Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي جلّ ثناؤه بذلك : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَـيْكُمْ } أيها الـمؤمنون بـالعقود التـي عقدتـموها لله علـى أنفسكم ، واذكروا نعمته علـيكم فـي ذلكم ، بأن هداكم من العقود لـما فـيه الرضا ، ووفقكم لـما فـيه نـجاتكم من الضلالة والردى فـي نعم غيرها جمة . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَـيْكُمْ } قال : النعم : آلاء الله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وأما قوله : { وَمِيثاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } فإنه يعنـي : واذكروا أيضاً أيها الـمؤمنون فـي نعم الله التـي أنعم علـيكم ميثاقه الذي واثقكم به ، وهو عهده الذي عاهدكم به . واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي ذكر الله فـي هذه الآية ، أيّ مواثـيقه عنـي ؟ فقال بعضهم : عنـي به ميثاق الله الذي واثق به الـمؤمنـين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بـايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى السمع والطاعة له فـيـما أحبوا وكرهوا ، والعمل بكلّ ما أمرهم الله به ورسوله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَـيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُـمْ سَمِعْنا وأطَعْنا } … الآية ، يعنـي : حيث بعث الله النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وأنزل علـيه الكتاب ، فقالوا : آمنا بـالنبـيّ وبـالكتاب ، وأقررنا بـما فـي التوراة . فذكرهم الله ميثاقه الذي أقرّوا به علـى أنفسهم ، وأمرهم بـالوفـاء به . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَـيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُـمْ سَمِعْنا وأطَعْنا } فإنه أخذ ميثاقنا ، فقلنا سمعنا وأطعنا علـى الإيـمان والإقرار به وبرسوله . وقال آخرون : بل عنى به جلّ ثناؤه : ميثاقه الذي أخذ علـى عبـاده حين أخرجهم من صلب آدم صلى الله عليه وسلم ، وأشهدهم علـى أنفسهم : ألست بربكم ؟ فقالوا : بلـى شهدنا . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَمِيثاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } قال : الذي واثق به بنـي آدم فـي ظهر آدم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، نـحوه . وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك : قول ابن عبـاس ، وهو أن معناه : واذكروا أيها الـمؤمنون نعمة الله علـيكم التـي أنعمها علـيكم بهدايته إياكم للإسلام وميثاقه الذي واثقكم به ، يعنـي : وعهده الذي عاهدكم به حين بـايعتـم رسوله مـحمداً صلى الله عليه وسلم علـى السمع والطاعة له فـي الـمنشط والـمكره ، والعسر والـيسر ، إذ قلتـم سمعنا ما قلت لنا ، وأخذت علـينا من الـمواثـيق وأطعناك فـيـما أمرتنا به ونهيتنا عنه ، وأنعم علـيكم أيضاً بتوفـيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له سمعنا وأطعنا ، يقول : ففوا لله أيها الـمؤمنون بـميثاقه الذي واثقكم به ، ونعمته التـي أنعم علـيكم فـي ذلك بإقراركم علـى أنفسكم بـالسمع له والطاعة فـيـما أمركم به ، وفـيـما نهاكم عنه ، يف لكم بـما ضمن لكم الوفـاء به إذا أنتـم وفـيتـم له بـميثاقه من إتـمام نعمته علـيكم ، وبـادخالكم جنته وبـانعامكم بـالـخـلود فـي دار كرامته ، وإنقاذكم من عقابه وألـيـم عذابه . وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من قول من قال : عنـي به الـميثاق الذي أخذ علـيهم فـي صلب آدم صلوات الله علـيه ، لأن الله جلّ ثناؤه ذكر بعقب تذكرة الـمؤمنـين ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة بعد ما أنزل كتابه علـى نبـيه موسى صلى الله عليه وسلم فـيـما أمرهم به ونهاهم فـيها ، فقال : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [ المائدة : 12 ] … الآيات بعدها ، منبهاً بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مـحمد علـى مواضع حظوظهم من الوفـاء لله بـما عدهدهم علـيه ، ومعرِّفهم سوء عاقبة أهل الكتاب فـي تضيـيعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به فـي أمره ونهيه ، وتعزير أنبـيائه ورسله ، زاجراً لهم عن نكث عهودهم ، فـيحلّ بهم ما أحلّ بـالناكثـين عهوده من أهل الكتاب قبلهم ، فكان إذا كان الذي ذكِّرهم فوعظهم به ، ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إلـيهم ، وإنزال الكتاب علـيهم واجبـاً ، أن يكون الـحال التـي أخذ فـيها الـميثاق والـموعوظين نظير حال الذين وعظوا بهم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان بـيِّناً صحة ما قلنا فـي ذلك وفساد خلافه . وأما قوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصدُورِ } فإنه وعيد من الله جلّ اسمه للـمؤمنـين الذين أطافوا برسوله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، وتهديداً لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به فـي رسله وعهدهم الذي عاهدوه فـيه ، بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم . يقول لهم جلّ ثناؤه : واتقوا الله أيها الـمؤمنون ، فخافوه أن تبدّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به ، أو تـخالفوا ما ضمنتـم له بقولكم : سمعنا وأطعنا ، بأن تضمروا له غير الوفـاء بذلك فـي أنفسكم ، فإن الله مطلع علـى ضمائر صدوركم ، وعالـم بـما تـخفـيه نفوسكم لا يخفـى علـيه شيء من ذلك ، فـيحلّ بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به ، كالذي حلّ بـمن قبلكم من الـيهود من الـمسخ وصنوف النقم ، وتصيروا فـي معادكم إلـى سخط الله وألـيـم عقابه .