Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 18-21)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : كذّبت أيضاً عاد نبيهم هوداً صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به عن الله ، كالذي كذّبت قوم نوح ، وكالذي كذّبتم مَعْشر قريش نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم وعلى جميع رسله ، { فَكَيْفَ كانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } يقول : فانظروا معشر كفرة قريش بالله كيف كان عذابي إياهم ، وعقابي لهم على كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله هوداً ، وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم ، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغيّ والضلالة . وقوله : { إنَّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } يقول تعالى ذكره : إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحاً صرصراً ، وهي الشديدة العصوف في برد ، التي لصوتها صرير ، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل : صرّ ، فقيل منه : صرصر ، كما قيل : فكبكبوا فيها ، من فكبوا ، ونَهْنَهْت من نَهَهْتُ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { رِيحاً صَرْصَراً } قال : ريحاً باردة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } والصَّرصر : الباردة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : الصَّرصر : الباردة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { رِيحاً صَرْصَراً } باردة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { رِيحاً صَرْصَراً } قال : شديدة ، والصرصر : الباردة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { رِيحاً صَرْصَراً } قال : الصرصر : الشديدة . وقوله : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرَ } يقول : في يوم شرّ وشؤم لهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : النَّحْس : الشؤم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } قال النحس : الشرّ { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } فِي يوم شرّ . وقد تأوّل ذلك آخرون بمعنى شديد ، ومن تأوّل ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم ، ومن جعله من صفة اليوم ، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم ، وكسر الحاء من النَّحْس ، فيكون « فِي يَوْمٍ نَحِسٍ » كما قال جلّ ثناؤه فِي أيَّامٍ نَحِساتٍ ولا أعلم أحداً قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع ، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدلّ على أن ذلك كان قراءة . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } قال : أيام شداد . وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } يوم شديد . وقوله : { مُسْتَمِرَ } يقول : في يوم شرّ وشؤم ، استمرّ بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرَ } يستمرّ بهم إلى نار جهنم . وقوله : { تَنْزِعُ النَّاسَ كأنَّهُمْ أعجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } يقول : تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم ، فتندقّ رقابهم ، وتبين من أجسامهم . كما : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة شمَاليًّا ، منهم ستة من أشدّ عاد وأجسمها ، منهم عمرو بن الحُلَيِّ والحارث بن شداد والهلقام وابنا تيقن وخَلَجان بن أسعد ، فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردّوا الريح عمن بالشِّعب من العِيال ، فجعلت الريح تخفِقُهم رجلاً رجلاً ، فقالت امرأة من عاد : @ ذَهَبَ الدَّهْرُ بَــعَــمْـــرِو بــْ نِ حُــلَـــيَ والهَــنـِـــيَّـــاتِ ثُمَّ بـــالـــحارِثِ والــهِــلْ قــامِ طَـــلاَّعِ الــثَّـــنِـــيَّاتِ وَالَّـــذِي سَــدَّ عَـــلَــيْــنــا الــرّ يــحَ أيَّــامَ الـبَــلِـــيَّــاتِ @@ حدثنا العباس بن الوليد البيروتيّ ، قال : أخبرني أبي ، قال : ثني إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن إسحاق قال : لما هبَّت الريح قام سبعة من عاد ، فقالوا : نردّ الريح ، فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح ، فوقفوا عليه ، فجعلت الريح تهبّ ، فتدخل تحت واحد واحد ، فتقتلعه من الأرض فترمي به على رأسه ، فتندقّ رقبته ، ففعلت ذلك بستة منهم ، وتركتهم كما قال الله : { أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } وبقي الخَلَجان فأتى هوداً فقال : يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتيّ ؟ قال : تلك ملائكة ربي ، قال : مالي إن أسلمت ؟ قال : تَسْلَم ، قال : أيُقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء ؟ فقال : ويلك أرأيت مَلكاً يقيد جنوده ؟ فقال : وعزّته لو فعل ما رضيت . قال : ثم مال إلى جانب الجبل ، فأخذ بركن منه فهزّه ، فاهتزّ في يده ، ثم جعل يقول : @ لَمْ يَبْقَ إلاَّ الخَلَجانُ نَفْسُهُ يا لَكَ مِنْ يَوْمٍ دَهانِي أمْسُهُ بِثابِتِ الوَطْءِ شَدِيدٍ وَطْسُهُ لَوْ لَمْ يَجِئْنِي جِئْتُهُ أحُسُّهُ @@ قال : ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه . حدثني محمد بن إبراهيم ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا نوح بن قيس ، قال : ثنا محمد بن سيف ، عن الحسن ، قال : لما أقبلت الريح قام إليها قوم عاد ، فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الأعاجم ، وغمزوا أقدامهم في الأرض وقالوا : يا هود من يزيل أقدامنا عن الأرض إن كنت صادقاً ، فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل مُنْقَعِر . حدثني محمد بن إبراهيم ، قال : ثنا مسلم ، قال : ثنا نوح بن قيس ، قال : ثنا أشعث بن جابر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة ، لو اجتمع عليها خمس مئة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوها ، وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الأرض ، فتدخل في الأرض ، وقال : كأنهم أعجاز نخل ومعنى الكلام : فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ، فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام عليه . وقيل : إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر ، لأن رؤوسهم كانت تبين من أجسامهم ، فتذهب لذلك رِقابهم ، وتبقى أجسادهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا خلف بن خليفة ، عن هلال بن خباب ، عن مجاهد ، في قوله : { كأنَّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } قال : سقطت رؤوسهم كأمثال الأخبية ، وتفرّدت ، أو وتَفَرّقت أعناقهم « قال أبو جعفر : أنا أشك » ، فشبهها بأعجاز نخلٍ منقعر . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { تَنْزِعُ النَّاسَ كأنَّهُم أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } قال : هم قوم عاد حين صرعتهم الريح ، فكأنهم فِلَق نخل منقعر { فَكَيْفَ كانَ عَذَابي وَنُذُرِ } يقول تعالى ذكره : فانظروا يا معشر كفار قريش ، كيف كان عذابي قوم عاد ، إذ كفروا بربهم ، وكذّبوا رسوله ، فإن ذلك سنة الله في أمثالهم ، وكيف كان إنذاري بهم مَنْ أنذرت .