Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-41)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بهذه الآية ، فقال بعضهم : نزلت فـي أبـي لُبـابة بن عبد الـمنذر بقوله لبنـي قريظة حين حاصرهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم : « إنـما هو الذبح ، فلا تنزلوا علـى حكم سعد » . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { لا يحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } قال : نزلت فـي رجل من الأنصار زعموا أنه أبو لُبـابة أشارت إلـيه بنو قُريظة يوم الـحصار ما الأمر ؟ وعلام ننزل ؟ فأشار إلـيهم : إنه الذبح . وقال آخرون : بل نزلت فـي رجل من الـيهود سأل رجلاً من الـمسلـمين يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكمه فـي قتـيـل قتله . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد بن بشر ، عن زكريا ، عن عامر : { لا يحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ } قال : كان رجل من الـيهود قتله رجل من أهل دينه ، فقال القاتل لـحلفـائهم من الـمسلـمين : سلوا لـي مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن كان يقضي بـالدية اختصمنا إلـيه ، وإن كان يأمرنا بـالقتل لـم نأته . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن زكريا ، عن عامر نـحوه . وقال آخرون : بل نزلت فـي عبد الله بن صُورِيا ، وذلك أنه ارتدّ بعد سلامه . ذكر من قال ذلك : حدثنا هناد وأبو كريب ، قالا : ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي الزهريّ ، قال : سمعت رجلاً من مزينة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب ، أن أبـا هريرة حدثهم ، أن أحبـار يهود اجتـمعوا فـي بـيت الـمدارس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمدينة ، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بـامرأة من يهود قد أحصنت . فقالوا : انطلقوا بهذا الرجل وبهذه الـمرأة إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم ، فـاسألوه كيف الـحكم فـيهما فولوه الـحكم علـيهما ، فإن عمل فـيهما بعملكم من التـحميـم ، وهو الـجلد بحبل من لـيف مطلـيّ بقارٍ ، ثم يُسوّد وجوههما ، ثم يُحملان علـى حمارين وتـحوّل وجوههما من قِبَل دبر الـحمار ، فـاتبعوه ، فإنـما هو ملك . وإن هو حكم فـيهما بـالرجم فإنه نبـيّ فـاحذروه علـى ما فـي أيديكم أن يسلُبكموه . قأتوه فقالوا : يا مـحمد هذا الرجل قد زنى بعد إحصانه بـامرأة قد أحصنت ، فـاحكم فـيهما ، فقد ولـيناك الـحكم فـيهما فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أتـى أحبـارهم فـي بـيت الـمدارس ، فقال : " يا مَعْشَرَ الـيَهُودِ أخْرِجُوا إلـى أعْلَـمَكُمْ " فأخرجوا إلـيه عبد الله بن صُورِيا الأعور . وقد روي بعض بنـي قريظة أنهم أخرجوا إلـيه يومئذٍ مع ابن صوريا أبـا ياسر بن أخطب ووهب بن يهودا ، فقالوا : هؤلاء علـماؤنا فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى حصل أمرهم ، إلـى أن قالوا لابن صوريا : هذا أعلـم من بقـي بـالتوراة . فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان غلاماً شابـاً من أحدثهم سناً ، فألظّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمسألة ، يقول : " يا ابْنَ صُورِيا أنْشُدُك الله وأذكرك أيادِيه عِنْدَ بنـي إسْرائيـل ، هل تَعْلَـمُ أنَّ الله حَكَمَ فـيـمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بـالرَّجْمِ فـي التَّوْرَاة ؟ " فقال : اللهمَّ نعم أما والله يا أبـا القاسم إنهم لـيعلـمون أنكّ نبـيّ مرسل ، ولكنهم يحسدونَك . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بهما فرُجما عند بـاب مسجده فـي بنـي عثمان بن غالب بن النـجار . ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا ، فأنزل الله : { يا أيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بأفْوَاهِهِمْ ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ح وحدثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ح ، وحدثنا هناد ، قال : ثنا عبـيدة بن عبـيد ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن البراء بن عازب ، قال : مُرّ علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـيهودي مـحمَّـم مـجلود ، فدعا النبـيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً من علـمائهم ، فقال : " أهَكَذا تَـجِدُونَ حَدَّ الزنـى فِـيكُمْ ؟ " قال : نعم . قال : " فأنْشُدُك بـالذي أنْزَلَ التَّورَاةَ علـى مُوسَى ، أهَكَذا تَـجِدُونَ حَدَّ الزانـي فـيكم " ؟ قال : لا ، ولولا أنك نَشَدْتَنـي بهذا لـم أحدثك ، ولكن الرجم ، ولكن كثر الزنا فـي أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا علـيه الـحدّ ، فقلنا تعالوا نـجتـمع فنضع شيئاً مكان الرجم فـيكون علـى الشريف والوضيع ، فوضعنا التـحميـم والـجلد مكان الرّجم . فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " اللهمّ إنـي أنا أوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إذْ أَماتُوه " فأمر به فرجم ، فأنزل الله : { لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ … } الآية . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن معمر ، عن الزهريّ ، قال : كنت جالساً عند سعيد بن الـمسيب وعند سعيد ، رجل يوقره ، فإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الـحديبـية وكان من أصحاب أبـي هريرة ، قال : قال أبو هريرة : كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ح ، وحدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو صالـح كاتب اللـيث ، قال : ثنـي اللـيث ، قال : ثنـي عقـيـل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرنـي رجل من مزينة مـمن يتبع العلـم ويعيه ، حدّث عن سعيد بن الـمسيب ، أن أبـا هريرة قال : بـينا نـحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاءه رجل من الـيهود ، وكانوا قد أشاروا فـي صاحب لهم زنى بعد ما أحصن ، فقال بعضهم لبعض : إن هذا النبـيّ قد بُعث ، وقد علـمتـم أن قد فرض علـيكم الرجم فـي التوراة فكتـمتـموه واصطلـحتـم بـينكم علـى عقوبة دونه ، فـانطلقوا فنسأل هذا النبـيّ ، فإن أفتانا بـما فرض علـينا فـي التوراة من الرجم تركنا ذلك ، فقد تركنا ذلك فـي التوراة ، فهي أحقّ أن تطاع وتصدّق . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبـا القاسم إنه زنى صاحب لنا قد أحصن ، فما ترى علـيه من العقوبة ؟ قال أبو هريرة : فلـم يرجع إلـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى قام وقمنا معه ، فـانطلق يؤمّ مدراس الـيهود حتـى أتاهم ، فوجدهم يتدارسون التوراة فـي بـيت الـمدارس ، فقال لهم : " يا مَعْشَرَ الـيَهُودِ أنْشُدُكُمْ بـاللّهِ الَّذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ علـى مُوسَى ماذَا تَـجِدُونَ فِـي التَّوْرَاةِ مِنَ العُقُوبَةِ علـى مَنْ زَنى وَقَدْ أحْصِن " ؟ قالوا : إنا نـجده يُحَمَّـم ويجلده . وسكت حبرهم فـي جانب البـيت . فلـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صمته ألظَّ به النشدة ، فقال حبرهم : اللهمّ إذ نشدتنا فإنا نـجد علـيهم الرجم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَمَاذَا كانَ أوَّلَ ما تَرَخَّصْتُـمْ بِهِ أمْرَ اللّهِ " ؟ قال : زنى ابن عمّ ملك فلـم يرجمه ، ثم زنى رجل آخر فـي أسرة من الناس ، فأراد ذلك الـملك رجمه ، فقام دونه قومه ، فقالوا : والله لا ترجمه حتـى ترجم فلاناً ابن عمّ الـملك فـاصطلـحوا بـينهم عقوبةً دون الرجم ، وتركوا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنِّـي أقْضِي بِـمَا فِـي التَّوْرَاةِ " فأنْزَلَ الله فـي ذلك : { يا أيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ … } إلـى قوله : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ المائدة : 44 ] وقال آخرون : بل عُنـي بذلك الـمنافقون . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير فـي قوله : { يا أيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } قال : هم الـمنافقون . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { آمَنَّا بأفْوَاهِهِمْ } قال : يقول هم الـمنافقون . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال : عُنِـي بذلك : { لا يحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } : قوم من الـمنافقـين . وجائز أن يكون كان مـمن دخـل فـي هذه الآية ابن صُوريا ، وجائز أن يكون أبو لُبـابة ، وجائز أن يكون غيرهما . غير أن أثبت شيء رُوي فـي ذلك ما ذكرناه من الرواية قبل عن أبـي هريرة والبراء بن عازب ، لأن ذلك عن رجلـين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان الصحيح من القول فـيه أن يقال : عُنـي به عبد الله بن صُورِيا . وإذا صحّ ذلك كان تأويـل الآية : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فـي جحود نبوّتك والتكذيب بأنك لـي نبـيّ من الذين قالوا : صدّقنا بك يا مـحمد أنك لله رسول مبعوث ، وعلـمنا بذلك يقـيناً بوجودنا صفتك فـي كتابنا وذلك أن فـي حديث أبـي هريرة الذي رواه ابن إسحاق ، عن الزهري ، أن ابن صوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والله يا أبـا القاسم إنهم لـيعلـمون أنك نبـيّ مرسل ، ولكنهم يحسدونك . فذلك كان علـى هذا الـخبر من ابن صوريا إيـماناً برسول الله صلى الله عليه وسلم بفـيه ، ولـم يكن مصدّقاً لذلك بقلبه ، فقال الله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم مطلعه علـى ضمير ابن صوريا وأنه لـم يؤمن بقلبه ، يقول : ولـم يصدّق قلبه بأنك لله رسول مرسل . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يأْتُوكَ } . يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها الرسول ، لا يحزنك تسرّع من تسرّع من هؤلاء الـمنافقـين الذين يظهرون بألسنتهم تصديقك ، وهم معتقدون تكذيبك إلـى الكفر بك ، ولا تسرع الـيهود إلـى جحود نبوّتك . ثم وصف جلّ ذكره صفتهم ونعتهم له بنعوتهم الذميـمة وأفعالهم الرديئة ، وأخبره معزّياً له علـى ما يناله من الـحزن بتكذيبهم إياه مع علـمهم بصدقه أنهم أهل استـحلال الـحرام والـمآكل الرديئة والـمطاعم الدنـيئة من الرُشَا والسُحْت ، وأنهم أهل إفك وكذب علـى الله وتـحريف كتابه . ثم أعلـمه أنه مـحلّ بهم خزيه فـي عاجل الدنـيا ، وعقابه فـي آجل الآخرة ، فقال : همْ { سَمَّاعُونَ للكَذِبِ } يعنـي هؤلاء الـمنافقـين من الـيهود ، يقول : هم يسمعون الكذب ، وسمعهم الكذب : سمعهم قول أحبـارهم أن حكم الزانـي الـمـحْصن فـي التوراة : التـحميـم والـجلد ، { سَمَّاعُونَ لَقْومٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ } يقول : يسمعون لأهل الزانـي الذين أرادوا الاحتكام إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم القوم الآخرون الذين لـم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا مصرّين علـى أن يأتوه ، كما قال مـجاهد . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال مـجاهد : { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ } : مع من أتوك . واختلف أهل التأويـل فـي السمّاعين للكذب السمّاعين لقوم آخرين ، فقال بعضهم : سماعون لقوم آخرين يهود فدك ، والقوم الآخرون الذين لـم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود الـمدينة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن ابن عيـينة ، قال : ثنا زكريا ومـجالد ، عن الشعبـيّ ، عن جابر فـي قوله : { وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قال : يهود الـمدينة { لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } قال : يهود فدك يقولون لـيهود الـمدينة : إن أوتـيتـم هذا فخذوه . وقال آخرون : الـمعنىّ بذلك قوم من الـيهود كان أهل الـمرأة التـي بغت بعثوا بهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الـحكم فـيها ، والبـاعثون بهم هم القوم الآخرون ، وهم أهل الـمرأة الفـاجرة ، لـم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ } كان بنو إسرائيـل أنزل الله علـيهم : إذا زنى منكم أحد فـارجموه . فلـم يزالوا بذلك حتـى زنى رجل من خيارهم فلـما اجتـمعت بنو إسرائيـل يرجمونه ، قام الـخيار والأشراف فمنعوه . ثم زنى رجل من الضعفـاء ، فـاجتـمعوا لـيرجموه ، فـاجتـمعت الضعفـاء فقالوا : لا ترجموه حتـى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعاً فقالت بنو إسرائيل : ان هذا الامر قد اشتد علينا ، فتعالوا فلنصلحه ، فتركوا الرجم ، وجعلوا مكانه أربعين جلدة بحبل مقير ويحممونه ويحملونه على حمار ، ووجهه الى ذنبه ، ويسوّدون وجهه ، ويطوفون به ، فكانوا يفعلون ذلك حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ، فزنت امرأة من أشراف اليهود ، يقال لها بُسرة ، فبعث أبوها ناساً من أصحابه إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : سلوه عن الزنا وما نزل إلـيه فـيه فإنا نـخاف أن يفضحنا ويخبرنا بـما صنعنا ، فإن أعطاكم الـجلد فخذوه وإن أمركم بـالرجم فـاحذروه . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال : " الرَّجْم " فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } حين حرّفوا الرجم فجعلوه جلداً . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب ، قول من قال : إن السماعين للكذب ، هم السماعون لقوم آخرين . وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود الـمدينة والـمسموع لهم من يهود فدك ، ويجوز أن يكونوا كانوا من غيرهم . غير أنه أيّ ذلك كان ، فهو من صفة قوم من يهود سمعوا الكذب علـى الله فـي حكم الـمرأة التـي كانت بغت فـيهم وهي مـحصنة ، وأن حكمها فـي التوراة التـحميـم والـجلد ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الـحكم اللازم لها ، وسمعوا ما يقول فـيها قوم الـمرأة الفـاجرة قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مـحتكمين إلـيه فـيها . وإنـما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لهم لـيعلـموا أهل الـمرأة الفـاجرة ما يكون من جوابه لهم ، فإن لـم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكماً فـيهم ، وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه . وبنـحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { سَّماعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قال : لقوم آخرين لـم يأتوك من أهل الكتاب ، هؤلاء سماعون لأولئك القوم الآخرين الذين لـم يأتوه ، يقولون لهم الكذب : مـحمد كاذب ، ولـيس هذا فـي التوراة ، فلا تؤمنوا به . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضَعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا } . يقول تعالـى ذكره : يحرّف هؤلاء السماعون للكذب ، السماعون لقوم آخرين منهم لـم يأتوك بعد من الـيهود الكَلِـم . وكان تـحريفهم ذلك : تغيـيرهم حكم الله تعالـى ذكره الذي أنزله فـي التوراة فـي الـمـحصنات والـمـحصنـين من الزناة بـالرجم إلـى الـجلد والتـحميـم ، فقال تعالـى ذكره : { يَحرّفُونَ الكَلِـمَ } يعنـي : هؤلاء الـيهود ، والـمعنى : حكم الكلـم ، فـاكتفـى بذكر الـخبر من تـحريف الكلـم عن ذكر الـحكم لـمعرفة السامعين لـمعناه . وكذلك قوله : { مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } والـمعنى : من بعد وضع الله ذلك مواضعه ، فـاكتفـى بـالـخبر من ذكر مواضعه عن ذكر وضع ذلك ، كما قال تعالـى ذكره : وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الآخِرِ والـمعنى : ولكن البرّ برُّ من آمن بـالله واليوم الآخر . وقد يحتـمل أن يكون معناه : يحرّفون الكلـم عن مواضعه ، فتكون « بعد » وُضعت موضع « عن » ، كما يقال : جئتك عن فراغي من الشغل ، يريد : بعد فراغي من الشغل . ويعنـي بقوله { إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا } يقول : هؤلاء البـاغون السماعون للكذب ، إن أفتاكم مـحمد بـالـجلد والتـحميـم فـي صاحبنا فخذوه ، يقول : فـاقبلوه منه ، وإن لـم يُفتِكم بذلك وأفتاكم بـالرجم ، فـاحذروا . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي الزهري ، قال : سمعت رجلاً من مزينة يحدّث سعيد بن الـمسيب ، أن أبـا هريرة حدثهم فـي قصة ذكرها : { وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ للكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ } قال : بعثوا وتـخـلفوا ، وأمروهم بـما أمروهم به من تـحريف الكلـم عن مواضعه ، فقال : يحرّفون الكلـم من بعد مواضعه ، يقولون : إن أوتـيتـم هذا فخذوه للتـحميـم ، وإن لـم تؤتوه فـاحذروا : أي الرجم . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله : { إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذا } : إن وافقكم هذا ، { فَخُذُوهُ } يهود تقوله للـمنافقـين . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ } : إن وافقكم هذا فخذوه ، وإن لـم يوافقكم فـاحذروه . يهود تقوله للـمنافقـين . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } حين حرّفوا الرجم فجعلوه جلداً ، يقولون : { إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتُوهُ فـاحْذَرُوا } . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبـير ، عن ابن عيـينة ، قال : ثنا زكريا ومـجالد ، عن الشعبـيّ ، عن جابر : { يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ } يهود فدك يقولون لـيهود الـمدينة : إن أوتـيتـم هذا الـجلد فخذوه ، وإن لـم تؤتوه فـاحذروا الرجم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا } هُمُ الـيهود ، زنت منهم امرأة ، وكان الله قد حكم فـي التوراة فـي الزنا بـالرجم ، فنفسوا أن يرجموها ، وقالوا : انطلقوا إلـى مـحمد فعسى أن يكون عنده رخصة ، فإن كانت عنده رخصة فـاقبلوها . فأتَوْه فقالوا : يا أبـا القاسم إن امرأة منا زنت ، فما تقول فـيها ؟ فقال لهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِـي التَّوْرَاةِ فـي الزّانِـي ؟ " فقالوا : دعنا من التوراة ، ولكن ما عندك فـي ذلك فقال : " ائْتُونِـي بأعْلَـمِكُمْ بـالتَّوْرَاةِ التـي أُنْزِلَتْ علـى مُوسَى " فقال لهم : " بـالَّذِي نَـجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَبـالَّذِي فَلَقَ لَكُمْ البَحْرَ فَأْنـجاكمْ وأغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ إلاَّ أخْبَرْتُـمُونِـي ما حُكْمُ اللَّهِ فِـي التَّوْرَاةِ فِـي الزَّانِـي " قالوا : حكمه الرجم . فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا } ذكر لنا أن هذا كان فـي قتـيـل من بنـي قريظة قتلته النضير ، فكانت النضير إذا قتلت من بنـي قريظة لـم يقـيدوهم ، إنـما يعطونهم الدية لفضلهم علـيهم ، وكانت قريظة إذا قتلت من النضير قتـيلاً لـم يرضوا إلا بـالقود لفضلهم علـيهم فـي أنفسهم تعزّزاً . فقدم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم الـمدينة علـى هيئة فعلهم هذا ، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم رجل من الـمنافقـين : إن قتـيـلكم هذا قتـيـل عمد ، متـى ما ترفعوه إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم أخشى علـيكم القود ، فإن قبل منكم الدية فخذوه ، وإلا فكونوا منه علـى حذر . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } يقول يحرّف هؤلاء الذين لـم يأتوك الكلـم عن مواضعه ، لا يضعونه علـى ما أنزله الله . قال : وهؤلاء كلهم يهود ، بعضهم من بعض . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية وعبـيدة بن حميد ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن البراء بن عازب : { يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا } يقولون : ائتوا مـحمداً ، فإن أفتاكم بـالتـحميـم والـجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بـالرجم فـاحذروا . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهِ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَـمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } . وهذا تسلـية من الله تعالـى ذكره نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم من حزنه علـى مسارعة الذين قصّ قصتهم من الـيهود والـمنافقـين فـي هذه الآية ، يقول له تعالـى ذكره : لا يحزنك تسرّعهم إلـى جحود نبوّتك ، فإنـي قد حَتَـمْتُ علـيهم أنهم لا يتوبون من ضلالتهم ، ولا يرجعون عن كفرهم للسابق من غضبـي علـيهم ، وغير نافعهم حزنك علـى ما ترى من تسرّعهم إلـى ما جعلته سببلاً لهلاكهم واستـحقاقهم وعيدي . ومعنى الفتنة فـي هذا الـموضع : الضلالة عن قصد السبـيـل . يقول تعالـى ذكره : ومن يرد الله يا مـحمد مرجعه بضلالته عن سبـيـل الهدى ، فلن تـملك له من الله استنقاذاً مـما أراد الله به من الـحيرة والضلالة ، فلا تشعر نفسك بالـحزن علـى ما فـاتك من اهتدائه للـحقّ . كما : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : وَمَنْ يُرِدِ اللَّهِ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَـمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوَبهُمْ لَهُمْ فِـي الدُّنْـيا خِزْيٌ ، ولَهُمْ فِـي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ } . يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك الذين يسارعون فـي الكفر ، من الـيهود الذين وصفت لك صفتهم ، وإن مسارعتهم إلـى ذلك أن الله قد أراد فتنتهم وطبع على قلوبهم ولا يهتدون أبداً { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوَبهُمْ } . يقول هؤلاء الذين لم يرد الله أن يُطَّهِرْ من دنس الكفر ووسخ الشرك قلوبهم بطهارة الاسلام ونظافة الإيمان فيتوبوا ، بل أراد بهم الخزى في الدنيا ، وذلك الذل والهوان ، وفي الآخرة عذاب جهنـم خالدين فـيها أبداً . وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـخزي روي القول عن عكرمة . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفـيان ، عن علـيّ بن الأرقم وغيره ، عن عكرمة : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوَبهُمْ لَهُمْ فِـي الدُّنْـيا خِزْيٌ } قال : مدينة فـي الروم تُفتـح فـيُسْبَوْن .