Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بـالله وبرسوله مـحمد ، لـيكن من أخلاقكم وصفـاتكم القـيام لله ، شهداء بـالعدل فـي أولـيائكم وأعدائكم ، ولا تـجوروا فـي أحكامكم وأفعالكم ، فتـجاوزوا ما حددت لكم فـي أعدائكم لعدواتهم لكم ، ولا تقصروا فـيـما حددت لكم من أحكامي وحدودي فـي أولـيائكم لولايتهم ، ولكن انتهوا فـي جميعهم إلـى حدّي ، واعملوا فـيه بأمري . وأما قوله : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا } فإنه يقول : ولا يحملنكم عداوة قوم علـى ألا تعدلوا فـي حكمكم فـيهم وسيرتكم بـينهم ، فتـجوروا علـيهم من أجل ما بـينكم وبـينهم من العداوة . وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويـل فـي معنى قوله : { كُونُوا قَوَّامِينَ بـالقِسْطِ شُهَدَاءِ لِلّهِ } وفـي قوله : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } واختلاف الـمختلفـين فـي قراءة ذلك والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـيه والقراءة بـالأدلة الدالة علـى صحته بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقد قـيـل : إن هذه الآية نزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همت الـيهود بقتله . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثـير : { يا أيُها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بـالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَبُ للتَّقْوَى } نزلت فـي يهود خيبر ، أرادوا قتل النبـيّ صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جريج : قال عبد الله بن كثـير : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى يهود يستعينهم فـي دية ، فهموا أن يقتلوه ، فذلك قوله : { وَلا يَجِرْمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا } … الآية . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ للتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ الله خَبِـيرٌ بِـما تَعْمَلُونَ } . يعنـي جلّ ثناؤه بقوله : { اعْدِلُوا } أيها الـمؤمنون علـى كلّ أحد من الناس ولـيًّا لكم كان أو عدوّاً ، فـاحملوهم علـى ما أمرتـكم أن تـحملوهم علـيه من أحكامي ، ولا تـجوروا بأحد منهم عنه . وأما قوله : { هُوَ أقْربُ للتَّقْوَى } فإنه يعنـي بقوله : هو العدل علـيهم أقرب لكم أيها الـمؤمنون إلـى التقوى ، يعنـي : إلـى أن تكونوا عند الله بـاستعمالكم إياه من أهل التقوى ، وهم أهل الـخوف والـحذر من الله أن يخالفوه فـي شيء من أمره ، أو يأتوا شيئاً من معاصيه . وإنـما وصف جلّ ثناؤه العدل بـما وصف به من أنه أقرب للتقوى من الـجور ، لأن من كان عادلاً كان لله بعدله مطيعاً ، ومن كان لله مطيعاً كان لا شكّ من أهل التقوى ، ومن كان جائراً كان لله عاصياً ، ومن كان لله عاصياً كان بعيداً من تقواه . وإنـما كنى بقوله : { هُوَ أقْرَبُ } عن الفعل ، والعرب تكنـي عن الأفعال إذا كنَت عنها بـ « هو » وبـ « ذلك » ، كما قال جلّ ثناؤه { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ النحل : 95 ] و { ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ } [ البقرة : 232 ] ولـو لـم يكن فـي الكلام « هو » لكان أقرب « نصبـاً » ، ولقـيـل : اعدلوا أقربَ للتقوى ، كما قـيـل : انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ . وأما قوله : { وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ } فإنه يعنـي : واحذروا أيها الـمؤمنون أن تـجوروا فـي عبـاده ، فتـجاوزوا فـيهم حكمه وقضاءه الذي بـين لكم ، فـيحلّ بكم عقوبته ، وتستوجبوا منه ألـيـم نكاله . { إنَّ اللّهَ خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ } يقول : إن الله ذو خبرة وعلـم بـما تعملون أيها الـمؤمنون فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه من عمل به أو خلاف له ، مُـحْصٍ ذلكم علـيكم كله ، حتـى يجازيكم به جزاءكم الـمـحسن منكم بإحسانه ، والـمسيء بـاساءته ، فـاتقوا أن تسيئوا .