Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : يسألك يا مـحمد أصحابك ما الذي أُحلّ لهم أكله من الـمطاعم والـمآكل ، فقل لهم : أحلّ لكم منها الطيبـات ، وهي الـحلال الذي أذن لكم ربكم فـي أكله من الذبـائح ، وأحلّ لكم أيضاً مع ذلك صيد ما علـمتـم من الـجوارح ، وهن الكواسب من سبـاع البهائم والطير ، سميت جوارح لـجرحها لأربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد ، يقال منه : جرح فلان لأهله خيراً : إذا أكسبهم خيراً ، وفلان جارحة أهله : يعنـي بذلك : كاسبهم ، ولا جارحة لفلانة إذا لـم يكن لها كاسب ، ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة : @ ذَاتَ خَدّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُ يُذْكِرُ الـجارحَ ما كانَ اجْتَرَحْ @@ يعنـي : اكتسب . وترك من قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ } : « وصيد » ما علـمتـم من الـجوارح اكتفـاء بدلالة ما ذكر من الكلام علـى ما ترك ذكره . وذلك أن القوم فـيـما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحلّ لهم اتـخاذه منها وصيده ، فأنزل الله عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الآية فـاستثنى مـما كان حرم اتـخاذه منها ، وأمر بقُنـية كلاب الصيد وكلاب الـماشية وكلاب الـحرث ، وأذن لهم بـاتـخاذ ذلك . ذكر الـخبر بذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا زيد بن حبـاب العكلـي ، قال : ثنا موسى بن عبـيدة ، قال : أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم ، عن سلـمى أم رافع ، عن أبـي رافع ، قال : جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم يستأذن علـيه ، فأذن له ، فقال : " قد أذنّا لَكَ يا رَسُولَ اللّه " ، قال : أجل ، ولكنا لا ندخـل بـيتاً فـيه كلب . قال أبو رافع : فأمرنـي أن أقتل كل كلب بـالـمدينة ، فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فأمرنـي ، فرجعت إلـى الكلب فقتلته ، فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ، ما يحلّ لنا من هذه الأمة التـي أمرتَ بقتلها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلاب ، فقتل حتـى بلغ العوالـي ، فدخـل عاصم بن عديّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة ، فقالوا : ماذا أُحلّ لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : { يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبـاتُ وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلِّبِـينَ } . حدثنـي الـمثنى ، ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، قال : حدثونا عن مـحمد بن كعب القرظيّ ، قال : لـما أمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، قالوا : يا رسول الله ، فماذا يحلّ لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت : { يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلَّ لَهُمْ } . … الآية . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـجوارح التـي عنى الله بقوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ } فقال بعضهم هو كلّ ما علِّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن إسماعيـل بن مسلـم ، عن الـحسن فـي قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } قال : كل ما عُلِّـم فصاد : من كلب ، أو صقر ، أو فَهِد ، أو غيره . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيـل ، عن إسماعيـل بن مسلـم ، عن الـحسن : { مُكَلِّبِـينَ } قال : كلّ ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن معمر ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي صيد الفهد ، قال : هو من الـجوارح . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبـي بزّة ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } قال : الطير ، والكلاب . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن الـحجاج ، عن عطاء ، عن القاسم بن أبـي بزّة ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن حميد ، عن مـجاهد : { مُكَلِّبِـينَ } قال : من الكلاب والطير . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } قال : من الطير والكلاب . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا شعبة ح وثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن طلـحة بن مصرف ، قال : قال : خيثمة بن عبد الرحمن : هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت الهيثم يحدّث عن طلـحة الإيامي ، عن خيثمة ، قال : أنبئت أن الصقر ، والبـاز ، والكلب : من الـجوارح . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن علـيّ بن حسين ، قال : البـاز والصقر من الـجوارح . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن يـمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن أبـي جعفر ، قال : البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } يعنـي بـالـجوارح : الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها . حدثنا الـحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبـيه : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِح مُكَلِّبِـينَ } قال : من الكلاب وغيرها ، من الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلَّـم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } الـجوارح : الكلاب والصقور الـمعلـمة . حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي ، قال : ثنا سفـيان ، عن عمرو بن دينار سمع عبـيد بن عمير يقول فـي قوله : { مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } قال : الكلاب والطير . وقال آخرون : إنـما عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } الكلاب دون غيرها من السبـاع . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو تـميـلة ، قال : ثنا عبـيد ، عن الضحاك : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } قال : هي الكلاب . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } يقول : أحلّ لكم صيد الكلاب التـي علـمتـموهن . حدثنا هناد ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير ، فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعَمه . وأولـى القولـين بتأويـل الآية ، قول من قال : كلّ ما صاد من الطير والسبـاع فمن الـجوارح ، وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعلـيـم ، لأن الله جلّ ثناؤه عمّ بقوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ } : كلّ جارحة ، ولـم يخصص منها شيئاً ، فكل جارحة كانت بـالصفة التـي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها . وقد روِيَ عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، بنـحو ما قلنا فـي ذلك خبر ، مع ما فـي الآية من الدلالة التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك ، وهو ما : حدثنا به هناد ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن مـجالد ، عن الشعبـيّ عن عديّ بن حاتـم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البـازيّ ، فـقال : " ما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ فَكُلْ " فأبـاح صلى الله عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح ، ففـي ذلك دلالة بـينة علـى فساد قول من قال : عنى الله بقوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ } : ما علـمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح . فإن ظنّ ظانّ أن فـي قوله { مُكَلِّبِـينَ } دلالة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ } : هي الكلاب خاصة ، فقد ظنّ غير الصواب ، وذلك أن معنى الآية : قل أحلّ لكم أيها الناس فـي حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبـات وصيد ما علَّـمتـموه الصيد من كواسب السبـاع والطير . فقوله : { مُكَلِّبِـينَ } صفة للقانص ، وإن صاد بغير الكلاب فـي بعض أحيانه ، وهو نظير قول القائل يخاطب قوماً : أحلّ لكم الطيبـات ، وما علـمتـم من الـجوارح مكلبـين مؤمنـين فمعلوم أنه إنـما عنى قائل ذلك إخبـار القوم أن الله جلّ ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات ، وصيد الـجوارح التـي أعلـمهم أنه لا يحلّ لهم منه إلا ما صادوه بها ، فكذلك قوله : { أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبـاتُ وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلِّبِـينَ } لذلك نظيره فـي أن التكلـيب للقانص بـالكلاب كان صيده أو بغيرها ، لا أنه إعلام من الله عزّ ذكره أنه لا يحلّ من الصيد إلا ما صادته الكلاب . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { تُعَلِّـمُونَهُنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { تُعَلِّـمُونَهُنَّ } : تؤدّبون الـجوارح ، فتعلـمونهنّ طلب الصيد لكم مـما علـمكم الله ، يعنـي بذلك : من التأديب الذي أدبكم الله والعلـم الذي علـمكم . وقد قال بعض أهل التأويـل : معنى قوله : { مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } : كما علـمكم الله . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { تُعَلِّـمُونَهُنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } يقول : تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم الله . ولسنا نعرف فـي كلام العرب « من » بـمعنى الكاف ، لأن « من » تدخـل فـي كلامهم بـمعنى التبعيض ، والكاف بـمعنى التشبـيه . وإنـما يوضع الـحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنـياهما ، فأما إذا اختلفت معانـيهما فغير موجود فـي كلامهم وضع أحدهما عقـيب الآخر ، وكتاب الله وتنزيـله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن الـمفهوم والغاية فـي الفصاحة من كلام من نزل بلسانه . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا إسماعيـل بن صبـيح ، قال : ثنا أبو هانىء ، عن أبـي بشر ، قال : ثنا عامر ، أن عديّ بن حاتـم الطائي ، قال : أتـى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب ، فلـم يدر ما يقول له ، حتـى نزلت هذه الآية : { تُعَلِّـمُونَهُنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } . قـيـل : اختلف أهل التأويـل فـي ذلك ، فقال بعضهم : هو أن يُسْتَشْلَـى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه ، ويـمسك علـيه إذا أخذه فلا يأكل منه ، ويستـجيب له إذا دعاه ، ولا يفرّ منه إذا أراده ، فإذا تتابع ذلك منه مراراً كان معلَّـما . وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض أهل العراق . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عصام ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلَّـم ويـمسك ويصيد فهو ميَتة ، ولا يكون قتله إياه ذكاة حتـى يعلَّـم ويُـمسك ويصيد ، فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قال : الـمعلَّـم من الكلاب أن يـمسك صيده فلا يأكل منه حتـى يأتـيه صاحبه ، فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عيـينة ، عن عمرو ، عن طاوس ، عن ابن عبـاس ، قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل ، فإنـما أمسك علـى نفسه . حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم ، قالا : ثنا إسماعيـل بن إبراهيـم ، قال : ثنا أبو الـمعلـى ، عن سعيد بن جبـير ، قال : قال ابن عبـاس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده ، وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله فزعم أنه إنـما أمسك علـى نفسه والله يقول { مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ تُعَلـمُوَنهنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } . فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه أنه لـيس بـمعلـم ، وأنه ينبغي أن يضرب ويعلـم حتـى يترك ذلك الـخـلق . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا معمر الرقـي ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عبـاس ، قال : إذا أخذ الكلب فقتل فأكل ، فهو سبع . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنـي عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن ابن عبـاس ، قال : لا يأكل منه ، فإنه لو كان معلـماً لـم يأكل منه ولـم يتعلـم ما علـمته ، إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبـيّ ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن حماد ، عن إبراهيـم ، عن ابن عبـاس ، قال : إذا أكلت الكلاب فلا تأكل . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن الشعبـي ، عن ابن عبـاس ، بـمثله . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال : ثنا ابن عون ، قال : قلت لعامر الشعبـيّ : الرجل يرسل كلبه فـيأكل منه ، أنأكل منه ؟ لا ، لـم يتعلـم الذي علـمته . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن لـيث ، عن مـجاهد ، عن ابن عمر ، قال : إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه ، فإنه لـيس بـمعلَّـم . حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن ابن طاووس ، عن أبـيه ، قال : إذا أكل الكلب فهو ميتة ، فلا تأكله . حدثنا الـحسن بن عرفة ، قال : ثنا هشيـم ، عن أبـي بشر ، عن سعيد بن جبـير وسيار ، عن الشعبـيّ ومغيرة ، عن إبراهيـم أنهم قالوا فـي الكلب : إذا أكل من صيده فلا تأكل ، فإنـما أمسك علـى نفسه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد ، فما وجدته ميتاً فدعه ، فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيداً ، إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك ، وإن كان قد علـم . حدثنا مـحمد بن الـحسن ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : بنـحوه . وقال آخرون نـحو هذه الـمقالة ، غير أنهم حدّوا لـمعرفة الكَلاَّب بأن كلبه قد قبل التعلـيـم ، وصار من الـجوارح الـحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلاثاً ، وهذا قول مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن . وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة : لا حدّ لعلـم الكلاّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم قالوا : فإذا فعل ذلك فقد صار معلَّـماً حلالاً صيده . وهذا قول بعض الـمتأخرين . وفرّق بعض قائلـي هذه الـمقالة بـين تعلـيـم البـازي وسائر الطيور الـجارحة ، وتعلـيـم الكلب وضاري السبـاع الـجارحة ، فقال : جائز أكل ما أكل منه البـازي من الصيد . قالوا : وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي ، ويجب إذا دُعي ، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه . قالوا : ولـيس من شروط تعلـيـمه أن لا يأكل من الصيد . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا هشيـم ، عن مغيرة ، عن إبراهيـم وحجاج ، عن عطاء ، قال : لا بأس بصيد البـازي وإن أكل منه . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أسبـاط ، قال : ثنا أبو إسحاق ، الشبـيانـيّ ، عن حماد ، عن إبراهيـم ، عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير : إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير : أن يرجع إلـى صاحبه ، ولـيس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكُلْ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن الشعبـي ، قال : لـيس البـازي والصقر كالكلب ، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتـياك ، فكُلْ منه . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو زبـيد ، عن مطرِّف ، عن حماد ، قال إبراهيـم : كُل صيد البـازي وإن أكل منه . حدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفـيان ، عن حماد ، عن إبراهيـم ، وجابر عن الشعبـيّ ، قالا : كل من صيد البـازي وإن أكل . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيـم : إذا أكل البـازي والصقر من الصيد ، فكل ، فإنه لا يعُلَّـم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن حماد ، عن إبراهيـم ، قال : لا بأس بـما أكل منه البـازي . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن حماد ، أنه قال فـي البـازي : إذا أكل منه فكُلْ . وقال آخرون منهم : سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع ، لا يكون نوع من ذلك معلَّـماً إلا بـما يكون به سائر الأنواع معلـماً . وقالوا : لا يحلّ أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه ، كائنة ما كانت تلك الـجارحة بهيـمة أو طائراً . قالوا : لأن من شروط تعلـيـمها . الذي يحلّ به صيدها ، أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فلا تأكل منه . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد وأبو كريب ، قالا : ثنا ابن أبـي زائدة ، قال : ثنا مـحمد بن سالـم ، عن عامر ، قال : قال علـيّ : إذا أكل البـازي من صيده فلا تأكل . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن جعفر ، عن شعبة ، عن مـجالد بن سعيد ، عن الشعبـي ، قال : إذا أكل البـازي منه فلا تأكل . حدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن سفـيان ، عن سالـم ، عن سعيد بن جبـير ، قال : إذا أكل البـازي فلا تأكل . حدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ ، قال : سمعت عكرمة ، قال : إذا أكل البـازي فلا تأكل . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : الكلب والبـازي كلّه واحد ، لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه . قال : قلت لعطاء : البـازي ينتف الريش ؟ قال : فما أدركته ولـم يأكل ، فكُلْ . قال ذلك غير مرّة . وقال آخرون : تعلـيـم كل جارحة من البهائم والطير واحد ، قالوا : وتعلـيـمه الذي يحلّ به صيده أن يُشْلَـى علـى الصيد فـيَسْتَشْلِـي ويأخذ الصيد ، ويدعوه صاحبه فـيجيب ، أو لا يفرّ منه إذا أخذه . قالوا : فإذا فعل الـجارح ذلك كان معلـماً داخلاً فـي الـمعنى الذي قال الله : { وَما عَلَّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلِّبِـينَ تُعْلِّـمونهُنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } قالوا : ولـيس من شرط تعلـيـم ذلك أن لا يأكل من الصيد ، قالوا : وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله ؟ ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن أبـي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد أو سعد ، عن سلـمان ، قال : إذا أرسلت كلبك علـى صيد ، وذكرت اسم الله فأكل ثلثـيه وبقـي ثلثه ، فكل ما بقـي . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال : ثنا حميد ، قال : ثنـي القاسم بن ربـيعة ، عمن حدّثه ، عن سلـمان وبكر بن عبد الله ، عمن حدثه ، عن سلـمان : أن الكلب يأخذ الصيد فـيأكل منه ، قال : كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم الله وكان معلَّـماً . حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى ، قالا : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب ، قال : قال سلـمان : كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي : الصيد إذا أكل منه الكلب . حدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب ، عن سلـمان ، نـحوه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد ، عن شعبة ح وحدثنا هناد قال : ثنا عبدة جميعاً ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : قال سلـمان : إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فأكل ثلثه فكُلْ . حدثنا هناد ، قال : ثنا عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد ، عن سلـمان ، نـحوه . حدثنا مـجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، عن بكر بن عبد الله الـمزنـي والقاسم ، أن سلـمان قال : إذا أكل الكلب فكل ، وإن أكل ثلثـيه . حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، عن داود بن أبـي الفرات ، عن مـحمد بن زيد ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : قال سلـمان : إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو بـازك ، فسميتَ ، فأكَل نصفه أو ثلثـيه ، فكل بقـيته . حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي مخرمة بن بكير ، عن أبـيه ، عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي ، أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال : كُلْ وإن لـم يبق منه إلا حذْية ، يعنـي بَضْعة . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنى عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، قال : سمعت بكير بن الأشج يحدّث عن سعد ، قال : كل وإن أكل ثلثـيه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا سعيد بن الربـيع ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، قال : سمعت بكير بن الأشجّ ، عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة ، قلت : سمعته من سعيد ؟ قال : لا قال : كل وإن أكل ثلثـيه . قال : ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد ، قال : كل وإن أكل نصفه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنى عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن أبـي هريرة ، قال : إذا أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ ، عن إبـي هريرة ، بنـحوه . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ ، عن أبـي هريرة ، نـحوه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنـي سالـم بن نوح العطار ، عن عمر ، يعنـي ابن عامر ، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب ، عن سلـمان ، قال : إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقتل ، فكُلْ وإن أكل ثلثـيه . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر ، قال : سمعت عبد الله ح وحدثنا هناد ، قال : ثنا عبدة ، عن عبـيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، قال : إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم الله فكُلْ ما أمسك علـيك ، أكل أو لـم يأكل . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا عبـيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بنـحوه . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعاً حدثهم : أن عبد الله بن عمر كان لا يرَى بأكل الصيد بأساً ، إذا قتله الكلب أكل منه . حدثنـي يونس به مرة أخرى ، فقال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنـي عبـيد الله بن عمر وابن أبـي ذئب وغير واحد ، أن نافعاً حدثهم عن عبد الله بن عمر ، فذكر نـحوه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا مـحمد بن أبـي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان لا يرى بأساً بـما أكل الكلب الضاري . حدثنا هناد ، قال : ثنا وكيع ، عن ابن أبـي ذئب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن حميد بن عبد الله ، عن سعد ، قال : قلت : لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقـين ؟ قال : كل وإن لـم يبق إلا بَضْعة . حدثنا هناد ، قال : ثنا قبـيصة ، عن سفـيان ، عن ابن أبـي ذئب ، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشجّ ، عن حميد ، قال : سألت سعداً ، فذكر نـحوه . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله : { تُعَلِّـمُونَهُنَّ مِـمَّا عَلَّـمَكُمُ اللّهُ } أن التعلـيـم الذي ذكره الله فـي هذه الآية للـجوارح ، إنـما هو أن يعلـم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أُشلـي علـى الصيد ، وطلبه إياه أغري ، أو إمساكه علـيه إذا أَخذه من غير أن يأكل منه شيئاً ، وألا يفرّ منه إذا أراده ، وأن يجيبه إذا دعاه ، فذلك هو تعلـيـم جميع الـجوارح طيرها وبهائمها . وإن أكل من الصيد جارحة صائد ، فجارحه حينئذٍ غير معلـم . فإن أدرك صاحبه حيًّا فذكّاه حلّ له أكله ، وإن أدركه ميتاً لـم يحلّ له ، لأنه مـما أكله السبع الذي حرّمه الله تعالـى بقوله : { وَما أكَلَ السَّبُع } ولـم يدرك ذكاته . وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بـما : حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن عاصم بن سلـيـمان الأحول ، عن الشعبـيّ ، عن عديّ بن حاتـم ، أنه سأل النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن الصيد ، فقال : " إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فـاذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ ، فإنْ أدْرَكْتَهُ وقد قَتَلَ وأَكَلَ مِنْهُ ، فلا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً ، فإنَّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ " حدثنا أبو كريب ، وأبو هشام الرفـاعي ، قالا : ثنا مـحمد بن فضيـل ، عن بـيان بن بشر ، عن عامر ، عن عديّ بن حاتـم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب ؟ فقال : " إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ الـمُعَلَّـمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها ، فَكُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَـيْكَ وَإنْ قَتَلْنَ ، إلاَّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ ، فإنْ أكَلَ فلا تَأْكُلْ ، فإنّـي أخافُ أنْ يَكُونَ إنَّـمَا حَبَسَهُ علـى نَفْسِهِ " فإن قال قائل : فما أنت قائل فـيـما : حدثك به عمران بن بكار الكلاعي ، قال : ثنا عبد العزيز بن موسى ، قال : ثنا مـحمد بن دينار ، عن أبـي إياس ، عن سعيد بن الـمسيب ، عن سلـمان الفـارسي ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذَا أرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ علـى الصَّيْدِ فَأدْرَكَهُ وَقَدْ أكَلَ مِنْهُ ، فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ " قـيـل : هذا خبر فـي إسناده نظر ، فإن سعيداً غير معلوم له سماع من سلـمان ، والثقات من أهل الآثار يقـفون هذا الكلام علـى سلـمان ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم . والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد لـيس له حفظهم ، كانت الـجماعة الأثبـات أحقّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي لـيس له حفظهم . وإذا كان الأمر فـي الكلب علـى ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلّـم ، فكذلك حكم كلّ جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلَّـم ، لا يحلّ له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } . يعنـي بقوله : { فَكُلُوا مِـما أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } : فكلوا أيها الناس مـما أمسكتْ علـيكم جوارحكم . واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : ذلك علـى الظاهر والعموم كما عمـمه الله حلال أكل كل ما أمسكت علـينا الكلاب والـجوارح الـمعلـمة من الصيد الـحلال أكله ، أكل منه الـجارح والكلاب أو لـم يأكل منه ، أدركت ذكاته فذُكي أو لـم تدرك ذكاته حتـى قتلته الـجوارح ، بجرحها إياه أو بغير جرح . وهذا قول الذين قالوا : تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلَّـم الاستشلاء علـى الصيد وطلبه إذا أُشلـيت علـيه وأخذَه ، وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته . وقد ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـاً . وقال آخرون : بل ذلك علـى الـخصوص دون العموم ، قالوا : ومعناه : فكلوا مـما أمسكن علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه . قالوا : فإن أكلت الـجوارح منه بعضاً وأمسكت بعضاً ، فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها لا علـينا ، والله تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما أمسكته جوارحنا الـمعلَّـمة علـيه بقوله : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } دون ما أمسكته علـى أنفسها ، وهذا قول من قال : تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها ، أن تَسْتَشْلـي للصيد إذا أُشلـيت فتطلبه وتأخذه ، فتـمسكه علـى صاحبها فلا تأكل منه شيئاً ، ولا تفرّ من صاحبها وقد ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة ، ونذكر منهم جماعة آخرين فـي هذا الـموضع . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } يقول : كلوا مـما قتلن . قال علـيّ : وكان ابن عبـاس يقول : إن قتل وأكل فلا تأكل ، وإن أمسك فأدركته حيًّا فذَكّه . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قال : إن أكل الـمعلـم من الكلاب من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فَكُلوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه ، فهو حلّ ، فإن أكل منه ، فـيقال : إنـما أمسك علـى نفسه ، فلا تأكل منه شيئاً ، إنه لـيس بـمعلَّـم . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحلَّ لَهُمْ } إلـى قوله : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ } قال : إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو طيرك أو سهمك ، فذكرت اسم الله ، فأخذ أو قتل ، فكل . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، يقول : أخبرنا عبـيد بن سلـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : إذا أرسلت كلبك الـمعلَّـم فذكرت اسم الله حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال ، فإذا أكل منه فلا تأكله ، فإنـما أمسكه علـى نفسه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الشعبـيّ ، عن عديّ ، قوله : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } قال : قلت يا رسول الله إن أرضى أرض صيد ؟ قال : " إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فكُلْ مـما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ كَلْبَكَ ، وإنْ قَتَلَ ، فإنْ أَكَلَ فلا تَأْكُلْ فإنَّه إنَّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ " وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره . فإن قال قائل : وما وجه دخول « مِن » فـي قوله : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } ، وقد أحلّ الله لنا صيد جوارحنا الـحلال ، « ومن » إنـما تدخـل فـي الكلام مبعضة لـما دخـلت فـيه ؟ قـيـل : قد اختلف فـي معنى دخولها فـي هذا الـموضع أهل العربـية ، فقال بعض نـحويـي البصرة حين دخـلت « من » فـي هذا الـموضع لغير معنى ، كما تدخـله العرب فـي قولهم : كان من مطر ، وكان من حديث . قال : ومن ذلك قوله : { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } [ البقرة : 271 ] ، وقوله : { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] . قال : وهو فـيـما فسر : وينزل من السماء جبـالاً فـيها برد . قال : وقال بعضهم : وُينزّل مِنَ السَّماء مِنْ جِبـالٍ فـيها مِنْ بَرَدٍ أي من السماء من برد ، بجعل الـجبـال من برد فـي السماء ، وبجعل الإنزال منها . وكان غيره من أهل العربـية يُنكر ذلك ويقول : لـم تدخـل « من » إلا لـمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلـح إلا به ، وذلك أنها دالة علـى التبعيض . وكان يقول : معنى قولهم : « قد كان من مطر ، وكان من حديث » : هل كان من مَطَرٍ مَطَر عندكم ، وهل من حَدِيثٍ حديث عندكم . ويقول : معنى وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشاء ويريد ، وفـي قوله : ويُنَزّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ فـيجيز حذف « مِنْ » مِنْ بَرَدٍ ولا يجيز حذفها من « الـجبـال » ، ويتأوّل معنى ذلك : وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ ، ثم أدخـلت « من » فـي البرَد ، لأن البرَد مفسر عنده عن الأمثال : أعنـي : أمثال الـجبـال ، وقد أقـيـمت الـجبـال مقام الأمثال ، والـجبـال وهي جبـال برَد ، فلا يجيز حذف « من » من الـجبـال ، لأنها دالة علـى أن الذي فـي السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبـال برد ، وأجاز حذف « مِنْ » من « البرد » ، لأن « البرد » مفسر عن الأمثال ، كما تقول : عندي رطلان زيتاً ، وعندي رطلان من زيت ، ولـيس عندك الرطل وإنـما عندك الـمقدار ، فـ « مِنْ » تدخـل فـي الـمفسر وتـخرج منه . وكذلك عند قائل هذا القول : من السماء ، من أمثال جبـال ، ولـيس بجبـال . وقال : وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالاً ، ثم حذف « الـجبـال » الثانـية و « الـجبـال » الأوّل فـي السماء جاز ، تقول : أكلت من الطعام ، تريد : أكلت من الطعام طعاماً ، ثم تـحذف الطعام ولا تسقط « من » . والصواب من القول فـي ذلك ، أن « مِنْ » لا تدخـل فـي الكلام إلا لـمعنى مفهوم ، وقد يجوز حذفها فـي بعض الكلام وبـالكلام إلـيها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام علـيها ، فأما أن تكون فـي الكلام لغير معنى أفـادته بدخولها ، فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير جائز أن يكون فـيـما صحّ من الكلام . ومعنى دخولها فـي قوله : { فَكُلُوا مـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أحلّ الله لهم لـحومه وحرم علـيهم فرثه ودمه ، فقال جلّ ثناؤه : { فَكُلُوا مِـمَّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ } جوارحكم الطيبـات التـي أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من الفَرْث والدم وما أشبه ذلك مـما لـم أطيبه لكم ، فذلك معنى دخول « من » فـي ذلك . وأما قوله : { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } [ البقرة : 271 ] فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته . وأما دخولها فـي قوله : { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ } [ النور : 43 ] فسنبـينه إذا أتـينا علـيه إن شاء الله تعالـى : القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { واذْكُرُوا اسْمَ الله } علـى ما أمسكت علـيكم جوارحكم من الصيد . كما : حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـي ، عن ابن عبـاس ، قوله : { واذكُرُوا اسْمَ الله عَلَـيْهِ } يقول : إذا أرسلت جوارحك فقل : بسم الله ، وإن نسيت فلاحرج . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْهِ } قال : إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سَرِيعُ الـحِسابِ } . يعنـي جلّ ثناؤه : واتقوا الله أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه ، فـاحذروه فـي ذلك أن تقدموا علـى خلافه ، وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلَّـمة أو مـما لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها ، أو تَطعَموا ما لـم يسمّ الله علـيه من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لـم يوحد الله من خـلقه ، أو ذبحوه ، فإن الله قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه . ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال : اعلـموا أن الله سريع حسابه لـمن حاسبه علـى نعمته علـيه منكم وشكر الشاكر منكم ربه ، علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى ، لأنه حافظ لـجميع ذلك فـيكم فـيحيط به ، لا يخفـى علـيه منه شيء ، فـيجازي الـمطيع منكم بطاعته والعاصي بـمعصيته ، وقد بـين لكم جزاء الفريقـين .