَدّيَةُ والنَّطِيحَةُ وَما أكَلَ السَّبُعُ } لأن كلّ ذلك مستـحقّ الصفة التـي هو بها قبل حال موته ، فـيقال : لـما قرّب الـمشركون لآلهتهم فسموه لهم : هو { ما أهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ } بـمعنى : سمي قربـاناً لغير الله . وكذلك الـمنـخنقة : إذا انـخنقت ، وإن لـم تـمت فهي منـخنقة ، وكذلك سائر ما حرّمه الله جلّ وعزّ بعد قوله : { وَما أُهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ } إلا بـالتذكية فإنه يوصف بـالصفة التـي هو بها قبل موته ، فحرّمه الله علـى عبـاده إلا بـالتذكية الـمـحللة دون الـموت بـالسبب الذي كان به موصوفـاً . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويـل الآية : وحرّم علـيكم ما أهل لغير الله به ، والـمنـخنقة ، وكذا وكذا وكذا ، إلا ما ذكيَّتـم من ذلك ف « ما » إذ كان ذلك تأويـله فـي موضع نصب بـالاستثناء مـما قبلها ، وقد يجوز فـيه الرفع . وإذ كان الأمر علـى ما وصفنا ، فكلّ ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيـمة قبل خروج نفسه ومفـارقة روحه جسده ، فحلال أكله إذا كان مـما أحله الله لعبـاده . فإن قال لنا قائل : فإذ كان ذلك معناه عندك ، فما وجه تكريره ما كرّر بقوله : { وما أُهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدِّيَةُ } وسائر ما عدّد تـحريـمه فـي هذه الآية ، وقد افتتـح الآية بقوله : { حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ } ؟ وقد علـمت أن قوله : { حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ } شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه ، من علة به من غير جناية أحد علـيه ، أو كان موته من ضرب ضارب إياه ، أو انـخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع ؟ وهلاَّ كان قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك من أنه معنيّ بـالتـحريـم فـي كلّ ذلك الـميتة بـالانـخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك ، دون أن يكون معنـياً به تـحريـمه إذا تردّى أو انـخنق ، أو فَرَسه السبع ، فبلغ ذلك منه ما يعلـم أنه لا يعيش مـما أصابه منه إلا بـالـيسير من الـحياة حُرمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ مغنـياً من تكرير ما كرّر بقوله { وَما أهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ } وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد ؟ قيل : وجه تكراره ذلك وإن كان تـحريـم ذلك إذا مات من الأسبـاب التـي هو بها موصوف ، وقد تقدم بقوله { حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ الـمَيْتَةُ } أن الذين خوطبوا بهذه الآية لا يعدّون الـميتة من الـحيوان ، إلا ما مات من علة عارضة به ، غير الانـخناق والتردّي والانتطاح ، وفرّس السبع ، فإعلمهم اللّه أن حكم ما مات من العلل العارضة وإن العلة الموجبة تحريم الميتة ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها ، ولكن العلة فـي ذلك أنها لـم يذبحها من أحلَّ ذبـيحته بـالـمعنى الذي أحلها به . كالذي : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ فـي قوله : { وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدْيَةُ والنَّطِيحَةُ وَما أكَلَ السَّبُعُ إلاَّ ما ذكَّيْتُـمُ } يقول : هذا حرام ، لأن ناساً من العرب كانوا يأكلونه ولا يَعُدّونه ميتاً ، إنـما يعدّون الـميت الذي يـموت من الوجع ، فحرّمه الله علـيهم ، إلا ما ذكروا اسم الله علـيه وأدركوا ذكاته وفـيه الروح . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَا ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } . يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } : وحرّم علـيكم أيضاً الذي ذبح علـى النصب . فـ « ما » فـي قوله { وَما ذُبِحَ } رفع عطفـاً علـى « ما » التـي فـي قوله : { وَما أكَلَ السَّبُعُ } . والنُّصُب : الأوثان من الـحجارة جماعة أنصاب كانت تـجمع فـي الـموضع من الأرض ، فكان الـمشركون يقربون لها ، ولـيست بأصنام . وكان ابن جريج يقول فـي صفته ما : حدثنا القاسم : قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج : النُّصُب : لـيست بأصنام ، الصنـم يصوّر ويُنقش ، وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجراً ، منهم من يقول : ثلثمائة منها بـخزاعة . فكانوا إذا ذبحوا ، نضحوا الدم علـى ما أقبل من البـيت ، وشرّحوا اللـحم وجعلوه علـى الـحجارة ، فقال الـمسلـمون : يا رسول الله ، كان أهل الـجاهلـية يعظمون البـيت بـالدم ، فنـحن أحقّ أن نعظمه فكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يكره ذلك ، فأنزل الله : { لَنْ يَنالَ اللّهَ لُـحُومُها وَلا دِماؤها لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الحج : 37 ] . ومـما يحق قول ابن جريج فـي أن الأنصاب غير الأصنام ما : حدثنا به ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } قال : حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { النُّصُبُ } قال : حجارة حول الكعبة ، يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ، ويبدّلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إلـيهم منها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } والنصب : حجارة كان أهل الـجاهلـية يعبدونها ، ويذبحون لها ، فنهى الله عن ذلك . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وَما ذَبِحَ علـى النُّصُبِ } يعنـي : أنصاب الـجاهلـية . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } والنصب : أنصاب كانوا يذبحون ويهلون علـيها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبـي بزة ، عن مـجاهد ، قوله : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } قال : كان حول الكعبة حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ويبدّلونها إذا شاءوا بحجر هو أحبّ إلـيهم منها . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : الأنصاب حجارة كانوا يهلّون لها ، ويذبحون علـيها . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا بن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَما ذُبِحَ علـى النُّصُبِ } قال : ما ذبح علـى النصب ، وما أهل لغير الله به ، هو واحد . القول فـي تأويـل قوله : { وأنْ تَسْتَقْسمُوا بـالأزْلام } . يعنـي بقوله : { وأنْ تَسْتَقْسِمُو بـالأزْلامِ } : وأن تطلبوا علـم ما قسم لكم أو لـم يقسم ، بـالأزلام . وهو استفعلت من القسم : قسم الرزق والـحاجات . وذلك أن أهل الـجاهلـية كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزوًا أو نـحو ذلك ، أجال القِداح ، وهي الأزلام ، وكانت قداحاً مكتوبـاً علـى بعضها : نهانـي ربـي ، وعلـى بعضها : أمرنـي ربـي ، فإن خرج القِدح الذي هو مكتوب علـيه : أمرنـي ربـي ، مضى لـما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي علـيه مكتوب : نهانـي ربـي ، كفّ عن الـمضيّ لذلك وأمسك فقـيـل : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ } لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم . ومنه قول الشاعر مفتـخراً بترك الاستقسام بها : @ ولَـمْ أَقْسِمْ فتَرْبُثنـي القُسُومُ @@ وأما الأزلام ، فإن واحدها زَلـم ، ويقال زُلَـم ، وهي القِداح التـي وصفنا أمرها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفـيان ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلام } قال : القداح ، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا فـي سفر ، جعلوا قداحاً للـجلوس والـخروج ، فإن وقع الـخروج خرجوا ، وإن وقع الـجلوس جلسوا . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شريك ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير : { وأنُ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ } قال : حصى بـيض كانوا يضربون بها . قال أبو جعفر : قال لنا سفـيان بن وكيع : هو الشطرنـج . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا عبـاد بن راشد البزار ، عن الـحسن فـي قوله : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : كانوا إذا أرادوا أمراً أو سفراً ، يعمدون إلـى قداح ثلاثة علـى واحد منها مكتوب : أُؤمرنـي ، وعلـى الآخر : انهنـي ، ويتركون الآخر مـحللاً بـينهما لـيس علـيه شيء . ثم يجيـلونها ، فإن خرج الذي علـيه « أُؤمرنـي » ، مضوا لأمرهم ، وإن خرج الذي علـيه « انهنى » كفّوا ، وإن خرج الذي لـيس علـيه شيء أعادوها . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن ابن بـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } حجارة كانوا يكتبون علـيها يسمونها القداح . حدثني محمد بن عمرو وقال ثنا أبم عاصم قال ثنا عيس عن أبي نجيح عن مجاهد في قول اللّه { بالأزلام } قال القداح يضربون لكل سفر وغزو وتجارة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن آدم . عن زهير ، عن إبراهيـم بن مهاجر ، عن مـجاهد : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : كِعاب فـارس التـي يَقْمُرون بها ، وسهام العرب . حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري ، قال : ثنا أبو نعيـم ، قال : ثنا زهير ، عن إبراهيـم بن مهاجر ، عن مـجاهد : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : سهام العرب وكعاب فـارس والروم كانوا يتقامرون بها . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافراً ، كتب فـي قداح : هذا يأمرنـي بـالـمكث ، وهذا يأمرنـي بـالـخروج ، وجعل معها منـيحاً ، شيء لـم يكتب فـيه شيئاً ، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج ، فإن خرج الذي يأمر بـالـمكث مكث ، وإن خرج الذي يأمر بـالـخروج خرج ، وإن خرج الآخر أجالها ثانـية حتـى يخرج أحد القِدحين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } وكان أهل الـجاهلـية إذا أراد أحدهم خروجاً ، أخذ قِدْحاً فقال : هذا يأمر بـالـخروج ، فإن خرج فهو مصيب فـي سفره خيراً ويأخذ قدحاً آخر فـيقول : هذا يأمر بـالـمكوث ، فلـيس يصيب فـي سفره خيراً والـمنـيح بـينهما . فنهى الله عن ذلك ، وقدّم فـيه . حُدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : كانوا يستقسمون بها فـي الأمور . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الأزْلامُ قِداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئاً من تلك الأمور كتب فـي تلك القداح ما أراد ، فـيضرب بها ، فأيّ قدح خرج وإن كان أبغض تلك ، ارتكبه وعمل به . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } قال : الأزلام : قِداح كانت فـي الـجاهلـية عند الكهنة ، فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوّج أو يحدِث أمراً ، أتـى الكاهن ، فأعطاه شيئاً ، فضرب له بها ، فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل ، وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فـانتهى ، كما ضرب عبد الـمطلب علـى زمزم وعلـى عبد الله والإبل . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير ، قال : سمعنا أن أهل الـجاهلـية كانوا يضربون بـالقداح فـي الظَّعن والإقامة أو الشيء يريدونه ، فـيخرج سهم الظعن فـيظعنون ، والإقامة فـيقـيـمون . وقال ابن إسحاق فـي الأزلام ما : حدثنـي به ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بـمكة ، وكانت علـى بئر فـي جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التـي يجمع فـيها ما يُهدى للكعبة ، وكانت عند هُبَل سبعة أقداح ، كل قدح منها فـيه كتاب : قدح فـيه « العقل » إذا اختلفوا فـي العقل من يحمله منهم ضربوا بـالقداح السبعة فإن خرج العقل فعل من خرج حَمْلُه وقدح فـيه : « نَعَم » للأمر إذا أرادوا يُضرب به ، فإن خرج قِدح « نَعَم » عملوا به وقدح فـيه لا ، فإذا أرادوا أمراً ضربوا به فـي القداح ، فإذا خرج ذلك القدح لـم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فـيه : « منكم » . وقدح فـيه : « مُلْصق » . وقدح فـيه : « من غيركم » . وقدح فـيه : الـمياه ، إذا أرادوا أن يحفروا للـماء ضربوا بـالقداح وفـيها ذلك القِدْح ، فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاماً ، أو أن ينكحوا مَنْكحاً ، أو أن يدفنوا ميتاً ، و يشكوُّا فـي نسب واحد منهم ، ذهبوا به إلـى هُبَل ، وبـمائة درهم وبجُزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ، ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : يا إلهنا ، هذا فلان ابن فلان ، قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الـحقّ فـيه ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب ، فـيضرب ، فإن خرج علـيه « منكم » كان وسيطاً ، وإن خرج علـيه : « من غيركم » ، كان حلـيفـاً ، وإن خرج : « مُلْصَق » ، كان علـى منزلته منهم ، لا نسب له ولا حِلف وإن خرج فـيه شيء سوى هذا مـما يعملون به « نعم » عملوا به وإن خرج : « لا » ، أخرَّوه عامَهم ذلك ، حتـى يأتوا به مرة أخرى ينتهون فـي أمورهم إلـى ذلك مـما خرجت به القِداح . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ } يعنـي : القداح ، كانوا يستقسمون بها فـي الأمور . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ذَلِكُمْ فِسْق } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { ذَلِكُمْ } : هذه الأمور التـي ذكرها ، وذلك أكل الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما ذكر فـي هذه الآية مـما حرّم أكله . والاستقسام بـالأزلام . { فِسْقٌ } يعنـي : خروج عن أمر الله وطاعته إلـى ما نهى عنه وزجر ، وإلـى معصيته . كما : حدثنـي الـمثنى : قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { ذَلِكُمْ فِسْقٌ } يعنـي : من أكل من ذلك كله ، فهو فسق . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } . يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } : الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والـجحود أيها الـمؤمنون من دينكم ، يقول : من دينِكم أن تتركوه ، فترتدّوا عنه راجعين إلـى الشرك . كما : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، ن علـيّ ، عن ابن عبـاس : قوله : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } يعنـي : أن ترجعوا إلـى دينهم أبداً . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } قال : أظنّ يئسوا أن ترجعوا عن دينكم . فإن قال قائل : وأيّ يوم هذا الـيوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فـيه من دين الـمؤمنـين ؟ قـيـل : ذُكر أن ذلك كان يوم عرفة ، عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وذلك بعد دخول العرب فـي الإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال مـجاهد : { الـيَوْمَ يَئسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } الـيوم أكملت لكم دينكم هذا حين فعلت . قال ابن جريج : وقال آخرون : ذلك يوم عرفة فـي يوم جمعة لـما نظر النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فلـم ير إلا موحِّداً ولـم ير مشركاً حمد الله ، فنزل علـيه جبريـل علـيه السلام : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } أن يعودوا كما كانوا . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { الـيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } قال : هذا يوم عرفة . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } . يعنـي بذلك : فلا تـخشوا أيها الـمؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفـار ، ولا تـخافوهم أن يظهروا علـيكم فـيقهروكم ويردّوكم عن دينكم ، { واخْشَوْنِ } يقول : ولكن خافون إن أنتـم خالفتـم أمري واجترأتـم علـى معصيتـي وتعديتـم حدودي ، أن أحلّ بكم عقابـي وأنزل بكم عذابـي . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { فَلا تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } : فلا تـخشوهم أن يظهروا علـيكم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } . اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } : الـيوم أكملت لكم أيها الـمؤمنون فرائضي علـيكم وحدودي ، وأمري إياكم ونهيـي ، وحلالـي وحرامي ، وتنزيـلـي من ذلك ما أنزلت منه فـي كتابـي ، وتبـيانـي ما بـينت لكم منه بوحيـي علـى لسان رسولـي ، والأدلة التـي نصبتها لكم علـى جميع ما بكم الـحاجة إلـيه من أمر دينكم ، فأتـمـمت لكم جميع ذلك ، فلا زيادة فـيه بعد هذا الـيوم . قالوا : وكان ذلك فـي يوم عرفة ، عام حجّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . وقالوا : لـم ينزل علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من الفرائض ولا تـحلـيـل شيء ولا تـحريـمه ، وإن النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانـين لـيـلة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو الإسلام ، قال : أخبر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين أنه قد أكمل لهم الإيـمان فلا يحتاجون إلـى زيادة أبداً ، وقد أتـمه الله عزّ ذكره فلا ينقصه أبداً ، وقد رضيه الله فلا يسخَطُه أبداً . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } هذا نزل يوم عرفة ، فلـم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، فقالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الـحجة ، فبـينـما نـحن نسير إذ تـجلَّـى له جبريـل صلى الله عليه وسلم علـى الراحلة ، فلـم تطق الراحلة من ثقل ما علـيها من القرآن ، فبركت ، فأتـيته فسجيت علـيه برداء كان علـيّ . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : مكث النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانـين لـيـلة ، قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } . حدثنا سفـيان ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن هارون بن عنترة ، عن أبـيه ، قال : لـمَّا نزلت : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وذلك يوم الـحجّ الأكبر ، بكى عمر ، فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم : « ما يُبْكِيكَ » ؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا ، فأما إذ كمَل فإنه لـم يكمل شيء إلا نقص ، فقال : « صَدَقْتَ » . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أحمد بن بشير ، عن هارون بن أبـي وكيع ، عن أبـيه ، فذكر نـحو ذلك . وقال آخرون : معنى ذلك : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ } : حجكم ، فأفردتـم بـالبلد الـحرام تـحجونه أنتـم أيها الـمؤمنون دون الـمشركين لا يخالطكم فـي حجكم مشرك . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن أبـي عتبة ، عن أبـيه ، عن الـحكم : { الـيَوْم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قال : أكمل لهم دينهم أن حجوا ولـم يحجّ معهم مشرك . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { الـيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قال : أخـلص الله لهم دينهم ، ونفـى الـمشركين عن البـيت . حدثنا أحمد بن حازم ، قال : ثنا أبو نعيـم ، قال : ثنا قـيس ، عن أبـي حصين ، عن سعيد بن جبـير : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قال : تـمام الـحجّ ، ونفـي الـمشركين عن البـيت . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال : إن الله عزّ وجلّ أخبر نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به ، أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية علـى نبـيه دينهم ، بإفرادهم بـالبلد الـحرام ، وإجلائه عنه الـمشركين ، حتـى حجه الـمسلـمون دونهم ، لا يخالطونهم الـمشركون . فأما الفرائض والأحكام ، فإنه قد اختلف فـيها ، هل كانت أكملت ذلك الـيوم أم لا ؟ فرُوي عن ابن عبـاس والسديّ ما ذكرنا عنهما قبل . ورُوِي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } [ النساء : 186 ] . ولا يدفع ذو علـم أن الوحي لـم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أن قبض ، بل كان الوحي قبل وفـاته أكثر ما كان تتابعا . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان قوله : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } [ النساء : 186 ] آخرها نزولاً وكان ذلك من الأحكام والفرائض ، كان معلوماً أن معنى قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } علـى خلاف الوجه الذي تأوّله مَن تأوّله ، أعنـي : كمال العبـادات والأحكام والفرائض . فإن قال قائل : فما جعل قول من قال : قد نزل بعد ذلك فرض أولـى من قول من قال : لـم ينزل ؟ قـيـل لأن الذي قال لـم ينزل ، مخبر أنه لا يعلـم نزول فرض ، والنفـي لا يكون شهادة ، والشهادة قول من قال : نزل ، وغير جائز دفع خبر الصادق فـيـما أمكن أن يكون فـيه صادقاً . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي } . يعنـي جلّ ثناؤه بذلك : وأتـمـمت نعمتـي أيها الـمؤمنون بإظهاركم علـى عدوّي وعدوّكم من الـمشركين ، ونفـيـي إياهم عن بلادكم ، وقطعي طمعهم من رجوعكم ، وعودكم إلـى ما كنتـم علـيه من الشرك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قال : كان الـمشركون والـمسلـمون يحجون جميعاً ، فلـما نزلت براءة ، فنَفـى الـمشركين عن البـيت ، وحجّ الـمسلـمون لا يشاركهم فـي البـيت الـحرام أحد من الـمشركين ، فكأنّ ذلك من تـمام النعمة : { وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي } … الآية ، ذُكِر لنا أن هذه الآية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة ، حين نفـى الله الـمشركين عن الـمسجد الـحرام ، وأخـلص للـمسلـمين حجهم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : ثنا داود ، عن الشعبـيّ ، قال : نزلت هذه الآية بعرفـات ، حيث هدم منار الـجاهلـية ، واضمـحلّ الشرك ، ولـم يحُجّ معهم فـي ذلك العام مشرك . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن عامر فـي هذه الآية : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي } قال : نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفـات ، وقد أطاف به الناس ، وتهدّمت منار الـجاهلـية ومناسكهم ، واضمـحلّ الشرك ، ولـم يطُف حول البـيت عُرْيان ، فأنزل الله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَـية ، عن داود ، عن الشعبي ، بنـحوه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَرَضيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِيناً } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقـياد لطاعتـي ، علـى ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالـمه { دِيناً } يعنـي بذلك : طاعة منكم لـي . فإن قال قائل : أَوَ ما كان الله راضياً الإسلام لعبـاده ، إلا يوم أنزل هذه الآية ؟ قـيـل : لـم يزل الله راضياً لـخـلقه الإسلام ديناً ، ولكنه جلّ ثناؤه لـم يزل يصرّف نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالاً بعد حال ، حتـى أكمل لهم شرائعه ومعالـمه وبلغ بهم أقصى درجاته الإسلام ومراتبه ، ثم قال حين أنزل علـيهم هذه الآية : { وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } بـالصفة التـي هو بها الـيوم ، والـحال التـي أنتـم علـيها الـيوم منه { دِيناً } فـالزموه ولا تفـارقوه . وكان قتادة يقول فـي ذلك ما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنه يـمثَّل لأهل كل دين دينهم يوم القـيامة ، فأما الإيـمان فـيبشر أصحابه وأهله ، ويعدهم فـي الـخير حتـى يجيء الإسلام . فـيقول : ربّ أنت السلام وأنا الإسلام ، فـيقول : إياك الـيوم أقبل ، وبك الـيوم أجزي . وأحسب أن قتادة وجَّه معنى الإيـمان بهذا الـخبر إلـى معنى التصديق والإقرار بـاللسان ، لأن ذلك معنى الإيـمان عند العرب ، ووجه معنى الإسلام إلـى استسلام القلب وخضوعه لله بـالتوحيد ، وانقـياد الـجسد له بـالطاعة فـيـما أمر ونهى ، فلذلك قـيـل للإسلام : إياك الـيوم أقبل ، وبك الـيوم أجزي . ذكر من قال : نزلت هذه الآية بعرفة فـي حجة الوداع علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم : حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن قـيس بن مسلـم ، عن طارق بن شهاب ، قال : قالت الـيهود لعمر : إنكم تقرءون آية لو أنزلت فـينا لاتـخذناها عيداً . فقال عمر : إنـي لأعلـم حين أنزلت ، وأين أنزلت ، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ، أنزلت يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقـف بعرفة . قال سفـيان : وأشكّ ، كان يوم الـجمعة أم لا { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نَعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } . حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبـي ، عن قـيس بن مسلـم ، عن طارق بن شهاب ، قال : قال يهودّي لعمر : لو علـمنا معشر الـيهود حين نزلت هذه الآية : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلام دِيناً } لو نعلـم ذلك الـيوم اتـخذنا ذلك الـيوم عيداً . فقال عمر : قد علـمت الـيوم الذي نزلت فـيه والساعة ، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت نزلت لـيـلة الـجمعة ونـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفـات . لفظ الـحديث لأبـي كريب ، وحديث ابن وكيع نـحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جعفر بن عون ، عن أبـي العُمَيس ، عن قـيس بن مسلـم ، عن طارق ، عن عمر ، نـحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن حماد بن سلـمة ، عن عمار مولـى بنـي هاشم ، قال : قرأ ابن عبـاس : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وعنده رجل من أهل الكتاب ، فقال : لو علـمنا أيّ يوم نزلت هذه الآية لاتـخذناه عيداً ، فقال ابن عبـاس : فإنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا قبـيصة ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن عمار : أن ابن عبـاس قرأ : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمتِـي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علـينا لاتـخذنا يومها عيداً ، فقال ابن عبـاس : فإنها نزلت فـي يوم عيدين اثنـين : يوم عيد ، ويوم جمعة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج بن الـمنهال ، قال : ثنا حماد ، عن عمار بن أبـي عمار ، عن ابن عبـاس نـحوه . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا رجاء بن أبـي سلـمة ، قال : أخبرنا عبـادة بن نسيّ ، قال : ثنا أميرنا إسحاق ، قال أبو جعفر إسحاق هو ابن حرَشة عن قبـيصة قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت علـيهم هذه الآية لنظروا الـيوم الذي أنزلت فـيه علـيهم فـاتـخذوه عيداً يجتـمعون فـيه ، فقال عمر : أيّ آية يا كعب ؟ فقال : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فقال عمر : قد علـمت الـيوم الذي أنزلت فـيه ، والـمكان الذي أنزلت فـيه ، يوم جمعة ، ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عيسى بن حارثة الأنصاريّ ، قال : كنا جلوساً فـي الديوان ، فقال لنا نصرانـي : يا أهل الإسلام : لقد نزلت علـيكم آية لو نزلت علـينا لاتـخذنا ذلك الـيوم وتلك الساعة عيداً ما بقـي منا اثنان : « الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » . فلـم يجبه أحد منا ، فلقـيت مـحمد ابن كعب القرظيّ ، فسألته عن ذلك ، فقال : ألا رددتـم علـيه ؟ فقال : قال عمر بن الـخطاب : أنزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف علـى الـجبل يوم عرفة ، فلا يزال ذلك الـيوم عيداً للـمسلـمين ما بقـي منهم أحد . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال ثنا داود ، عن عامر ، قال : أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِيناً } عشية عرفة وهو فـي الـموقـف . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، قال : قلت لعامر : إن الـيهود تقول : كيف لـم تـحفظ العرب هذا الـيوم الذي أكمل الله لها دينها فـيه ؟ فقال عامر : أو ما حفظته ؟ قلت له : فأيّ يوم ؟ قال : يوم عرفة ، أنزل الله فـي يوم عرفة . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنا أنها نزلت يوم عرفة ، ووافق يوم الـجمعة . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن حبـيب ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن عكرمة : أن عمر بن الـخطاب ، قال : نزلت سورة الـمائدة يوم عرفة ، ووافق يوم الـجمعة . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيـينة ، عن لـيث ، عن شهر ابن حوشب ، قال : نزلت سورة الـمائدة علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقـف بعرفة علـى راحلته ، فَتَنَوَّخَتْ لأن يُدق ذراعها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن لـيث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : نزلت سورة الـمائدة جميعاً وأنا آخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضبـاء قالت : فكادت من ثقلها أن يدقّ عضُدُ الناقة . حدثنـي أبو عامر إسماعيـل بن عمرو السَّكونـي ، قال : ثنا هشام بن عمار ، قال : ثنا ابن عياش ، قال : ثنا عمرو بن قـيس السكونـي أنه سمع معاوية بن أبـي سفـيان علـى الـمنبر ينتزع بهذه الآية : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } حتـى ختـمها ، فقال : نزلت فـي يوم عرفة ، فـي يوم جمعة . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية ، أعنـي قوله : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يوم الاثنـين ، وقالوا : أنزلت سورة الـمائدة بـالـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : أخبرنا مـحمد بن حرب ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبـي عمران ، عن حَنَش ، عن ابن عبـاس : ولد نبـيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنـين ، وخرج من مكة يوم الاثنـين ، ودخـل الـمدينة يوم الاثنـين ، وأنزلت سورة الـمائدة يوم الاثنـين { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ورفع الذكر يوم الاثنـين . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج بن الـمنهال ، قال : ثنا همام ، عن قتادة ، قال : الـمائدة مدنـية . وقال آخرون : نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي مسيره فـي حجة الوداع . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع بن أنس ، قال : نزلت سورة الـمائدة علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الـمسير فـي حجة الوداع ، وهو راكب راحلته ، فبركت به راحلته من ثقلها . وقال آخرون : لـيس ذلك بـيوم معلوم عند الناس ، وإنـما معناه الـيوم الذي أعلـمه أنا دون خـلقـي ، أكملت لكم دينكم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يقول : لـيس بـيوم معلوم يعلـمه الناس . وأولـى الأقوال فـي وقت نزول الآية ، القول الذي رُوي عن عمر بن الـخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة ، لصحة سنده ووَهْي أسانـيد غيره . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } . يعنـي تعالـى ذكره بقول : { فَمَنِ اضْطُرَّ } : فمن أصابه ضرّ فـي مخمصة ، يعنـي فـي مـجاعة ، وهي مفعلة مثل الـمَـجْبنة والـمَبْخـلة والـمَنْـجبة ، من خَمَصِ البَطْنِ ، وهو اضطماره ، وأظنه هو فـي هذا الـموضع معنـيّ به اضطماره من الـجوع وشدة السغب ، وقد يكون فـي غير هذا الـموضع اضطماراً من غير الـجوع والسغب ، ولكن من خِـلْقة ، كما قال نابغة بنـي ذبـيان فـي صفة امرأة بخَمَصِ البطن : @ والبَطْنُ ذو عُكَنٍ خَميصٌ لَـيِّنٌ والنَّـحرُ تَنْفُجُه بثَدْيٍ مُقْعَدِ @@ فمعلوم أنه لـم يرد صفتها بقوله خميص بـالهزال الضرّ من الـجوع ، ولكنه أراد وصفها بلطافة طيّ ما علـى الأوراكَ والأفخاذ من جسدها ، لأن ذلك مـما يحمد من النساء . ولكن الذي فـي معنى الوصف بـالاضطمار والهزال من الضرّ ، من ذلك ، قول أعشى بن ثعلبة . @ تَبـيتُونَ فِـي الـمَشْتـى مِلاءً بطونُكُمْ وجارَاتُكمْ غَرْثَـى يَبِتْنَ خَمائِصَا @@ يعنـي بذلك : يبتن مضطمرات البطون من الـجوع والسَّغَب والضرّ ، فمن هذا الـمعنى قوله : فـي مخمصة . وكان بعض نـحويـي البصرة يقول : الـمخمصة : الـمصدر من خَمَصَهُ الـجوع . وكان غيره من أهل العربـية يري أنها اسم للـمصدر ولـيست بـمصدر ولذلك تقع الـمفعلة اسماً فـي الـمصادر للتأنـيث والتذكير . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } يعنـي فـي مـجاعة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } أي فـي مـجاعة . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } قال : ذكر الـميتة وما فـيها وأحلها فـي الاضطرار . { فِـي مَخْمَصَةٍ } يقول : فـي مـجاعة . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول فـي قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } قال : الـمخمصة : الـجوع . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِـي مَخْمَصَةٍ } إلـى أكل ما حرمت علـيه منكم أيها الـمؤمنون من الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما حرّمت علـيه بهذه الآية . { غيرَ متَـجانِفٍ لإِثْمٍ } يقول : لا متـجانفـاً لإثم ، فلذلك نصب « غيرَ » لـخروجها من الاسم الذي فـي قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ } وهي بـمعنى إلاّ ، فنصب بـالـمعنى الذي كان به منصوبـاً الـمتـجانف لو جاء الكلام : إلاّ متـجانفـاً . وأما الـمتـجانف للإثم ، فإنه الـمتـمايـل له ، الـمنـحرف إلـيه ، وهو فـي هذا الـموضع مراد به الـمتعَمَّد له القاصد إلـيه ، من جَنَف القوم علـيّ إذا مالوا ، وكلّ أعوج فهو أّجنف عند العرب وقد بـينا معنى الـجنف بشواهده فـي قوله : { فَمَنْ خافَ منْ مُوصٍ جَنَفـاً فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً } [ البقرة : 182 ] بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وأما تـجانف آكل الـميتة فـي أكلها وفـي غيرها مـما حرّم الله أكله علـى الـمؤمنـين بهذه الآية للإثم فـي حال أكله ، فهو تعمُّده الأكل لغير دفع الضرورة النازلة به ، ولكن لـمعصية الله وخلاف أمره فـيـما أمره به من ترك أكل ذلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَمَنِ اضْطُر فِـي مَخْمَصَةٍ غيرَ مُتَـجانِفٍ لإثْمٍ } يعنـي : إلـى ما حُرِّم مـما سمي فـي صدر هذه الآية : { غيرَ مُتـجانِفٍ لإِثْمٍ } يقول : غير متعمِّد لإثم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } : غير متعمد لإثم ، قال : إلـى حرم الله ما حَرَّم ، رخص للـمضطّر إذا كان غير متعمد لإثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج فـي معصية الله ، فإنه مـحرّم علـيه أن يأكله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } : أي غير معترّض لـمعصية . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } : غير متعمد لإثم ، غير متعرّض . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } يقول : غير متعرّض لإثم : أي يبتغي فـيه شهوة ، أو يعتدي فـي أكله . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } : لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم ، ولا جراءة علـيه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فإنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } . وفـي هذا الكلام متروك اكتفـي بدلالة ما ذكر علـيه منه ، وذلك أن معنى الكلام : فمن اضطرّ فـي مخصمة إلـى ما حرّمت علـيه مـما ذكرت فـي هذه الآية ، { غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ } فأكله ، { فإن الله غَفُور رَحِيـمٌ } ، فترك ذكر : « فأكله » . وذكر : « له » ، لدلالة سائر ما ذكر من الكلام علـيهما . وأما قوله : { فإنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } فإن معناه : فإن الله لـمن أكل ما حرّمت علـيه بهذه الآية أكله فـي مخمصة ، غير متـجانف لإثم ، غفور رحيـم ، يقول : يستر له عن أكله ما أكل من ذلك بعفوه عن مؤاخذته إياه ، وصفحه عنه ، وعن عقوبته علـيه { رَحِيـمٌ } يقول : وهو به رفـيق ، من رحمته ورفقه به ، أبـاح له أكل ما أبـاح له أكله من الـميتة وسائر ما ذكر معها فـي هذه الآية ، فـي حال خوفه علـى نفسه ، من كَلَب الـجوع وضُرّ الـحاجة العارضة ببدنه . فإن قال قائل : وما الأكل الذي وعد الله الـمضطرّ إلـى الـميتة وسائر الـمـحرّمات معها بهذه الآية غفرانَه إذا أكل منها ؟ قـيـل : ما : حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ ، قال : ثنا مـحمد بن القاسم الأسديّ ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبـي واقد اللـيثـي ، قال : قلنا يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا فـيها مخمصة ، فما يصلـح لنا من الـميتة ؟ قال : " إذا لَـمْ تَصْطَبِحُوا ، أوْ تَغْتَبِقُوا ، أوْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً ، فَشأنْكُمْ بِها " حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيـم ، عن الـخصيب بن زيد التـميـمي ، قال : ثنا الـحسن : أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إلـى متـى يحلّ لـي الـحرام ؟ قال : فقال : " إلـى أنْ يُرْوَى أهْلُكَ مِنَ اللَّبَنِ ، أوْ تَـجِيءَ مِيرَتُهُمْ " حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا خصيب بن زيد التـميـميّ ، قال : ثنا الـحسن : أن رجلاً سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : " أوْ تَـحيا مِيرَتُهُمْ " حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عروة بن الزبـير ، عمن حدثه : أن رجلاً من الأعراب أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستفتـيه فـي الذي حرم الله علـيه والذي أحلّ له ، فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " يَحِلُّ لَكَ الطَّيِّبـاتُ ، وَيحْرُمُ عَلَـيْكَ الـخَبـائِثُ ، إلاَّ أنْ تَفْتَقِرَ إلـى طَعامٍ لَكَ فَتأكُلَ مِنْهُ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ " ، فقال الرجل : وما فقري الذي يُحِلّ لِـي ، وما غناي الذي يغنـينـي عن ذلك ؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا كُنْتَ تَرْجو نِتاجاً فَتَبَلَّغَ بلُـحُوم ماشِيَتِكَ إلـى نِتاجِكَ ، أوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلَّغ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً ، فأطْعِمْ أهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ " فقال الأَعرابـيّ : ما غناي الذي أدعه إذا وجدته ؟ فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا أرْوَيْتَ أهْلَكَ غَبُوقاً مِنَ اللَّـيْـلِ فـاجْتَنِبْ ما حَرَّمَ اللّهُ عَلَـيْكَ مِنْ طَعامِ مالِكَ ، فإنَّه ميْسُورٌ كُلُّهُ ، لَـيْسَ فِـيهِ حَرامٌ " حدثنـي يعقوب ابن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، عن ابن عون ، قال : وجدت عند الـحسن كتاب سَمُرة ، فقرأته علـيه ، وكان فـيه : ويجزي من الاضطرار غَبوق أو صَبوح . حدثنا هناد وأبو هشام الرفـاعيّ ، قالا : ثنا يحيى بن أبـي زائدة ، عن ابن عون ، قال : قرأت فـي كتاب سَمُرة بن جُنْدَب : يكفـي من الاضطرار أو من الضرورة غَبوق أو صَبوح . حدثنـي علـي بن سعيد الكندي وأبو كريب ، قالا : ثنا عبد الله بن إدريس ، عن هشام بن حسان ، عن الـحسن ، قال : إذا اضطْر الرجل إلـى الـميتة أكل منها قوته يعنـي : مُسْكَته . حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا ابن مبـارك ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، قال : قال رجل : يا رسول الله إنا بأرض مخمصة ، فما يحِل لنا من الـميتة ؟ ومتـى تـحلّ لنا الـميتة ؟ قال : " إذَا لَـمْ تَصْطَبِحُوا أوْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأْنُكمْ بِها " حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن رجل قد سمي لنا ، أن رجلاً قال للنبـيّ صلى الله عليه وسلم : إنا نكون بأرض مخمصة ، فمتـى تـحلّ لنا الـميتة ؟ قال : " إذَا لَـمْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَصْطَبِحُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأنُكُمْ بِها " قال أبو جعفر : يروى هذا علـى أربعة أوجه : « تـحتفئوا » بـالهمزة ، « وتـحتفـيوا » بتـخفـيف الـياء والـحاء ، و « تـحتفُّوا » بتشديد الفـاء ، و « تَـحْتَفوا » بـالـحاء والتـخفـيف ، ويحتـمل الهمز .