Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 34-36)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله : { ادْخُلُوها بِسَلامٍ } ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهمّ والغضب والعذاب ، وما كنتم تَلقَونه في الدنيا من المكاره . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ادْخُلُوها بِسَلامٍ } قال : سَلِموا من عذاب الله ، وسلَّم عليهم . وقوله : { ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ } يقول : هذا الذي وصفت لكم أيها الناس صفته من إدخالي الجنة من أدخله ، هو يوم دخول الناس الجنة ، ماكثين فيها إلى غير نهاية . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ذلكَ يَوْمُ الخُلُودِ } خلدوا والله ، فلا يموتون ، وأقاموا فلا يَظْعُنون ، ونَعِمُوا فلا يبأسون . وقوله : { لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها } يقول : لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم ، وتلذّه عيونهم . وقوله : { وَلَدَيْنا مَزِيدٌ } يقول : وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه . وقيل : إن ذلك المزيد : النظر إلى الله جلّ ثناؤه . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن سُهيل الواسطي ، قال : ثنا قُرةُ بن عيسى ، قال : ثنا النضر بن عربيّ جده ، عن أنس ، إن الله عزّ وجلّ إذا أسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، هبط إلى مَرْج من الجنة أفيح ، فمدّ بينه وبين خلقه حُجُباً من لؤلؤ ، وحُجُباً من نور ثم وُضعت منابر النور وسُرُرُ النور وكراسيّ النور ، ثم أُذِن لرجل على الله عزّ وجلّ بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَويّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا المجعول بيده ، والمُعَلَّم الأسماء ، والذي أُمرت الملائكة فسجدت له ، والذي له أبيحت الجنة ، آدم عليه السلام ، قد أُذِن له على الله تعالى قال : ثم يؤذَن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور ، يُسْمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفُق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا الذي اتخذه الله خليلاً ، وجعل عليه النار بَرْداً وسلاماً ، إبراهيم قد أُذِن له على الله . قال : ثم أُذِن لرجل آخر على الله ، بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذن له على الله ؟ فقيل : هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقرّبه نجياً ، وكلَّمه [ كلاماً ] موسى عليه السلام ، قد أُذِن له على الله . قال : ثم يُؤذن لرجل آخر معه مثلُ جميع مواكب النبيين قبله ، بين يديه أمثال الجبال ، [ من النور ] يسمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا أوّل شافع ، وأوّل مشفَّع ، وأكثر الناس واردة ، وسيد ولد آدم وأوّل من تنشقّ عن ذُؤابتيه الأرض ، وصاحب لواء الحمد ، أحمد صلى الله عليه وسلم ، قد أُذِن له على الله . قال : فجلس النبيون على منابر النور ، [ والصدّيقون على سُرُر النور والشهداء على كراسيّ النور ] وجلس سائر الناس على كُثْبان المسك الأذفر الأبيض ، ثم ناداهم الربّ تعالى من وارء الحُجب : مَرْحَباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي . يا ملائكتي ، انهضوا إلى عبادي ، فأطعموهم . قال : فقرّبت إليهم من لحوم طير ، كأنها البُخت لا ريش لها ولا عظم ، فأكلوا ، قال : ثم ناداهم الربّ من وراء الحجاب : مرحباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا اسقوهم . قال : فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة ، لذة آخرها كلذّة أوّلها ، لا يُصَدّعون عنها ولا يُنْزَفون ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجب : مرحباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، فَكِّهوهم . قال : فيقرّب إليهم على أطباق مكلَّلة بالياقوت والمرجان ومن الرُّطَب الذي سَمَّى الله ، أشدّ بياضاً من اللبن ، وأطيب عذوبة من العسل . قال : فأكلوا ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجُب : مرحباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، وفُكَّهوا اكسوهم قال ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فأُلبسوها . قال : ثم ناداهم الربّ تبارك وتعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفُكَّهوا وكُسُوا طَيِّبوهم . قال : فهاجت عليهم ريح يقال لها المُثِيرة ، بأباريق المسك [ الأبيض ] الأذفر ، فنفحت على وجوههم من غير غُبار ولا قَتام . قال : ثم ناداهم الربّ عزّ وجلّ من وراء الحُجب : مرحباً بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا وفكهوا ، وكسوا وطُيِّبوا ، وعزّتي لأتجلينّ لهم حتى ينظروا إليّ قال : فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد قال : فتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ ، ثم قال : السلام عليكم عبادي ، انظروا إليّ فقد رضيت عنكم . قال : فتداعت قصور الجنة وشجرها ، سبحانك أربع مرّات ، وخرّ القوم سجداً قال : فناداهم الربّ تبارك وتعالى : عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل ، ولا دار نَصَب إنما هي دار جزاء وثواب ، وعزّتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم ، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا ، إلا ذكرتكم فوق عرشي . حدثنا عليّ بن الحسين بن أبجر ، قال : ثنا عمر بن يونس اليمامي ، قال : ثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال : ثني أبو طيبة ، عن معاوية العبسيّ ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وفِي كَفِّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ ، فِيها نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ » فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ ما هَذِهِ ؟ قالَ : هَذِهِ الجُمُعَةُ ، قُلْتُ : فَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيها ؟ قالَ : هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الأَيَّامِ عِنْدَنا ، ونَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الآخِرَةِ يَوْمَ المَزِيدِ قُلْتُ : وَلِمَ تَدْعُونَ يَوْمَ المَزِيدِ قالَ : إنَّ رَبَّكَ تَبارَكَ وَتَعالى اتَّخَذَ فِي الجَنَّةِ وَادِياً أفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ ، فإذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ على كُرْسِيِّهِ ، ثُمَّ حَفَّ الكُرْسِيَّ بِمَنابِرَ مِنْ نُورٍ ، ثُمَّ جاءَ النَّبِيُّونَ حتى يَجْلِسُوا عَلَيْها ثُمَّ تَجِيءُ أهْلُ الجَنَّةِ حتى يَجْلِسُوا على الكُثُبِ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ حتى يَنْظُرُوا إلى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ : أنا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ عِدَتِي ، وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، فَهَذَا مَحلُّ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسأَلُونَهُ الرّضَا ، فَيَقُولُ : رضَايَ أحَلَّكُمْ دَارِي وأنا لَكُم كَرَامَتِي ، سَلُونِي ، فَيَسألُونَهُ حتى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذلكَ ما لا عينٌ رأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ ، إلى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعُة حتى يَصْعَدَ على كُرْسِيِّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الصّدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ ، وَتَرْجِعُ أهْلُ الجَنَّةِ إلى غُرَفِهِمْ دُرَّةً بَيْضَاءَ ، لا نَظْمَ فِيها وَلا فَصْمَ ، أوْ ياقُوتَةً حَمْرَاءَ ، أوْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ ، مِنْها غُرَفْها وأبْوَابُها ، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ ، لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً ، وَلِيَزْدَادُوا نَظَرا إلى وَجْهِهِ ، وَلِذَلكَ دُعِيَ يَوْمَ المَزِيدِ " حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث عليّ بن الحسين . حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : ثنا أسد بن موسى ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن صالح بن حيان عن أبي بُرَيدة ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد ، قال : حدثنا ، أو قال : قالوا : إن أدنى أهل الجنة منزلة ، الذي يقال له تمنّ ، ويذكِّره أصحابه فيتمنى ، ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه . قال : قال ابن عمر : ذلك لك وعشرة أمثاله ، وعند الله مزيد . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن درّاجاً أبا السَّمْح ، حدثه عن أبي الهَيثم ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أنه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الرَّجُلَ فِي الجَنَّةِ لَيَتَّكِيءُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أنْ يَتَحَوَّلَ ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرأتُهُ فَتَضْربُ على مَنْكِبَيْهِ ، فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدّها أصْفَى مِنْ المِرْآةِ ، وإنَّ أدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيرُدُّ السَّلامَ ، وَيَسألُها مَنْ أنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أنا مِنَ المَزِيدِ وَإنَّهُ لَيَكُونَ عَلَيْها سَبْعُونَ ثَوْباً أدْناها مِثْلُ النُّعْمانِ مِنْ طُوبى فَيَنْفُذُها بَصَرُهُ حتى يَرَى مُخَّ ساقِها مِنْ وَرَاءِ ذلكَ ، وَإنَّ عَلَيْها مِنَ التِّيجانِ ، وَإنَّ أدْنَى لُؤلُؤَةٍ فِيها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ " وقوله : { وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ } يقول تعالى ذكره : وكثيراً أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون ، { هُمْ أشَدُّ } من قريش الذين كذّبوا محمداً { بَطْشاً فَنَّقُبوا في البِلادِ } يقول : فَخَرَقُوا البلادَ فساروا فيها ، فطافوا وتوغَّلوا إلى الأقاصي منها قال امرؤ القَيس : @ لقَدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاقِ حتَّى رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بالإيابِ @@ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { فَنَقَّبُوا فِي البِلادِ } قال : أثَّروا . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فَنَقَّبُوا فِي البِلادِ } قال : يقول : عملوا في البلاد ذاك النقْب . ذكر من قال ذلك : وقوله : { هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } يقول جلّ ثناؤه : فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت ومَنْجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا . وأضمرت كان في هذا الموضع ، كما أضمرت في قوله { وكأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ التي أخْرَجَتْك أهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ } بمعنى : فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم . وقرأت القرّاء قوله { فَنَقَّبُوا } بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم . وذُكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك « فَنَقِبُوا » بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد : أي طوّفوا في البلاد ، وتردّدوا فيها ، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله { مِنْ مَحِيصٍ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ … } حتى بلغ { هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } قد حاص الفَجرة فوجدوا أمر الله مُتَّبِعاً . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { فَنَقَّبُوا فِي البِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } قال : حاص أعداء الله ، فوجدوا أمر الله لهم مُدْرِكاً . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } قال : هل من منجي .