Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى الذين وصفت لك يا مـحمد صفتهم أنك تـجدهم أقرب الناس مودّة للذين آمنوا ، ما أنزل إلـيك من الكتاب يتلـى ، { تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ } . وفـيض العين من الدمع : امتلاؤها منه ثم سيلانه منها كفـيض النهر من الـماء ، وفـيض الإناء ، وذلك سيلانه عن شدّة امتلائه ومنه قول الأعشى : @ فَفـاضَتْ دُمُوعِي فَطَلُّ الشَّؤو ن إمَّا وَكِيفاً إما انْـحِدَارَا @@ وقوله : { مِـمَّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ } يقول : فـيض دموعهم لـمعرفتهم بأن الذي يتلـى علـيهم من كتاب الله الذي أنزله إلـى رسول الله حقّ . كما : حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا أسبـاط بن نصر الهمدانـي ، عن إسماعيـل بن عبد الرحمن السديّ ، قال : بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلاً يسألونه ويأتونه بخبره ، فقرأ علـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فبكوا . وكان منهم سبعة رهبـان وخمسة قسيسون ، أو خمسة رهبـان وسبعة قسيسون ، فأنزل الله فـيهم : { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ } … إلـى آخر الآية . حدثنا عمرو بن علـيّ ، قال : ثنا عمر بن علـيّ بن مقدّم ، قال : سمعت هشام بن عروة يحدّث عن أبـيه ، عن عبد الله بن الزبـير ، قال : نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه : { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ } . حدثنا هناد ، قال : ثنا عبدة بن سلـيـمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، فـي قوله : { تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِـمَّا عَرفُوَا مِنَ الـحَقّ } قال : ذلك فـي النـجاشيّ . حدثنا هناد وابن وكيع ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، قال : كانوا يرون أن هذه الآية أنزلت فـي النـجاشيّ : { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ } . حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : قال ابن إسحاق ، سألت الزهري عن الآيات : { ذَلِكَ بأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبـاناً وأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ } … الآية . وقوله { وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً } قال : ما زلت أسمع علـماءنا يقولون : نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه . وأما قوله : { يَقولُونَ } فإنه لو كان بلفظ اسم كان نصبـاً علـى الـحال ، لأنّ معنى الكلام : وإذا سمعوا ما أنزل إلـى الرسول ترى أعينهم تفـيض من الدمع مـما عرفوا من الـحقّ ، قائلـين ربنا آمنا . ويعنـي بقوله تعالـى ذكره : { يَقُولُونَ رَبَنَّا آمَنا } أنهم يقولون : يا ربنا صدّقنا لـما سمعنا ما أنزلته إلـى نبـيك مـحمد صلى الله عليه وسلم من كتابك ، وأقررنا به أنه من عندك وأنه الـحقّ لا شكّ فـيه . وأما قوله : { فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فإنه رُوي عن ابن عبـاس وغيره فـي تأويـله ، ما : حدثنا به هناد قال : ثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي وابن نـمير جميعاً ، عن إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { اكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال : أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } مع أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس : { فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } يعنون بـالشاهدين : مـحمداً صلى الله عليه وسلم وأمته . حدثنـي الـحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، أنهم شهدوا أنه قد بلَّغ ، وشهدوا أن الرسل قد بلَّغت . حدثنا الربـيع ، قال : ثنا أسد بن موسى ، قال : ثنا يحيى بن زكريا ، قال : ثنـا إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، مثل حديث الـحرث بن عبد العزيز ، غير أنه قال : وشهدوا للرسل أنهم قد بلَّغُوا . فكأنّ متأوّل هذا التأويـل قصد بتأويـله هذا إلـى معنى قول الله تعالـى ذكره : { وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ علـى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَـيْكُمْ شَهِيداً } فذهب ابن عبـاس إلـى أن الشاهدين هم الشهداء فـي قوله : { لِتَكُونوا شُهَدَاءَ علـى النَّاسِ } وهم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم . وإذا كان التأويـل ذلك ، كان معنى الكلام : يقولون ربنا آمنا فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبـيائك يوم القـيامة أنهم قد بلَّغوا أمـمهم رسالاتك . ولو قال قائل : معنى ذلك : فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون أن ما أنزلته إلـى رسولك من الكتب حقّ ، كان صوابـاً لأن ذلك خاتـمة قوله : { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِـمَّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وذلك صفة من الله تعالـى ذكره لهم بإيـمانهم لـما سمعوا من كتاب الله ، فتكون مسألتهم أيضاً الله أن يجعلهم مـمن صحت عنده شهادتهم بذلك ، ويُـلـحقهم فـي الثواب والـجزاء منازلهم . ومعنى الكتاب فـي هذا الـموضع : الـجَعْل ، يقول : فـاجْعَلْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، وأثبتنا معهم فـي عدادهم .